ياسر الرميان.. حامل مفاتيح ابن سلمان إلى عهد ترامب الجديد
بقلم: صابر طنطاوي...
رغم أنه شخصية تنتمي وظيفيًا إلى قيادات الصف الأول في المملكة، لكن اسمه لم يكن بالمعروف على المستوى الشعبي العربي بما يتناسب مع ثقله ومهام عمله داخل السعودية، إلى أن جاء هذا المقطع المرئي الذي لم يتجاوز ثوان معدودة، جمعه والرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب أثناء حضور نزال UFC309 في الولايات المتحدة، ليُشعل منصات التواصل الاجتماعي ويصبح اسم محافظ صندوق الاستثمارات العامة، ياسر الرميان، حديث الساعة.
اللقطات المصورة أظهرت الرميان إلى يمين ترامب، وحديث جانبي يدور بينهما يبدو من لغة الجسد أنه ودّي في المقام الأول، فيما كان على يساره رجل الأعمال، أغنى رجل في العالم، والمعيَّن وزيرًا للكفاءة الحكومية في أمريكا إيلون ماسك، ومن خلفهم عدد من الشخصيات البارزة، يجمع بينهما لغة المال والأعمال.
علامات استفهام عدة أطلّت برأسها بعد نشر تلك اللقطات القصيرة، وقراءات مختلفة فيما تحمله من دلالات ورمزيات، وما يمكن استقراؤه بشأن الدور المرتقب لمحافظ صندوق الاستثمارات العامة، والذراع الاقتصادية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، في تعميق العلاقات بين السعودية السليمانية وأمريكا الترامبية.
وقبل أيام، جرى الإعلان عن اختيار الرميان ضمن قائمة “فورتشن” لأفضل 100 شخصية في قطاع الأعمال لعام 2024، كما تُوِّج بجائزة أيزنهاور للتحول العالمي، ليواصل القيادي الاستثماري الذي لم يتجاوز عمره الـ 54 عامًا، ويدير الصندوق الذي يمتلك أكثر من 940 مليار دولار، صعوده بسرعة الصاروخ نحو منصات الشهرة العالمية.
وبعيدًا عن حزمة الوظائف القيادية التي يتقلدها الرميان، فإلى جانب كونه محافظًا لصندوق الاستثمارات، فهو رئيس مجلس إدارة شركة أرامكو السعودية، ورئيس مجلس إدارة معادن، والمستشار في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بمرتبة وزير، ورئيس الاتحاد السعودي للغولف، ورئيس مجلس إدارة مركز دعم اتخاذ القرار السعودي، والرئيس غير التنفيذي لمجلس إدارة نادي نيوكاسل يونايتد، يبقى السؤال: أي دور ينتظر رائد قطاع المال والاستثمار في المملكة خلال المرحلة المقبلة؟ وهل يمتلك من الإمكانيات ما يؤهّله لهذا الدور؟
مرَّ الرميان في مسيرة حياته بمحطتين رئيسيتين، ما قبل عام 2015 وما بعده، أما ما قبله فكانت الحياة تمرّ بمنعرج طبيعي تقليدي كبقية التجارب الحياتية لمن هم على شاكلته من أبناء جيله من خريجي كلية المحاسبة جامعة الملك فيصل، والتي حصل على درجة البكالوريوس منها عام 1993، حيث بدأ مسيرته المهنية بوصفه أحد الأعضاء المؤسّسين لهيئة السوق المالية عام 2004.
من بعدها عمل مديرًا لإدارة تمويل الشركات والإصدار في الهيئة نفسها، ومن بعدها عضوًا في مجلس إدارة شركة السوق المالية السعودية “تداول”، والرئيس التنفيذي والعضو المنتدب لشركة السعودي الفرنسي كابيتال، كما عمل في البنك الهولندي مديرًا للوساطة الدولية، وفي الهيئة السعودية للمحاسبين القانونيين.
وفي 29 أبريل/ نيسان 2015، وعقب صدور الأمر الملكي الذي نصَّ على اختيار محمد بن سلمان وليًا لولي العهد، وتعيينه نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء السعودي، قبل أن يتم اختياره وليًا للعهد بعد عامَين عقب الإطاحة بابن عمه ولي العهد وزير الداخلية محمد بن نايف، بدأت المحطة الثانية من مسيرة الرميان، حيث تعبيد الطريق نحو الريادة والنفوذ والالتحاق بقيادات الصف الأول الاقتصادي بالمملكة.
