"حلفاء" واشنطن نحو جبر العلاقات
يصعب تبني الصدف في معترك السياسة. كيف بها إذ تجمع في العاصمة الأميركية واشنطن زيارة لوزير الحرب الصهيوني، بني غانتس، ومثلها لنائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان.
هذا وقد أفاد موقع "والاه" الإسرائيلي عبر "تويتر" عن أن "طاقم وزير الدفاع السعودي موجود في الفندق الأميركي الذي يتواجد فيه بني غانتس". اللافت أن توقيت الزيارتين يأتي في ظل الحديث عن قرب توقيع الاتفاق النووي مع إيران، وما يعنيه ذلك في حسابات تل أبيب والرياض.
يسعى الكيان الصهيوني إلى أن تكون زيارة بني غانتس مثمرة في كلّ ما يتعلّق بمواجهة إيران وحلفائها. وعلى هذه الخلفية، يمكن تفسير جزء واسع من مقدّمات الزيارة، والتي حرصت الكيان العبري على تظهيرها علناً، سواءً في ما يتعلّق بالمواقف أو الأفعال، أو الإيحاء بالنيّات العدائية، ومن جملة ذلك مناورة "مركبات النار" التي تترافق مع سيناريوات وفرضيات تقحَم الولايات المتحدة في قلْبها، وإن عبْر دور لوجستي في مساعدة سلاح الجوّ الإسرائيلي على توجيه ضربات مفترضة إلى إيران.
الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية لدحض المزاعم الصهيونية التي ادعت مشاركة سلاح الجو الأميركي في مناورة الهجوم على إيران.
تعبّر "إسرائيل" عن حقيقة التهديد المتنامي ضدّ أمنها ووجودها وقدرتها على فرض إرادتها في الإقليم، سواءً في ما يتعلّق بالتهديد النووي الإيراني الذي يُعدّ وجودياً، أو التهديد التقليدي للجمهورية الإسلامية وحلفائها في المنطقة. وهو تعبير يعطي صورةً عن الواقع كما هو، سواءً أرادت أن تستخدمه لتبيان ماهيّته وشدّة خطورته، أو أن توظّفه لأهداف ترتبط بمعالجته، عبر التحريض أو ابتزاز الحلفاء.
في الموازاة، يعاني الكيان من قصور يد في مواجهة التهديد الإيراني، وإن كان قادرا على اقتناص فرصة هنا أو هناك لتوجيه ضربة ضدّ إيران، من شأنها إزعاج مسار تعاظم قدراتها، أو عرقلته بشكل أو بآخر.
يعاني الكيان إحباطا سببه الوضع العام. فإدارة أوباما وإدارة ترامب حافظتا، كل بطريقتها، على شكل ظاهري من التهديد الإيراني، أما الإدارة الحالية فلا تكلف نفسها عناء القيام بذلك.
إزاء ما تقدَّم، فإن أولوية "إسرائيل" في هذه المرحلة، هي السعي إلى إعادة واشنطن للاهتمام بالقضيّة الإيرانية، ليس في ما يتعلّق بمسيرة تنامي القدرة النووية فحسب، بل ربطاً بجملة قضايا ذات صلة بالاهتمام الأميركي،
ومنها ما ورد على لسان غانتس نفسه، قبل مغادرته الكيان إلى الولايات المتحدة، وعنوانه الاستعلام عما تنوي واشنطن فعله في ظلّ جمود التفاوض مع الجانب الإيراني؟ وماذا عن موقف الحلفاء العرب الجدد والقدامى الذين يُفترض أنهم يصطفّون إلى جانب "إسرائيل" في مواجهة إيران؟ وماذا عن تراجع هؤلاء عن "التوثّب" ضدّ الجمهورية الإسلامية؟ وماذا عن الوجود الإيراني في الإقليم، وحلفاء طهران الذين تتنامى قدراتهم يوماً بعد آخر؟
ووفقًا لموقع "i24news"، شدد غانتس خلال اجتماعه مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان، الأربعاء، على أهمية تعزيز "العلاقة الخاصة" مع الولايات المتحدة. وشكر سوليفان على الالتزام الأمريكي بـ"أمن" الأراضي المحتلة.
