بعد سقوط نظريات الأمن والحماية الأمريكية والصهيونية... ماذا سيفعل النظامان السعودي والإماراتي!؟
[عبد العزيز المكي]
لعلّ أكثر المتابعين والمحللين يتذكرون تصريحات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب حول المعادلات والنظريات الأمنية الأمريكية التي تحكم العلاقة الأمريكية بالنظام السعودي، فهو الرئيس الأبرز الذي تحدث بصراحة بدون لف ودوران عن هذه المعادلات، حيث قال" اننا نحميهم، مقابل المال، هم يعطوننا الأموال ونحن ندافع عنهم، وعلى خلفية هذه المعادلة ظل النظام السعودي رهينة حتى اليوم بيد الولايات المتحدة وأداة من أدوات سياساتها ومشاريعها ومخططاتها في المنطقة..فجيوش التكفيريين من القاعديين والدواعش، والطالبان تخرجت من المدارس الوهابية السعودية المنتشرة في أنحاء العالم والتي تشرف عليها المؤسسة الوهابية السعودية، وتمولها، وقد لاحظنا كيف ان هذه الجيوش خدمت أمريكا وأعداء الأمة بتشويه الإسلام وإيجاد الفرقة بين السنة والشيعة وأشكال القتل البشعة وتحريف أحكام وقيم الإسلام وما إلى ذلك كثير، ومازالت هذه الجيوش تخدم المشروع الأمريكي لتمزيق الأمة ومنع وحدتها وتمكين الاعداء من استعمارها والسيطرة عليها وتمرير مشاريعهم الفكرية والثقافية للقضاء على الفكر الإسلامي الأصيل، فما فعلته هذه الجيوش المدعومة سعودياً وأمريكيا في أفغانستان والعراق وفي سوريا وليبيا و.و. شاهد على التوظيف الأمريكي للنظام السعودي، إذ شكل رأس الحربة في أغلب المشاريع الأمريكية ضد الأمة!، وهذه قضية معروفة، إذ لم أصنف شيئاً جديداً إذا لم أشرت إلى دور السعودية في تمرير مشاريع أمريكا والعدو الصهيوني الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية أو حصرها في إطار ضيق مثل مشروع فهد، ومبادرة عبد الله التي أصبحت فيما بعد مبادرة عربية، وغيرها ، وكذلك سلاح النفط الذي عطل طيلة هذه العقود لأن منظمة أوبك تقاد وتسيس من قبل أمريكا بواسطة السعودية كما قال الخبير اللبناني نيثولا سركيس... هكذا...
على انه، في السنين الأخيرة اهتزت هذه المعادلة كثيراً سيما في عهدي اوباما وترامب، فلم تعد الأموال والخدمات السعودية مجدية لتقديم الحماية الأمريكية، رغم ان النظام السعودي لم يقصر في تقديم هذه الخدمات وفي تمرير المشاريع الأمريكية في المنطقة والعالم سراً وعلانية، فعلى سبيل المثال ان الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما قال في احدى مقابلاته مع وسائل الاعلام الأمريكية انه لا يمكنه ان يضحي بالجنود الأمريكيين من أجل حماية النظام السعودي، وأضاف، ان النظام اذا كانت لديه خلافات مع ايران فبيحلها معها بالحوار، اني أرى ان التهديد الأساسي لنظام آل سعود هو من الداخل، من شعب المملكة، فليتصالح النظام السعودي مع هذا الشعب وينتهي التهديد، وفي حينها إنزعج النظام من هذه التصريحات واعتبرها خذلان أمريكي له وتخلياً عنه، لكن آل سعود انتعشوا بعد مجئ ترامب سيما بعد تصريحه مراراً وتكراراً حول معادلة الحماية الأمريكية مقابل الأموال، وحلب البقرة السعودية بحسب وصفه هو، أكثر من 450 مليار دولار في حينها، واللافت انه رغم إقرار ترامب بهذه المعادلة وتقاضيه الأموال الطائلة من آل سعود الّا انه أيضاً خيب آمالهم، بإعلانه صراحة عدم الدفاع عن السعودية لأن أمريكا ليست بحاجة قصوى للنفط السعودي، وذلك عند ما طلب النظام من أمريكا حمايته من الصواريخ والمسيّرات الحوثية التي ضربت في ذلك الوقت منشآت آرامكو في بقيق وخريص وشلت نصف الإنتاج النفطي السعودي، ذلك رغم ان أمريكا هي التي ورطت السعودية وحتى الأمارات في شن الحرب والعدوان على الشعب اليمني المظلوم.. وحتى في عهد بايدن، استمر هذا النهج الأمريكي، أي اهتزاز في معادلة الحماية مقابل الأموال، فبايدن أخرج الحوثيين من قائمة الإرهاب وسحب مضاداته الجوية للصواريخ والطائرات المسيرة من نوع باتريوت وثاد الأمر الذي اخطر النظام السعودي الاستعانة باليونان للحصول على بدائل لسد الفراغ الذي خلفه سحب المضادات الأمريكية..