قبل هذا التاريخ بشهر واحد فقط، وبعد تولي سلمان بن عبد العزيز العرش، أجرى الملك تغييرات جذرية على الهيئات الاقتصادية في المملكة، فاستبدلها جميعها بمجلسَين فقط أحدهما هو مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، والذي عيّن نجله محمد رئيسًا له، وعقب هذا القرار مباشرة صدر مرسوم خاص حمل رقم 270 لعام 2015، يتضمن نقل الإشراف على صندوق الاستثمارات السعودي من وزارة المالية إلى مجلس الشؤون الاقتصادية المدشّن حديثًا، والذي يرأسه الأمير الشاب، وبذلك بات الصندوق تحت سيطرة ولي العهد مباشرة.
وبعد 5 أشهر فقط من اختيار ابن سلمان وليًا لولي العهد، عيّن الرميان محافظًا لصندوق الاستثمارات العامة السعودي، ليصبح ذراعه الأهم في ترجمة “رؤية 2030” التي طرحها ولي العهد لتقديم نفسه كقائد وزعيم جدير بخلافة والده على عرش المملكة، وبالفعل استغل المحافظ الجديد الفرصة التي يعلم أنها لن تستمر طويلًا إن لم يُحسن توظيفها لتقديم قرابين الولاء والطاعة لأميره وسيّده.
كان الرميان ذكيًا في قراءة أفكار وطموحات وأحلام ولي العهد، فسابق الزمن نحو ترجمتها عمليًا، على أمل أن يكون من المقربين المحظيين بالرضا السامي، البداية كانت مع منح ابن سلمان الهيمنة الكاملة على الصندوق، فساعده في تغيير النظام اللائحي والقانوني للصندوق، بما يعطيه السلطة المطلقة في اختيار الأعضاء وتعيينهم وفق الهوى والمزاج بعيدًا عن اعتبارات الكفاءة والقدرة.
كما تماهى مع خطط ابن سلمان في تحويل الصندوق لواحد من أكبر الصناديق السيادية في العالم، ليقفز في غضون 10 سنوات من 84 مليار دولار في عام 2014، إلى 940 مليار دولار في عام 2024، مستخدمًا في ذلك كل الأساليب المشروعة وغير المشروعة، والتي كان على رأسها الثروات المحقّقة من مصادرة أصول وثروات بعض الشخصيات الاقتصادية الكبيرة خلال الحملة التي شُنّت بزعم مكافحة الفساد عام 2017، والمعروفة باسم “اعتقالات الريتز كارلتون”.
وتحوّل الصندوق بقيادة الرميان إلى ملكية خاصة لابن سلمان، يتصرف فيها كيفما شاء، دون أي مراقبة أو مراجعة، ليضع ما يقرب من تريليون دولار من ثروة المملكة تحت أمره المباشر، طامحًا أن يتضاعف هذا الرقم بنهاية عام 2030، حيث يحلم الأمير الشاب أن يصبح صندوق بلاده أكبر صندوق ثروة سيادية في العالم، بما يمنحه القوة التي تؤهّله لتعزيز حضوره وإبقائه على كرسي السلطة أطول فترة ممكنة.
وبعد 4 سنوات كاملة من التجربة أثبت فيها الرميان ولاءه الكامل لابن سلمان، وأنه الشخص المناسب لترجمة أحلامه وطموحاته، كان لا بدَّ من مكافأته وفي الوقت نفسه دعمه لبذل المزيد من الولاء وتنفيذ مخططات الأمير الشاب، فعُيِّن رئيسًا لشركة أرامكو، إمبراطور الطاقة في العالم، وذلك في أغسطس/ آب 2019.
وكان ابن سلمان قد كشف في 4 يناير/ كانون الثاني 2016 عن خطة اقتصادية تتضمن طرح أسهم أرامكو للاكتتاب العام، وكان قد وعد بتنفيذها كجزء من مشروع إصلاح اقتصادي شامل تقدّم به (رؤية 2030)، ومن ثم جاء اختيار الرميان لرئاسة الشركة ليشرف بنفسه على هذا الطرح الذي تهدف المملكة من خلاله زيادة حجم الصندوق إلى 3 تريليونات دولار، والمساهمة في توسعة القطاعات غير النفطية في المملكة وتوطينها، بما يحقق رؤية ولي العهد.
كما يقوم رئيس هيئة الترفيه الحالي، تركي آل الشيخ، إحدى أذرع ابن سلمان والمقرّبين منه، بالترويج لصورة المملكة وتجميلها على المستوى الخارجي من خلال القوى الناعمة، الفن والإعلام والرياضة، يقوم الرميان بالدور ذاته، لكن على الجانب الاقتصادي، من خلال رسم صورة إيجابية عن إمكانيات السعودية وقدراتها الثرواتية الهائلة.
