السعودية والإمارات ترفضان الانضمام إلى التحالف البحري الأمريكي الجديد في البحر الأحمر وباب المندب
[عبد العزيز المكي]
رفضت كل من السعودية والأمارات وحتى مصر الانضمام إلى التحالف البحري الأمريكي الجديد، الذي أعلن تشكيله وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن في 18/2/2023، ويضم – هذا التحالف- بحسب بيان وزارة الدفاع الأمريكية بريطانيا وفرنسا وكندا وهولندا والنرويج وسيشيل واسبانيا والبحرين بالإضافة إلى الولايات المتحدة، وتحت قيادتها، وقد بذل المسؤولون الأمريكيون وعلى رأسهم لويد اوستن وزير الدفاع وجاك سوليفان مستشار الأمن القومي الأمريكي... بزياراتهم المتكررة للمنطقة وتحركهم على أنظمة هذه الدول لاقناعها بالمشاركة في هذا الخلف الجديد الذي يهدف إلى حماية السفن " الإسرائيلية" في البحر الأحمر وباب المندب، ومواجهة الهجمات التي يقوم بها أنصار الله انتصارا لأهالي غزة الذين يتعرضون لإبادة جماعية من جانب العدو الصهيوني!
وقد بذل الأمريكان كل تلكم المساعي لإقناع السعودية والإمارات وحتى مصر بالانضمام الى هذا التحالف، لإضفاء نوع من الشرعية على هذا التشكيل العسكري الجديد، هذا من جانب ومن جانب آخر تحميل السعودية والأمارات مسؤولية الأنفاق المالي الذي يحتاجه هذا الحلف، لأنه يحتاج الى أموال طائلة لتغطية نشاطاته وتحركاته، وأمريكا ليس بمقدورها لوحدها تحمل أعباء هذه المهمة، نظراً لوضعها الاقتصادي المتردي ومنج انب ثالث: ان المشاركة السعودية والإماراتية تضمن لامريكا الزج بقوات وجيوش هاتين الدولتين في مواجهة أنصار الله!!
على أن محاولات الإقناع الأمريكية والمقرونة بالضغوط أيضاً لم تؤد الى مشاركة السعودية والأمارات في التحالف الجديد، بشكل رسمي، وقد ساق بعض الخبراء والإعلاميين السعوديين اكثر من سبب لامتناع النظام السعودي وحتى الإماراتي ونظيره المصري أيضاً، عن الانضمام رسمياً الى هذا التحالف نشير الى بعضها بالنقاط التالية..
1- الانضمام رسمياً بهذا التحالف سوف يفضح زيف ادعاءات هذا النظام وبقية الأنظمة، ويكشف تموضعها الحقيقي الى جانب العدو الصهيوني في عدوانه على غزة والشعب الفلسطيني، فقادة العدو وعلى رأسهم نتنياهو أكدوا مراراً ان السعودية تريد استمرار الحرب على غزة حتى القضاء على حماس، وهذا ما أكده أيضاً مارتن انديك معاون وزير الخارجية الأمريكي الأسبق ومندوب أمريكا في أزمة الشرق الأوسط، في لقاءاته الأخيرة مع المسؤولين السعوديين وعلى رأسهم الحاكم الفعلي محمد بن سلمان، حيث قال السعوديون يقولون في الخفاء ما يخالف ما يعلنونه للاعلام، فهم يؤيدون الحرب الصهيونية على غزة ويودون القضاء على حماس، كلهم يعلنون انهم ضد الحرب خوفاً من الرأي العام في السعودية وخارجها، وفي ضوء ذلك، فأن مادام هذا التحالف مجيراً امريكيا لحماية السفن الصهيونية والسفن المتعاملة مع العدو، فأن المشاركة سوف تكشف الحقيقة كما قلنا وتكشف صهيونية هؤلاء الحكام، ثم تمزق النسيج الإعلامي والسياسي الذي نسجه الاعلام السعودي بالكذب والزيف، وببذل الأموال الطائلة لتضليل الرأي العام حول حقيقة الموقف السعودي لاحظ ما يقوله الصحفي والمحلل السعودي الفريب من الديوان الملكي سليمان العقيلي، زاعماً:" لقد بذلت الرياض كل الجهود السياسية والدبلوماسية لايقاف الحرب العدوانية على غزة"! وأضاف العقيلي الذي حاول تضليل الرأي العام وطمس الحقائق، قائلاً: " ما يعنيها " المملكة" حالياً هو الوقف الفوري للعدوان الصهيوني، ولن تلتفت لغير ذلك. لأن الحرب هي مصدر التهديد المباشر للأمن والاستقرار الإقليمي".. هذا بينما تقول نائبة سفير الاحتلال في مصر روت وسيرمان في مقابلة مع القناة(13) العبرية، عكس ما يقوله السعوديون، حيث قالت" تضغط الولايات المتحدة من إحدى الجهات، ولاشك عندي ان الانظمة العربية مثل السعودية والأمارات ودول أخرى لا يريدون أن يكون هناك وقف إطلاق نار...هم غير معنيين بذلك، وكل شئ يفعلونه بالسر يفعلون عكسه بالعلن"!
