
اتساع دائرة الاعتراف بالدولة الفلسطينية
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
من الملاحظ أن أعداد الدول الغربية تحديداً، وحتى غير الغربية، المنظمة الى دائرة الاعتراف الغربي بالدولة الفلسطينية يتزايد يوماً بعد آخر حتى وصل العدد حتى الآن الى أكثر من 150 دولة من مجموع 193 دولة عضواً في الأمم المتحدة، خصوصاً وأن هذه الدائرة تضم دولاً وازنة وكبيرة مثل فرنسا وبريطانيا وكندا وإسكتلندا والبرتغال و... الأمر الذي اعتبره بعض الخبراء العرب والغربيين تحولاً في الموقف الغربي من القضية الفلسطينية!! (تحولاً تاريخياً) هكذا وصف أحد الخبراء المصريين لصالح الحق الفلسطيني! إذ قال الكاتب والخبير المصري في شؤون الأمن القومي المصري (محمد مخلوف): "إن الاعترافات الدولية المتزايدة بدولة فلسطين انتصار تاريخي وتطور نوعي على طريق تكريس الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني". وأضاف: "إن الاعترافات الدولية المتزايدة بالدولة الفلسطينية ليست مجرد حدث سياسي طارئ أو خطوة رمزية عابرة، بل هو تأكيد لحقيقة راسخة مفادها إن فلسطين من الأساس دولة لها أرضها وتاريخها وحدودها الطبيعية التي تبلورت عبر قرون". واستطرد مخلوف قائلاً: "إن هذه التطورات تؤشر الى تحول نوعي في الرؤية العالمية تجاه القضية الفلسطينية، حيث بات المجتمع الدولي أكثر إدراكاً لضرورة إنصاف الشعب الفلسطيني الذي يعاني منذ أكثر من سبعة عقود من الاحتلال والتهجير والحصار..." مشدداً على "إن هذا الاعتراف لا يمثل مجرد إجراء دبلوماسي بل هو خطوة استراتيجية نحو إحياء عملية السلام حقيقية قائمة على الشرعية الدولية ومبدأ الأرض مقابل السلام، بعيداً عن الحلول الجزئية أو محاولات الالتفاف على الحقوق الفلسطينية".
إن هذا الحماس الذي عبر عنه هذا الخبير تملك أغلب الأوساط الإعلامية العربية والغربية، خصوصاً السعودية منها، حيث ذهبت بعيداً وبالغت كثيراً في النفخ بهذا (التحول) الغربي على حد زعمهم، فوزارة الخارجية السعودية قالت في بيان لها، إن "الاعتراف بدولة فلسطين يؤكد الالتزام الجاد من الدول الصديقة بدعم مسار السلام" والدفع باتجاه حل الدولتين على أساس قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة" وأضاف بيان إن: "المملكة تتطلع الى اعتراف المزيد من الدول بدولة فلسطين، واتخاذها لمزيد من الخطوات الإيجابية بما يحقق تطلعات الشعب الفلسطيني بالعيش في سلام على أرضه، ويمكن السلطة الفلسطينية من القيام بواجباتها نحو مستقبل يسوده الأمن والاستقرار والازدهار للشعب الفلسطيني". واضح: "إن البيان مفعم بالجمل الانشائية الرنانة والتي توحي بأن (الاعتراف الدولي) بالدولة الفلسطينية وكأنه يرقى الى عملية تحرير للأرض الفلسطينية!! فهل الامر كذلك؟ هل يعني هذا الاعتراف بدولة فلسطينية، يشكل تحولاً تاريخياً في الموقف الدولي من قضية فلسطين والاحتلال الصهيوني!؟
وللإجابة على هذا التساؤل لا بد من الإشارة بداية الى دوافع وأسباب هذا التحول..