و هنا تجدر الاشارة الى ان التغيير في السياسة الأمريكية تجاه النظام السعودي وبقية الأنظمة الخليجية جاء على خلفية التراجع الأمريكي عسكرياً واقتصادياً فقد لاحظنا هزيمتها المدوية في أفغانستان، وقبل ذلك في العراق، حيث استنزفتها الحروب والتدخلات في شؤون الدول الأخرى، وراكمن من الديون مئات بل آلاف التريليونات من الدولارات، مازالت الى الآن تأن من وطأة هذه الديون، ثم اهتزاز الاستقرار الداخلي، فالمجتمع الأمريكي بات عرضة للتفكك والانقسام بعد تفشي الجريمة والضغط الاقتصادي على رافع الضرائب الأمريكي، ولذلك بات اليوم الانقسام العمودي والأفقي واضحاً ينحز في عمق المجتمع الأمريكي، وهو ما صار حديث الصحافة العالمية فضلاً عن الأمريكية نفسها..
و في الوقت الذي تتراجع فيها القوة الأمريكية على الصعيد العالمي، هناك قوى عالمية وإقليمية تشهد تصاعداً في القوة العسكرية والاقتصادية كالصين وروسيا والهند، وكقوى إقليمية إيران وتركيا، وهذه القوى خطت خطوات متعددة هددت فيها الهيمنة الأمريكية وسيطرتها العالمية وتحكمها بمصائر الشعوب، فلأول مرة بعد عقد من الهيمنة الأمريكية باتت الصين منافساً لأمريكا من الناحيتين العسكرية والاقتصادية بل يمكن أن تريحها من عرش الهيمنة في القادم من الزمن، طبقاً لتقديرات الخبراء والمحللين الأمريكيين أنفسهم فضلاً عن نظرائهم الغربيين.
على خلفية هذا الواقع، وجدت الولايات المتحدة نفسها مجبرة على التراجع عن الحضور العسكري وغير العسكري من بعض المناطق، لأنها باتت غير قادرة على تغطية نفقات هذا الانتشار الواسع في العالم، ومن هذه المناطق المرجحة، هي منطقة الشرق الأوسط، سيما المنطقة العربية والإسلامية، لأن حاجتها للنفط السعودي باتت غير ماسة نظراً لاكتشاف النفط الحجري لديها، ولان سيناريو بديل يمكن أن تعتمد عليه أمريكا في حفظ مصالحها وفي مواجهة القوى العربية والإسلامية الصاعدة التي يمكن أن تشكل تهديداً لتلك المصالح ولربيبتها المدللة" الدويلة الإسرائيلية"، حيث يتعقد الأميركان ان هذا البديل يوفر لهم فرص تقليص النفقات الباهظة، ويوفر لهم فرص تجميع إمكاناتهم وقوتهم استعداداً لمواجهة الصين الصاعدة..
أما الخطة البديلة فهي معروفة وتقضي بتمكين الكيان الصهيوني في المنطقة عسكرياً واقتصادياً ومنحهعمقاً استراتيجياً برياً وجوياً وحتى بحرياً، عبر دمجه في المنطقة العربية الخليجية تحديداً الغنية...