2- ان النظامين السعودي والإماراتي باتوا على قناعة بأن أية مشاركة في هذا التحالف، سوف يضعهما في مهب المخاطر الجسمية التي تقضي على تلك الأنظمة، فقد تورطهما أمريكا في حرب جديدة مع أنصار الله، وأيضاً باتا على قناعة بأنه المواجهة الامريكية العسكرية مع أنصار الله سوف تجر إلى حرب إقليمية لا طاقة للدول الخليجية في تحمل أعبائها وتداعيتها ونتائجها في ظل العجز الأمريكي، وفي ظل التجارب التاريخية التي تؤكد بلا جدال ان الاميركان يمكن في أية لحظة أن يفروا بجلودهم، وينهزموا تاركين عملائهم وأدواتهم عرضة الى الهلاك والتنكيل كما حصل في أفغانستان وقبل ذلك في فيتنام والصومال ومواقع أخرى، لأن خسارة أمريكا في تلك الحرب خسارة مؤكدة في ظل معطيات الميدان في بعض ساحات المواجهة مع العدوين الأمريكي والصهيوني... فأنصار الله باتوا قوة كبيرة وعالمية باعتراف الخبراء لا يمكن القضاء عليهم في أية معركة حقيقة لأن امريكا والعدو بدعمهم ومشاركتهم المباشرة وغير المباشرة للتحالف السعودي جربوا حظهم على مدى تسع سنوات استخدموا كل أنواع أسلحة الدمار والقتل والتجويع والحصار، بينما خرجوا منها مهزومين انصار الله ظلوا صامدين وخرجوا أقوى واصلب عوداً وقدرة على المواجهة والتنكيل بمن يعاديهم ويتربص بهم الدوائر. ولذلك يقر أكثر الخبراء في أمريكا والعدو بهذا الواقع، ففي هذا السياق أكد الباحث في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، يؤئيل جوزانسكي، ان صنعاء باتت قوة عالمية" وقال في مقال له " إن صنعاء تحولت من قوة محلية وإقليمية إلى قوة ذات تأثير عالمي على أثر عملياتها العسكرية ضد الكيان الإسرائيلي". من جهته أكد الخبير الروسي الاستراتيجي الكسندر نازاروف، معلقاً على الحصار اليمني على الموانئ " الإسرائيلية" قائلاً : " ان عمليات اليمن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تشكل تحدياً كبيراً لامريكا وللهيمنة الانجلوسكسونية على العالم،و التي تعتبر سيطرتها على البحار إحدى أهم الركائز الأساسية لهذه الهيمنة".. والى ذلك أقرت بعض الأوساط الإعلامية الأمريكية بأن هجمات أنصار الله باتت تسبب صداعاً للبحرية الأمريكية، فالجيش الأمريكي قد يواجه خيارات صعبة بشأن كيفية الرد، وأوردت في هذا الاطار مجلة نيوزويك الأمريكية، قائلة أن" الهجمات تشكل معضلة صعبة للقوات البحرية الأمريكية في المنطقة"، مشيرة الى أن " القوات اليمنية لديها مخزون جيد من الصواريخ المضادة للسفن، ويمكنهم مضايقة سفن اكثر مما يمكن للبحرية الأمريكية أن تأمل في حمايته". واستطراداً قال الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية لمجلة نيوزويك الأمريكية فابيان هينز انه " لا يمكن للبحرية الأمريكية أن تكون في كل مكان طوال الوقت" مشيراً الى أنه " قد يكون من السهل الدفاع عن السفن ضد عمليات الاختطاف من الهجمات الصاروخية أو الطائرات من دون طيار، لكن البحرية الأمريكية في نهاية المطاف لا تستطيع تغطية كل متر من البحر الأحمر وحماية السفن الاكثر عرضة للخطر".
