أزمة السعودية مع لبنان مرتبطة بمأرب وليس قرداحي
لا تعد تصريحات "جورج قرداحي" قبل تعيينه وزيرا للإعلام في لبنان السبب الرئيسي للأزمة الدبلوماسية بين لبنان والعديد من دول الخليج لكن السبب هو الدور المتزايد لـ"حزب الله" اللبناني في اليمن وتأثير الحزب على المحادثات المتعثرة في عُمان بين السعودية والحوثيين.
ففي أعقاب انتشار تصريحات "قرداحي"، قرّرت السعودية سحب سفيرها من بيروت وطرد السفير اللبناني لديها، لتُضاف هذه الخطوة إلى قرارها السابق بحظر استيراد كل المنتجات الزراعية اللبنانية إلى أجل غير مسمى اعتبارًا من أبريل/نيسان الماضي بعد العثور على كمية من حبوب الكبتاغون مُخبأة داخل شحنة رمّان من لبنان.
واتخذت البحرين والكويت والإمارات إجراءات مماثلة للسعودية. وبينما شكّلت تصريحات "قرداحي" ذريعة لتبرير الخطوات الخليجية، إلّا أنها بدت متعمدة وعكست استياء سعوديا متزايدا من موقع "حزب الله" المهيمن في لبنان، فضلا عن الدور الإقليمي للحزب نيابة عن إيران.
ولطالما لعبت السعودية دورا حيويا في الشؤون اللبنانية. وفي عام 1989، استضافت المملكة مؤتمر الطائف الذي أدى إلى اتفاق على دستور جديد. وبعد اغتيال رئيس الحكومة اللبناني السابق "رفيق الحريري" في العام 2005 ثم انسحاب الجيش السوري من لبنان، تنامى دور "حزب الله" وباتت المجموعات المدعومة من السعودية، ولا سيما الأحزاب السنية، في موقع دفاعي.
وفي الوقت نفسه، أصبح "حزب الله" أكثر نشاطا على الصعيد الإقليمي، وتدخل في سوريا لدعم نظام الرئيس "بشار الأسد" ودعم الحركات الشيعية الموالية إيران في أماكن أخرى.
وكان تدخل "حزب الله" في اليمن المجاور مصدر قلق خاص للسعوديين. وأدت الحملة العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين إلى زيادة التعاون العسكري والتنسيق بين الحوثيين و"حزب الله". وتولى الحزبه عدة مهام هناك، بما في ذلك الإشراف المباشر على الشؤون السياسية والعسكرية والإعلامية للحوثيين. كما وردت تقارير عن تورط خبراء عسكريين من "حزب الله" في اليمن.
والسؤال الرئيسي اليوم إذن هو لماذا صعدت السعودية أزمتها مع لبنان الآن بالذات؟ ويبدو أن السبب الرئيسي هو مساعدة "حزب الله" للحوثيين في هجومهم المستمر على محافظة مأرب الغنية بالنفط، آخر معقل لحكومة الرئيس "عبدربه منصور هادي" المدعومة من السعودية. وفي الأسابيع الأخيرة، سيطر الحوثيون على مناطق في الجزء الجنوبي من المحافظة وتقدموا باتجاه مدينة مأرب. واتهمت وسائل إعلام سعودية "حزب الله" بتقديم الدعم العسكري للحوثيين في هذه العملية.
وبالنسبة للرياض، إذا سقطت مأرب فسيشكل ذلك تهديدين رئيسيين. يتمثّل الأول في تعزيز نفوذ الحوثيين بشكل كبير، ما يقلّل بالتالي احتمال قبولهم بأي تسوية سياسية لا ترقى إلى الاعتراف بسيطرتهم الكاملة على اليمن. ويكمن التهديد الثاني في أن بسط الحوثيين سيطرتهم على المناطق الحدودية المتاخمة للسعودية قد يسمح لهم ولإيران عمومًا باستخدام ورقة اليمن للضغط على المملكة في المستقبل.
وخلال أحدث جولة من المحادثات بين الرياض وممثلي الحوثيين في مسقط، والتي يُزعم أن الوسيط العُماني أحرز فيها تقدما ملحوظا، رفض الحوثيون وقف هجومهم على مأرب، بل على العكس، قاموا بتكثيف هجماتهم من أجل دخول المدينة قبل التوصّل إلى اتفاق.
وبحسب التقارير، فإن قيادة "حزب الله" ضغطت على الحوثيين لتجنُّب التوصل إلى تسوية مع السعوديين قبل سقوط مأرب، حتى يتمكنوا من تحويل انتصارهم إلى مكاسب سياسية. ولا شك أن معركة مأرب تتمتّع بأهمية مركزية لإيران و"حزب الله" وقد ذكرها الأمين العام للحزب "حسن نصر الله" أكثر من مرة في خطاباته.
ووسط هذه الأزمة، يبقى سؤالان مهمان بالنسبة للبنان. السؤال الأول هو ستستمر المحادثات السعودية الإيرانية التي تستضيفها بغداد في ظل الظروف الحالية أم ستتأثر سلبا بالتطورات الأخيرة على الجبهة اللبنانية؟ وهل يؤدي التصعيد السعودي الأخير تجاه لبنان إلى إحراز تقدّم على الساحة اليمنية، بحيث تشترط المملكة التوصل إلى تسوية مع الحوثيين مقابل تراجعها عن التدابير التي اتّخذتها بحق لبنان؟
والسؤال الثاني هو كيف يمكن أن تؤثر نتائج معركة مأرب على لبنان؟ وإذا انتصر الحوثيون، فإن ذلك سيؤدي بلا شك إلى تمديد عزلة لبنان من قبل دول الخليج، على الأقل حتى تتوصل السعودية إلى اتفاق مع الحوثيين، الأمر الذي قد يستغرق بعض الوقت. ومن ناحية أخرى، إذا فشل الحوثيون في السيطرة على مأرب، وتقدمت المحادثات في عُمان، فقد يكون لذلك أثر إيجابي على الوضع اللبناني.
ارسال التعليق