ونقول إن هذا التحول فعلاً يعتبر تطوراً مهما في صالح القضية الفلسطينية، اقله، في تصدر تلك القضية اهتمامات الحكومات الغربية تحديداً، ولكن هل هذا الاهتمام جاء على خلفية استيقاظ للضمير الغربي، (المقصود الحكومات) بسبب عدوان الإبادة الجماعية التي يرتكبها جيش نتنياهو المحتل بحق أبناء غزة وتدمير البنى التحتية!؟ تلك الحكومات التي الى الآن أكثرها يمد العدو الصهيوني بالأسلحة الفتاكة القاتلة!؟
والجواب (كلا) إنما هو ردة فعل من التداعيات التي أوجدتها او أثارتها تلك المذابح التي يواصلها العدو ويواصل ارتكابها حتى كتابة هذه الاسطر، على صعيد وعي الرأي العام الغربي والامريكي، نلخص هذه التحولات عند الرأي العام الغربي بالنقاط التالية:
1ـ المجازر اليومية ومشاهد الاشلاء والدم بحق الأطفال والنساء والشيوخ العزل، التي يرتكبها العدو بحق أبناء غزة نسف كل مفاهيم ومشاعر (المظلومية) التي ظل العدو يحتكرها لنفسه في وعي الرأي العام الغربي، وكانت دافعاً إضافيا للحكومات الغربية في تقديم الدعم والاسناد للعدو على طول تلك الحقبة الماضية، فيما هذه المجازر كشفت نازية واجرامية هذا العدو الغادر، ولذلك وعلى أثر الصدمات المتتالية التي تعرض لها وعي الرأي العام الغربي بسبب هول مشاهد القتل الفلسطيني في غزة، تبلورت قناعة في الوعي الغربي حول زيف ما كان يصدره العدو من مظلوميات ومحاولات استقطاب، وتطورت هذه القناعة حتى أصبحت موقفاً تبدى بالمظاهرات والاحتجاجات التي عمت ساحات الدول الغربية، ولم تقف عند هذا الحد فحسب، بل بدأت تلك الاحتجاجات بالضغط على حكوماتها لقطع عملية التسليح والدعم اللوجستي والعسكري والاقتصادي للعدو... والأخطر من ذلك بالنسبة للحكومات الغربية هو بروز تكتلات وتشكيلات سياسية ونشطاء من عمق هذه القناعات في الأوساط الشعبية الغربية تطالب وتتحرك على صعيد تغيير الحكومات في الدول الغربية ان لم تغير قناعاتها وسلوكها ودعمها للكيان الصهيوني المجرم ومحاصرته للضغط عليه من أجل إيقاف المذبحة التي باتت بأبعادها المأساوية والإنسانية تهز بل تصدم الضمائر والوجدان عند الرأي العام الغربي.
إذن التحول في موقف الحكومات على صعيد الاعتراف جاء على خلفية هذا الوعي الذي اجتاح المجتمعات خوفاً من إن يتطور الى ما لا يحمد عقباه او يخرج عن السيطرة.
2ـ الحكومات الغربية وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا بحكم تجربتها التاريخية واستعمارها للمنطقة العربية والإسلامية، ودراساتها الاجتماعية والسياسية لسلوك وعقائد الشعوب في تلك المنطقة، بحكم هذه التجربة العريقة رأت إن أسلوب الولايات المتحدة والكيان الصهيوني في استخدام استراتيجية القوة المفرطة لتصفية القضية الفلسطينية، استراتيجية غير مجدية، بل على العكس انها يمكن أن تفجر المنطقة برمتها وذلك لا يصب في صالح العدو والمصالح الغربية، ولذلك لا بد من التدرج في عملية تصفية القضية مع استخدام الخداع، فهذا السلوك بنظر البريطانيين خاصة والأوروبيين عامة يصب في مصلحة العدو الصهيوني ومستقبله! وتأكيداً لعدم جدية (الاعتراف بدولة فلسطينية) في قيام دولة فلسطينية لهذا المشروع، رسائل طمأنة للعدو!! وأفادت وسائل إعلام عبرية إن السعودية بعثت رسالة للحكومة الصهيونية تضمنت عروض بالتطبيع وبحسب القناة (12) العبرية تضمنت الرسالة تهديداً بالانسحاب من التطبيع في حال أقدمت دولة الاحتلال على ضم الضفة الغربية في إشارة واضحة الى استعداد السلطات السعودية للتطبيع في حال نجح مشروعها ذلك بالإضافة الى أخبار العدو، بحذف حماس من المشهد الغزي، وتوضع غزة تحت إدارة عربية او حتى دولية، كما ذكرت