
شركات الاستشارية تقلّص خططها التوسعية في السعودية
نقلت صحيفة فايننشال تايمز عن جهات توظيف ومحللين قولهم "إن شركات الاستشارات الأجنبية العاملة في "السعودية" بدأت تُبطئ وتيرة التوظيف بعد سنوات من التوسع الكبير، في ظل قيام "السعودية" بمراجعة أولوياتها الاقتصادية وتخفيف بعض جوانب خطتها للتحوّل الاقتصادي."
وفي تقرير للصحيفة، نشر أمس، أشارت فيه إلى أنه منذ عام 2016، عندما أطلق النظام السعودي مشاريعه الضخمة المعروفة بـ”المشاريع العملاقة”مثل مدينة نيوم ومشروع “ذا لاين” الممتد على 170 كيلومترًا، تدفقت شركات الاستشارات الكبرى إلى أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط.
لكن انخفاض أسعار النفط — الذي أثّر على ميزانية النظام — إضافةً إلى الشكوك المتزايدة حول جدوى بعض المشاريع، أدى هذا العام إلى تباطؤ النشاط الاقتصادي، بينما يفكر "المسؤولون السعوديون" في كيفية إعادة توجيه الإنفاق العام، وفقا للصحيفة.
ونقلت الصحيفة عن أحد الشركاء السابقين في شركة KPMG ، وهي إحدى “الأربعة الكبار”، قوله إن “هناك حالة من الذعر داخل الشركة، وهو أمر مفهوم لأن ما بين 60 و70 في المئة من إيرادات قسم الاستشارات كان يأتي من القطاع العام”.
وردّت شركة KPMG بقولها إن الشركات حول العالم تواجه “ظروفًا اقتصادية غير مستقرة”، وإن “العديد من مؤسسات الخدمات المهنية تأثرت بذلك”، مضيفة أن فرعها في الشرق الأوسط يواصل “مواءمة خدماته مع احتياجات العملاء الحالية”.
وقال دين ألبرتيلّي، وهو محلل أبحاث أول في شركة Source Global Research المتخصصة في الاستشارات، إن “هناك بالتأكيد إعادة تموضع في السوق خلال هذا العام، لكنها أصبحت أكثر وضوحًا في الشهرين أو الثلاثة الأخيرة”. وتوقع “تراجعًا ملحوظًا”في نمو سوق الاستشارات في السعودية من نحو 25 في المئة عام 2024 إلى حوالي 11 أو 12 في المئة هذا العام.
وأضاف ألبرتيلّي أن شركات الاستشارات تقف عند “مفترق طرق”، لأن "السعوديين" يعيدون ترتيب أولويات المشاريع الكبرى، وبالتالي سيتم منح العقود بطرق مختلفة. وأوضح أن هناك من سيكون “فائزًا”ومن سيكون “خاسرًا”نتيجة هذه التحولات.
وقال جيسون غرندي، المدير الإقليمي للشرق الأوسط وأفريقيا في شركة التوظيف Robert Walters ، إن العديد من المشاريع العملاقة في "السعودية" انتقلت من مرحلة التخطيط إلى مرحلة التنفيذ، ما يعني أن الحاجة إلى خدمات الاستشارات الاستراتيجية تقلّ، مضيفًا: “شركات الاستشارات لا تخلط الإسمنت”.
وأوضح بشار كلّاني، الشريك الإداري في شركة Boyden بالإمارات والمدير السابق لشركة Accenture في دبي، أن التوظيف السريع الذي ميّز السنوات الماضية في شركات الاستشارات “بدأ يتباطأ، وفي بعض الحالات هناك تقليص في الموظفين”.
وأضاف كلّاني أن ذلك “ناتج عن عاملين: أولهما انخفاض الإنفاق من جانب العملاء، والثاني هو دخول التكنولوجيا وخاصة الذكاء الاصطناعي الذي يجبر الشركات على تحقيق كفاءة أعلى”.
وقال أحد مستشاري Accenture العاملين في "السعودية" إن بعض الشركات “تتعرض لضربات كبيرة”بسبب تقليص أعداد الموظفين، مشيرًا إلى أن “الذكاء الاصطناعي يؤدي الآن العديد من المهام أفضل من البشر في المستويات التحليلية”.
وقدّر كلّاني أن فرق الاستشارات التي تركز على القطاعين المصرفي والمالي شهدت انخفاضًا في الوظائف الإدارية المتوسطة بنسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة، بينما الانخفاض في فرق الإنشاءات كان “أعلى من ذلك بكثير”.
وأضاف أن هذه القيود على التوظيف تأتي بعد زيادة غير مسبوقة في أعداد العاملين في شركات الاستشارات في "السعودية" منذ جائحة كورونا، زاعماً أن ما يحدث الآن هو “وقفة مؤقتة وليس تراجعًا دائمًا”.
وكانت الزيادة في عدد الموظفين مدفوعة بطلب من الجهات الحكومية التي استعانت بشركات الاستشارات للمساعدة في تسريع مشاريع “رؤية 2030” لمحمد بن سلمان، حيث ساعدت الشركات الأجنبية في كل شيء من وضع خطط جذب السياح إلى إنشاء وزارات جديدة بالكامل.
وقال أحد الشركاء المتقاعدين في PwC للصحيفة "إن سوق الاستشارات في "السعودية" يعود إلى حجمه الطبيعي”، مضيفًا: “لقد كان سوقًا استثنائيًا على مدى السنوات الخمس الماضية”.
وأشار التقرير إلى أن فايننشال تايمز كانت قد نقلت في وقت سابق وجود ضغط نزولي على رسوم الخدمات الاستشارية، حيث قال بعض العاملين في القطاع إنها تراجعت بنسبة تصل إلى 40 في المئة خلال هذا العام.