3- في ظل الإخفاق الصهيوني على الصعيدين العسكري والاقتصادي وحتى على الصعيد الإعلامي في مواجهة المقاومة في غزة وباتت معالم هزيمة الجيش الصهيوني امام كتائب عز الدين القسام، وكتائب سرايا الجهاد الاسلامي، وبقية كتائب الفصائل الأخرى، ترسخت قناعة كاملة الاركان عند الانظمة الحليفة لواشنطن سيما النظامان السعودي والإماراتي، بأن أية معركة مع المقاومة ستكون الهزيمة محتمة لواشنطن ولحلفائها، وهذه القناعة أيضاً، كانت قد ترسخت حتى عند بعض الأوساط الأمريكية والصهيونية..فهذا المحلل الصهيوني المعروف يارون فريدمان، اعتبر في مقال له في صحيفة يدعوت احرونوت ان أمريكا عاجزة، وتتخبط، وفسر عدم انضمام السعودية والإمارات الى هذا التحالف لانعدام ثقتها به، وقال: " من المؤكد ان المرء يستطيع أن يفهم المعلقين السعوديين الذين أعربوا مؤخراً عن مخاوفهم من أن التحالف الذي شكلته الولايات المتحدة ضد الحوثيين، لن يكون عديم الفائدة فحسب، بل سيكون ضاراً ويؤدي الى حرب إقليمية واسعة النطاق.." من جانبه شك قائد سلاح البحرية الصهيوني السابق في جيش الاحتلال، اليعيزر ميروم، بتأثير وقدرة التحالف البحري في البحر الأحمر برعاية الولايات المتحدة في وقف هذه العمليات- هجمات انصار الله- في ظل جدية الموقف اليمني".. على ان الانتقاد الأشد لهذا التحالف جاء من الأمريكيين، فهذا السياسي الأمريكي سينك أويغور يصرح متهكماً في مقابلة مع قناة " TyT" الأمريكية قائلاً: " دعونا نكون دقيقين للغاية، الحوثيون يستهدفون فقط السفن التي تتجه الى " اسرائيل" ولا يزال بامكان هذه السفن الوصول الى هناك. عليهم فقط ان يذهبوا حول افريقيا مما يجعل المنتجات اكثر تكلفة .. لذا قد نبدأ حرباً ضخمة في الشرق الأوسط للتأكد من أن المواطنين" الاسرائيليين" لا يدفعون الكثير مقابل بضائعهم بسبب ما يحدث في البحر الأحمر!!" وسخر أويغور من هذا التحالف متسائلاً: " ماذا سنفعل؟ سنذهب الى اليمن. أعني، هذه كارثة. كنا بالفعل في اليمن عبر السعوديين، ولم نتمكن من هزيمتهم على أي حال، لأجل ماذا سنذهب؟ هل الأطفال الأمريكيين يقتلون هناك؟! ولكن لأن الإسرائيليين لا يريدون زيادة 10% على المنتجات في حرب بدؤوها.." ولفت أويغور إلى ان " اسرائيل" تسعى لجر الولايات المتحدة الى حرب في المنطقة من أجل نتنياهو وبعد إشارته وتأكيده على أهمية وتأثير السلاح الاقتصادي ضد العدو الصهيوني، اكد أويغور.." ان الحوثيين يقاتلون بما يملكونه من نفوذ وقوة ليس من أجل مصلحة شخصية، وإنما من أجل فلسطين. وعملياً هذه العمليات فعالة وتحدث فرقاً كبيراً..".