أوساط فرنسية وبريطانية وعلى خلفية ما تقدم اعتقد إن ما ذهب إليه بعض الكتاب والمحللين العرب حول إن إعلان الدولتين الذي تتحمس له وتعمل على تحقيقه السعودية يعتبر حلقة جديدة من حلقات الخيانة السعودية للقضية الفلسطينية... اعتقد إن ذلك ينطوي على كثير من الصحة، فعلاً لو راجعنا مشاريع السلطات السعودية الخاصة بقضية فلسطين نجد أنها شكلت غطاءً سعودياً وعربياً لكل طروحات التصفية البريطانية والأمريكية لهذه القضية من مبادرة فهد1982 التي تنص على الاعتراف بالعدو مقابل دويلة فلسطينية محدودة الصلاحيات، وإلى ما يسمى مبادرة عبدالله بن عبد العزيز 2002 المسمات (بالمبادرة العربية) تقوم على ذات الأسس السابقة، أي الاعتراف بالعدو مقابل دويلة فلسطينية منزوعة السيادة! واليوم يواصل النظام السعودي بدعم بريطاني فرنسي نفس النهج في محاولة تمييع القضية الفلسطينية عبر اعلان الاعتراف مقابل التطبيع مع العدو في الوقت الذي يواصل هذا العدو حرب الإبادة ضد أهالي غزة، وفي الوقت الذي يعلن صراحة بل وينفذ على الأرض كما يحصل في سوريا مشروعه الاستعماري (ما يسمى بإسرائيل الكبرى، الذي يقضي بحسب الخرائط الصهيونية بقضم كثير من أراضي السعودية نفسها!!
3ـ إن موقف الرأي العام الغربي وبعض الحكومات الغربية المتقدم جداً لصالح الشعب الفلسطيني بعد عدوان الإبادة الصهيوني بحق سكان غزة والمجازر التي يرتكبها يومياً بحق هؤلاء السكان؟ ثم الانتهاك السافر للقوانين والاعراف الدولية بعدواناته المستمرة على الدول المجاورة، دفع بالرأي العام الغربي الى اتخاذ موقف واضح من العدو لصالح القضية الفلسطينية انعكس في تصاعد الوعي بإرهابية هذا العدو ومظلومية الشعب الفلسطيني، وبالمطالبة للحكومات الغربية بوقف تسليح العدو، وبإقدام بعض تلك الحكومات مثل اسبانيا وكندا واسكتلندا وغيرهم على إيقاف توريد الاسلحة للعدو وحتى بمقاطعة العدو وعزله ونسف مقولاته الخادعة من مثل (مظلومية) و(معاداة السامية) وغيرها كثير! كل ذلك احرج الدول العربية إيما احراج فحكومات هذه الدول لم تتحرك بل على العكس تقدم السند والعون للعدو خصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، لدرجة حتى إن المسؤولين الصهاينة يثنون بين الحين والآخر على هذه الدعم!
أكثر من ذلك، إن أحد علماء الكويت الوهابية وهو (عثمان الخميس) افتى بحرمة القتال في غزة نصرة لأبناء لابنائها حيث قال: "إن حروب الكفار على المسلمين كما حدث في الحروب الصليبية او التتار او البوسنة والهرسك او في زماننا الآن هو بذنوب المسلمين أنفسهم"؟ وقال إن الله يسلط الكفار على المسلمين بسبب ذنوبهم"!! وأضاف مشيرا الى الأسباب التافهة لمنعه المسلمين من مناصرة إخوانهم في غزة بوجود الحدود!! فيما العدو انتهك الحدود وسيادات الدول وغار عليها وقصفها وقتل بعض قادتها ورموزها!!... وتعني هذه الفتوى إن مناصرة غزة ومحاربة الصهاينة هو اعتراض على إرادة الباري عز وجل!! إذن يمكن القول باختصار شديد إن الحماس السعودي وحماس بقية الأنظمة العربية او بعضها المطبعة خصوصاً للاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية إنما هو عملية ركوب موجة خوفاً من باس الشعوب العربية بسبب تأثرها بالموقف الأوروبي شعبيا وحتى رسيماً، لأن هذه الحكومات المطبعة لم ترتق الى 1% من الموقف الإسباني مثلاً او حتى الموقف الفرنسي الرسمي... ولذلك وجد النظام السعودي وغيره من الأنظمة العربية البائسة الحماس الغربي للاعتراف بالدولة الفلسطينية غطاءً لمكافأة العدو ولتمرير التطبيع وتجيير هذا الحماس لخداع الرأي العام بأنهم مهتمون بالقضية الفلسطينية والدفاع عنها!!