ويقول المطلعون في الصناعة إن هناك شكوكًا متزايدة لدى الجهات الحكومية تجاه دور شركات الاستشارات، في وقت أصبحت فيه كفاءة الإنفاق أولوية قصوى. وقال الشريك المتقاعد من PwC إن المسؤولين الحكوميين قلقون من المبالغة في الوعود والتفاؤل المفرط في بعض المشاريع العملاقة، إضافة إلى معدل دوران الموظفين داخل الشركات و”تضارب المصالح”.
أما الشركات التابعة لصندوق الاستثمارات العامة السعودي — الذي يقود مزاعم "التنويع الاقتصادي" "للسعودية" — فهي أيضًا تتعرض لضغوط متزايدة لتحقيق النتائج. وتواجه فرق الإدارة مزيدًا من التدقيق من قبل مجالسها التي تضم العديد من الوزراء، وذلك لتحقيق الأهداف وترشيد الإنفاق، بما في ذلك النفقات على الاستشاريين.
وقال عمر زكريا، مدير شركة Robert Walters في "السعودية"، إن الجهات الحكومية تستغرق وقتًا أطول للموافقة على عقود الاستشارات لأن العقود تخضع الآن لمراجعة دقيقة.
وأضاف: “إذا أراد أحد استخدام شركات مثل Bain أو BCG أو إحدى شركات الأربعة الكبار، فعليه أن يمر بعملية موافقات حكومية معقدة، وهذا يستغرق وقتًا طويلاً”. وقدّر أن هناك تأخيرًا يتراوح بين أربعة إلى ستة أشهر في إقرار العقود. وقال: “شركات الأربعة الكبار لا تستطيع الانتظار، وقد كانت موظفة بالفعل بناءً على النموذج القديم”.
لكن بعض المستشارين أشاروا إلى أن عمليات الموافقة كانت طويلة منذ البداية.
وقال أحد المستشارين المحليين السابقين في PwC إن بعض الجهات الحكومية أصبحت أكثر حذرًا في توظيف الأجانب في وزارات حساسة لأسباب أمنية، حيث يقتصر العمل في بعض المشاريع على "السعوديين" فقط.
وأضاف غرندي وزكريا أن هناك انخفاضًا كبيرًا هذا العام في عدد الوظائف العليا التي توفّرها Robert Walters لشركات الخدمات المهنية في "السعودية"، رغم أن الطلب ارتفع في قطاعات مثل الصحة والسياحة والقانون.
وقال الشريك السابق في KPMG إنه يتلقى “يوميًا عدة رسائل من مجندين يعرضون عليّ مواهب رفيعة المستوى موجودة في السعودية”.
وصرح آخرون للصحيفة مؤكدين أن "الشركات ما زالت توظف موظفين جددًا لكن بوتيرة أبطأ"، موضحين أن التوظيف مستمر لتعويض الاستقالات الدورية، لكن النمو العام في أعداد الموظفين أقل بكثير مما كان عليه في الماضي، إذ تعدّل الشركات أوضاعها بعد فترة من “التوظيف المفرط”.
وتنقل الصحيفة عن البعض اعتقادهم أن سوق الاستشارات في "السعودية" سيتجاوز مرحلة التباطؤ قريبًا، لكن آخرين أكثر تشاؤمًا. وصرّح أحد التنفيذيين لـ"فايننشال تايمز": “انتهت أيام المجد. الآن أصبح العمل أصعب بكثير، وهناك عدد أكبر من اللاعبين في الميدان”.
يُذكر أن ، إلا أن قضايا الفساد والهدر المالي الضاربة في عمق المؤسسات الرسمية والقطاع الخاص باتت أكبر من التنكر لها أو “لفلفتها”.
حيث كشف موقع “سيمافور” عن احتجاز عدد من كبار التنفيذيين العاملين في مشروع الدرعية، أحَد مشاريع التطوير العَقاري في العاصمة الرياض، والذي تخطّت قيمته 63 مليار دولار من قبل هيئة مكافحة الفساد المعروفة باسم “نزاهة”، بحسب ما ذكرته مصادر مطلعة.
وقالت المصادر إن المسؤولين التنفيذيين الذين تم احتجازهم مرتبطون بمشاريع بارزة ضمن خطة “التحول الوطني”، من بينها مشاريع في قطاع نيوم، والقدية، والبحر الأحمر.
امتنعت السلطات الكشف عن أسمائهم أو تفاصيل التهم الموجهة إليهم، بالرغم من حساسية القضية، وسط شكوكٍ بأن يكون مِن بين الموقوفين أشخاص ينتمون إلى دائرة المقرّبين منَ العائلة المالكة، مع إمكانية أن يكون الإعلان عن هذه الاعتقالات مجرّد ترويج لإنجاز وهمي يهدف إلى تلميع صورة النظام، أكثر من كونه خطوةً حقيقيةً لمكافحة الفساد. فـ”نزاهة” مُتّهَمة بانتقائية مفضوحة في تحقيقاتها، إذ نادرًا ما تمسّ الدوائر العُليا التي تتولّى الإشراف على المشاريع العملاقة. وفي هذا الصدَد، كشفَت مصادر لموقع “سيمافور” في الخامس مِن أكتوبر الجاري أنّ الاعتقالات جرَت خلال الأسابيع الأخيرة، وأنّ التحقيق لا يزال جاريًا. كما أفادَت تقارير بأنّ أحد المحتجَزين أُفرج عنه لاحقًا، مِن دون توضيح أسباب الإفراج أو طبيعة التهَم.
ارسال التعليق