و على أساس هذا المخطط انطلقت عملية التطبيع بحماسة منذ عهد ترامب وأنتجت ما يسمى باتفاقات " أبراهام " حيث وقع النظامان الإماراتي والبحريني هذه الاتفاقات مع العدو وتبعهما السودان والمغرب و.و، نزل النظام الإماراتي بكل ثقله في هذا التطبيع مع العدو، مسخراً كل إمكاناته المالية والجغرافية والعسكرية والسياسية في خدمة العدو، ومساعدة الأخير في إقامة وإنشاء قواعد عسكرية في الجزر اليمنية المحتلة مثل سقطري وميون وعبد الكوري وحنيش وغيرها، وفي الأمارات نفسها.. وضخ المليارات من الدولارات في الاقتصاد الصهيوني بحجة الاستثمار حتى أن الصهاينة اعترفوا أن بعض مصانع أسلحتهم كانت قد عُطلت بسبب نقص التمويل بدأت تعمل مجدداً بدعم ما يسمى" صندوق الاستثمار الإماراتي" في الأرض المتحتلة، أكثر من ذلك أن الأمارات نفسها تحولت إلى مستوطنة صهيونية فهناك في أبو ظبي حي كامل أقيم للصهاينة بعد أن منح حاكم الإمارات بن زايد الصهاينة حق التملك وشراء الأراضي، وبناء المساكن والإقامة فيها!!
و منذ انطلاق عجلة التطبيع الخليجية مع العدو، ضاعفت ورش الإعلام والتثقيف الأمريكي والسعودي والإماراتي وفي كل دوائر أصدقاء العدو.. من جهدها وعملها وتغطيتها المكثفة وتحليلات خبرائها وكتابات محلليها.. كل ذلك لإقناع الرأي العام في الدول الخليجية العربية، وفي خارجها بأن التطبيع مع العدو " سوف يفتح آفاقاً ايجابية للشعوب العربية"!! ومن هذه الآفاق ان التطبيع مع العدو سوف يوفر له فرصة الدفاع عن تلك الأنظمة وحمايتها " من إيران" الشماعة التي يخوف بها العدو وأمريكا، تلك الأنظمة، ومنها التقدم الذي تحققه الدول المطبعة" بالتداخل الاقتصادي مع العدو، بحسب المقولة التي يروج لها العدو باستمرار وهي ان " الدول العربية الخليجية لديها المال الوفير، والعدو لديه العقول الخلاقة والتقدم التكنولوجي"!!
و من المقولات أيضاً، ان " إسرائيل" القوة الأولى في المنطقة والقادرة على " ردع إيران" وهذه المقولة أيضاً روج لها الإعلام الصهيوني وحتى المسؤولين الصهاينة، وروج لها الإعلام الإماراتي والسعودي ومن لف لفه، وعلى هذا الأساس اندفع النظامان السعودي والإماراتي لإقامة معاهدات أمنية سرية وعلنية مع العدو!! فيما بدأ النظام السعودي عهد ويروج للتطبيع مع العدو بمختلف الطرق.. بينما العدو ظل يحاول تكريس مقولة حمايته للأنظمة الخليجية وان النظام السعودي منها بالذات مهتم ويتطلع إلى هذه الحماية لأن " إسرائيل" قوية عسكرياً!! وما إلى ذلك، من أمثال تلك المقولات، واللافت بل والمستغرب أيضاً، إن هذه الأنظمة صدقت واقتنعت ان الكيان الصهيوني قادر على حمايتها وباتت تبني سياساتها على أساس هذه القناعة، سيما النظامان السعودي والإماراتي فضلاً عن النظام البحريني التابع للسعودية!! كما ان العدو من جهته هو الآخر بنى سياساته على أساس تلك القناعة وأخذ يطالب هذه الأنظمة بدفع الثمن مقدماً لقاء الحماية...