وبالطبع هناك أسباب أخرى لكن نكتفي بهذا القدر، وننتقل الى سؤال آخر منطقي وجدير بالتوقف عنده، وهو هل التحول في الموقف الأوروبي، هو تحول وتطور تاريخي كما وصفه البعض؟ لا شك أنه تطور متقدم أجبرت عليه بعض الحكومات الأوروبية جبراً قسرياً كما أشرنا بسبب التطور في وعي الرأي العام الأوروبي لصالح قضية الشعب الفلسطيني، لامتصاص موجة الغضب العارمة التي عمت أوساط الشعوب الأوروبية أو أكثرها، فيما يبقى هذا الإعلان في إطار البالون الإعلامي القابل للتوظيف من قبل الحكومات الأوروبية والنظام السعودي لأن الدولة تحتاج الى مقومات ليأخذ الإعلان عنها مجراه نحو الواقع، فالأرض الفلسطينية التي من المقرر قيام الدولة عليها وهي غزة والضفة الغربية تتعرض لعملية قضم ولم يبق منها إلا القليل فغزة يراد إخلائها بالمجازر اليومية من سكانها، والضفة الغربية على الطريق وتنتشر فيها المستوطنات كانتشار الفطر!! ثم إن فرنسا وبريطانيا والنظام السعودي يريدون هذه الدولة مجرد ديكور لا حول له ولا قوة وهذا ما يؤكد تطمينات بريطانيا وفرنسا والنظام السعودي لمسؤولي الكيان ولأمريكا المعترضة، على غرار ما حصل في أوسلو الذي يفترض أن ينتهي بدولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، وحينها قال المقبور (شيمون بيريز) رئيس الوزراء ورئيس العدو: "دع عرفات يحلم بهذه الدولة!! وفعلاً ظلت الدولة حلم فما قدمت السلطة خدمات جمة للعدو في مجالات حماية الاحتلال والتجسس على المقاومة باعتراف العدو نفسه، وباعتراف المنشقين من سلطة أوسلو!! ولذلك قال رئيس الوزراء الإسباني (بيدرو سانشيز) في المؤتمر الدولي الذي عقد مؤخراً لحل الدولتين في نيويورك تحت مظلة الأمم المتحدة بقيادة فرنسا والسعودية... قال: "إن حل الدولتين مستحيل عندما تكون احداهما (ضحية إبادة جماعية)" وأضاف قائلا: "صحيح إننا اتخذنا خطوة حاسمة اليوم في هذا المؤتمر بمطالبتنا بحل الدولتين لكن دعونا نكون واضحين، حل الدولتين مستحيل عندما تكون أحدى الدولتين ضحية إبادة جماعية، وهذا المؤتمر هو تمرد أخلاقي على اللامبالاة والإهمال، وهو أيضا التزام جماعي بوقف هذه الوحشية وتمهيد الطريق للسلام"، وانتقد الموقف الأوروبي إزاء سكوته على تلك المحرقة التي يواصلها العدو بحق الشعب الفلسطيني قائلاً: "سيحكم علينا التاريخ وسيكون حكمه لا هوادة فيه على من يلتزمون الصمت او يغضون الطرف عن الوحشية، إسبانيا قررت ألا تلتزم الصمت بل أن تتحرك" وذكر أن إسرائيل تعمل على تصفية الشعب الفلسطيني وتقتل النساء والأطفال وكبار السن في غزة"، مشدداً على ضرورة وقف المجزرة!! وذلك يؤشر الى موقف متقدم ألف مرة على الموقف السعودي خاصة، والعربي البائس عامة!!
ارسال التعليق