وطرح غانتس خلال الاجتماع قضية تقدم ايران بمشروعها النووي، وزيادة ما أسماها "الأنشطة العدائية الايرانية في المنطقة"، بحسب تعبيره، مؤكدًا ضرورة تقوية التعاون والتجهيزات لكل سيناريو. وفي هذا السياق، قال غانتس إن هناك فرصة لتوسيع العمل المشترك بين الأجهزة الأمنية لكلا الجانبين.
وقد أطلع غانتس سوليفان على ما تواجهه "إسرائيل" من العمليات الأخيرة التي أسفرت عن مقتل 20 شخصًا، والأدوات التي تستخدمها لمحاربة التحريض وإنقاذ الأرواح، وفقًا لتعبيره.
الى جانب ذلك، شدد غانتس أمامه على مواصلة سياسة استهداف "المهاجمين والمحرضين" على تنفيذ العمليات.
من جهة أخرى، بصورة مفاجئة، زار نائب وزير الدفاع السعودي، شقيق وليّ العهد خالد بن سلمان، البيت الأبيض، "إنفاذاً لتوجيهات وليّ العهد"، محمد بن سلمان، على حدّ تعبير وكالة الأنباء "السعودية"، في ما بدا مؤشّراً إلى بداية تخفيف التوتّر بين الجانبين، تعزّز بما نقلته محطّة "سي أن أن" عن أكثر من مسؤول أميركي من أن ابن سلمان والرئيس جو بايدن يمكن أن يلتقيا للمرّة الأولى قريباً، وربّما الشهر المقبل. ويمثّل ذلك تحوّلاً أساسياً في مسار العلاقة بين الرجلين، والتي كانت قاربت نقطة اللاعودة، ووصلت بـ"الأمير السعودي" حدّ رفض كلّ مناشدات بايدن لزيادة إنتاج النفط، بل حتى رفض تلقّي اتصال هاتفي منه، ثم الاستهزاء بمعوثه مستشار الأمن القومي، جاك سوليفان، من خلال استقباله بـ"الشورت" في قصره في الرياض قبل أسابيع، ثمّ الصراخ في وجهه حين جاء على ذكر الصحافي القتيل جمال خاشقجي.
يحصل ذلك في ظلّ زحمة أفكار تتداولها منذ مدّة وسائل إعلام أميركية، وخاصة الديموقراطية التوجّه منها، حول الشروط التي قد تتضمّنها تسوية ما للخلاف العميق بين الولايات المتحدة والسعودية، وبعضها يَرِد على شكل «نصائح» لبايدن بإبطاء عملية إعادة العلاقات مع المملكة إلى طبيعتها، واستخدام ما تملكه واشنطن من أوراق لتحقيق أقصى ما يمكن من المصالح الأميركية. غير أن ثمّة تسليماً لدى وسائل الإعلام تلك، بأن الوقت قد حان للانتقال بالعلاقات إلى مرحلة ما بعد اغتيال خاشقجي، ما يوحي بأن بايدن قد يكون مستعدّاً للمساومة على دم الرجل، على طريقة الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، على رغم حساسية الملفّ في داخل أميركا، ولا سيّما بعد التبعات القانونية التي رتّبها، ومن ضمنها حظر سفر عدد كبير من المسؤولين السعوديين الذين اعتُبروا متورّطين في الجريمة.
على أنه من غير المرجّح، بحسب الأطروحات الأميركية المتداولة، أن يؤدي أيّ اتفاق سعودي – أميركي إلى عودة واشنطن عن القرار الاستراتيجي بتخفيف التواجد في الشرق الأوسط، وبالتالي فإن أيّاً من الطرفين لن يتراجع تماماً عن تنويع رهاناته. بالنسبة "للسعودية"، قد تقبل بالتخلّي عن ما يزعج الأميركيين في علاقتها مع الصين، مثل التلويح بشراء صواريخ باليستية ضمن برنامج سرّي أُطلق عليه اسم "التمساح"، أو التعامل باليوان في تجارة النفط، لكن الرياض ستُواصل تحسين علاقتها ببكين، وكذلك بموسكو، وإن كان سيتوجّب عليها بلا شكّ رفع مستوى إنتاج النفط، والذي يعني عملياً فكّ التحالف غير المعلَن مع موسكو في إطار "أوبك بلس".
ارسال التعليق