طوفان القدس تقلب المعادلات:
وفيما كانت سياسات الأنظمة المطبعة تسير بشكل متسارع بالاتجاه المشار إليه، جاءت عمليات طوفان القدس لحركة حماس وبقية الفصائل الفلسطينية المقاومة في السابع من أكتوبر الماضي لتوجه ضربة قاصمة للجيش الصهيوني ولكل منظومات العدو الصهيوني الأمنية والاستخبارية ولمنظومات أسلحته المتطورة.. وكبدته المئات من القتلى والمئات من الجرحى وأسر العشرات بينهم ضباط كبار.. وكشف هذه العمليات وما تلاها من عدوان بري للجيش الصهيوني على غزة معطيات وحقائق جديدة واستراتيجية نشير إلى بعضها بما يلي:
1- كشفت عمليات طوفان القدس وما بعدها هشاشة العدو الصهيوني، وزيف هالة القوة التي نسجتها أمريكا والدوائر الصهيونية لخداع الأنظمة المطبعة فتلك العمليات أكدت باليقين وبالدليل القاطع أن هذا العدو غير قادر على حماية نفسه فكيف يستطيع حماية تلك الأنظمة؟! ويبدو أن بعض هذه الأنظمة مثل النظام السعودي وصلت إلى هذه القناعة أو على الأقل تظاهرت بالوصول إليها تحسباً للمستقبل، لأن الارتهان إلى مقولة الحماية الصهيونية، مجرد وهم وخداع، كما تشير تصريحات تركي الفيصل الأخيرة رئيس المخابرات السعودية السابق، والذي يعكس دائماً وجه نظر البلاط الملكي في الرياض.. تلك التصريحات التي اتقلب فيها أو استدار بزاوية 180ْعن تصريحاته السابقة ففي هذه التصريات انتقد وأدان حركة حماس وعمليات طوفان الأقصى، وفي تصريحاته الأخيرة امتدح فيها حركة حماس وعمليات طوفان الأقصى!! ولقد اتضح للقاصي والداني، انه لولا الدعم الأمريكي العسكري والاقتصادي لهذا العدو لأنها رفي الأيام الأولى للحرب الأخيرة، ثم انه رغم هذا الدعم الهائل يقف اليوم على حافة الأنهار على كل الأصعدة.
2- سقوط الهيبة الأمريكية والهيبة الصهيونية، وباتت القواعد والوجودات الأمريكية والصهيونية في المنطقة أهدافاً مشروعة لفصائل المقاومة في المنطقة، تتعرض يومياً للقصف والتنكيل من قبل الوحدات المقاتلة لهذه الفصائل يومياً أكثر من ذلك، أن أنصار الله اليمنيين كشفوا هشاشة القوة الأمريكية في البحر الأحمر بتحديها وفرض الحصار البحري على العدو الصهيوني وتكبيده خسائر اقتصادية فادحة باعتراف الأوساط الصهيونية نفسها.
3- كشفت عمليات طوفان الأقصى الوجه الحقيقي للولايات المتحدة ولكيان الصهيوني، أمام الرأي العام العالمي، الرأي العام الإسلامي والعربي بشكل خاص، فكانت القناعات السائدة، وبسبب الدعايات والكذب والتزوير الاعلامي والسياسي الأمريكي والصهيوني هي " أن إيران وفصائل المقاومة تمارس ما يسمونه الإرهاب والتهديد للأمن الإقليمي والعالمي"!! بينما أوضحت تلك العمليات_ طوفان الأقصى وما بعدها_ أن أمريكا والعدو الصهيوني هما اللذان يمارسان الإجرام والإرهاب بكل أنواعه ضد الشعوب العربية وضد الشعوب الإسلامية، وحتى في خارج هذه الدوائر، وهما اللذان يرتكبان حروب الإبادة وينتهكان حقوق الإنسان بأبشع الصور كما يحصل في مذابح العدو في غزة بدعم وبأسلحة أمريكية!!
4- هزيمة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، هزيمة منكرة، حيث اتضح للأنظمة المطبعة مع العدو، أن الرهان على هذا المشروع، والذي طبلت له بحماس، ما هو الّا وهم وضرب في الخيال، ذلك ان يوماً بعد آخر تتكرس مفاهيم ومفردات مشروع أطراف المقاومة، مقابل تصدع المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، فثمة إجماع تقريباً عند أكثر الخبراء، بأن الهزيمة ستكون مصيراً محتوماً لهذا المشروع، لكن أمام هذه الحقيقة هل يعود المطبعون والمراهنون على الحماية الأمريكية والصهيونية إلى رشدهم ويؤبوا إلى الصواب ويتصالحوا مع شعوبهم ومع إخوتهم في الدول المجاورة!؟ نأمل ذلك، ولننتظر، هل يستمرون على أخطائهم أم انهم سيصححون هذه الأخطاء!؟
عبد العزيز المكي
ارسال التعليق