و من الجدير الإشارة أيضاً إلى أن الدول المشاركة في هذا التحالف، هي دول بعيدة لا تمتلك شواطئ على البحر الأحمر أو مضيق باب المندب، أي غير مشاطئة، ثم انها اكتفت بمشاركة قوات بحرية رمزية، إذ رفضت الطلب الأمريكي بإرسال قوات بحرية لهذا الغرض! وبعضها فكر بالانسحاب لأنهم لا يريدون التورط في حرب مع اليمنيين، ذلك فضلاً عن امتناع مصر عن الانضمام للحلف الأمريكي، الأمر يعني، انه ولد ميتاً ولم يكن سوى ضجة و" همروجة" إعلامية لطمأنة الصهاينة وشركات الشحن ليس إلّا. وهذا ما أكدته صحيفة النيوزويك تايمز الأمريكية بقولها" ان عملية " حارس الازدهار" هي خطوة رمزية تسمح للبيت الأبيض من جهة، بالقول ان المزيد من الدول تدعم أمن البحر الأحمر، ومن جهة ثانية لزيادة ثقة شركات الشحن".
على أن عدم استجابة السعودية والأمارات ولأمريكا بالانضمام إلى الحلف البحري الأمريكي لا يعني توقفهما عن الكيد والتآمر على فلسطين وغزة بالذات، ودعمهما للعدو الصهيوني، إنما واصلا هذا الدعم على صعيدين، الأول الدعم الاقتصادي، بفتح طريق بديل للعدو، وهو الطريق البري الذي يمر بالأردن ثم السعودية فالإمارات، ومن الموانئ الإماراتية إلى بقية دول العالم الشرقي، وفعلاً أشار العدو إلى تفعيل هذا الطريق وقال انه يختزل الزمن والكلفة!! أما الصعيد الثاني، فهو المتمثل بمحاولاتهما دفع الولايات المتحدة والدول الغربية نحو المواجهة العسكرية مع أنصار الله في اليمن، في الجبهات وفي البحار، بعيداً عن الساحتين السعودية والإماراتية!! وهذا ما انعكس في التحريض الذي مارسته وتمارسه الأوساط الإعلامية والسياسية لهاتين الدولتين، فعلى سبيل المثال ، كشف مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ السعودية القريب من الديوان السعودي، عبد الله آل هتيله، عن تطلع بلاده لهجوم أمريكي على الحديدة!! في حين أكد المحلل العسكري السعودي أحمد الركبان لقناة الحرة الأمريكية رغبة بلاده بتكرار سيناربو إبادة غزة في اليمن ولو أدّى ذلك إلى مقتل 25 ألف طفل وطفلة!! أما مستشار محمد بن زايد، عبد الخالق عبد الله فقد نشر على صفحته الرسمية بمواقع التواصل الاجتماعي مقتطفات من حملة تقودها بلاده في أوساط اللوبي بأمريكا وتتحدث عن خطأ استراتيجي ارتكبتا واشنطن بمنع الأمارات من السيطرة على الحديدة!! مايعزز هذا الاتجاه هو ان كلا الطرفين السعودي والإماراتي شجعا مرتزقتهما اليمنيين أمثال طارق عفاش والزبيدي وبن عزيز ومن لف لفهم، على التعاون مع التحالف الأمريكي الجديد، حيث لم يتوان هؤلاء المرتزقة عن الإعلان عن انضمام مهم للحلف، وعرض خدماتهم العسكرية لأميركا، ومساهمتهم لحماية سفن الكيان الصهيوني!!
الكاتب: عبد العزيز المكي
ارسال التعليق