واستطاع الرجل منذ توليه منصب محافظ صندوق الاستثمارات العامة أن يقفز به إلى آفاق غير مسبوقة، من حيث لغة الأرقام والحسابات، ليبدأ مرحلة جديدة من الانطلاق متجاوزًا بها الساحة الداخلية التي استطاع أن يهيمن عليها بشكل كبير، حيث بدأ توجيه الدفة نحو الخارج والعمل على قدم وساق لتحسين صورة المملكة، خاصة بعد الهزة العنيفة التي تعرضت لها عقب اغتيال الصحفي المعارض جمال خاشقجي في إسطنبول عام 2018، وما قبلها من حملة الاعتقالات التي طالبت أباطرة المال والأعمال ومن بعدها العلماء ورجال الدين.
وفتح الرميان بما لدى الصندوق من إمكانيات وثروات خطوط اتصال عدة في الخارج، خاصة في الولايات المتحدة (استثمارات الصندوق هناك 35 مليار دولار) وأوروبا، كذلك أمريكا الجنوبية، حيث أبرم العديد من الصفقات والمشاريع الاستثمارية التي وضعت صورة المملكة هدفًا محوريًا لها، بجانب الأهداف الاقتصادية المعروفة.
وفي يونيو/ حزيران الماضي، وفي كلمته أثناء فعاليات قمة الأولوية من مؤسسة مبادرة مستقبل الاستثمار (FII)، التي عُقدت في العاصمة البرازيلية ريو دي جانيرو، أكّد عزم صندوق الاستثمارات العامة ضخّ العديد من الاستثمارات الضخمة في الطاقة المتجددة عبر شركة “أكوا باور” (التي يهمين الصندوق على 50% من حصتها) في السوق البرازيلي، مبديًا في الوقت ذاته اهتمام الصندوق بالاستثمار في كرة القدم في البرازيل، التي أشار إلى أنها مكان مثالي لضخّ الاستثمارات فيه خاصة في مجال الترفيه.
لا يجد ابن سلمان أفضل من ياسر الرميان لتمثيله شخصيًا لدى الرئيس المنتخب دونالد ترامب وإدارته الجديدة، إذ يمتلك كافة الإمكانيات والقدرات التي تؤهّله للقيام بهذا الدور، خزان أسرار ولي العهد، وخبرات اقتصادية كبيرة، ولديه علاقات قوية ومتشابكة مع مجتمع رجال المال والأعمال في الولايات المتحدة والغرب بصفة عامة بحكم مناصبه التي تقلّدها، هذا بجانب ما يتمتع به من طلاقة في اللغة وقدرة على التواصل البنّاء مع صنّاع القرار في الداخل الأمريكي.
ويعكس المقطع المصور المتداول للرميان وترامب أن الرجل كما كان قارئًا جيدًا لولي العهد، فهو كذلك قادر على فهم عقلية ترامب بصورة كبيرة، فهو يعلم من أين تؤكل الكتف، ويجيد التحدث مع القبيلة الترامبية بلغتها التي تحبّها، لغة المال والاستثمارات والأرباح والعوائد الاقتصادية الكبيرة، يساعده على ذلك التحدث باسم كيانَين هما الأكبر اقتصاديًا في المملكة، صندوق الاستثمارات وأرامكو.
هذا بجانب العلاقة الجيدة -حتى الآن كما يبدو- بين الرميان الذي يتولى منصب رئاسة الاتحاد السعودي للغولف، ويموّل عبر الصندوق مسابقة الغولف الجديدة “إل آي في”، التي اُعتبرت منافسًا لبطولات جولة “بي جي إيه” الأمريكية للغولف؛ وترامب الذي يعشق تلك اللعبة واستضافت ملاعب تابعة له 5 جولات للبطولة السعودية، وكان قد أعلن في تصريحات سابقة له استعداده للتوسط لحلّ الخلاف القانوني بين بطولة “بي جي إيه” الأمريكية والمسابقة السعودية.
وقد يجد ولي العهد السعودي في الرميان الورقة المناسبة التي ربما يلقي بها في الملعب الأمريكي خلال ولاية ترامب الثانية، والتي يمكن أن تلعب دورًا كبيرًا في تعميق العلاقات بين الرياض وواشنطن، وردم كافة الخلافات القديمة في عهد الديمقراطيين، أو حتى التي كانت خلال ولاية الرئيس الجمهوري الأولى.
ارسال التعليق