السعودية في عدن.. وضع حيص بيص بامتياز
بقلم: صلاح السقلديالمملكة السعودية، واقعةٌ منذ يوم السبت قبل الماضي في وضع “حيص بيص” بامتياز بشأن الأوضاع العسكرية والسياسية المتأزمة في حاضرة جنوب اليمن “عدن”،بعد سيطرة قوات المجلس الانتقالي الجنوبي -المدعوم إماراتيا -على كل المعسكرات التي كانت تحت سيطرة الحكومة اليمنية -المقيمة بالرياض- المدعومة خليجياً والمسماة بـــ”السلطة الشرعية”، وعلى المقر الرئاسي والحكومي بالمدينة “مُـنتجع معاشق”. فالمملكة منذ ذلك السبت في حيرةٍ شديدة مِن أمّرها بكيفية التوفيق بين طرفي معادلة متنافرين : الجنوبيين وحكومة عبدربه منصور هادي، وكيفية مراضاتهما في آن واحد وكسب موقفيهما معا, في وقت تعمّقت فيه الخلافات بينهما إلى أبعد مدى بالأشهر الأخيرة على خلفية وجود القضية الجنوبية الطافي بالسطح منذ عقدين من الزمن على إثر حرب 1994م.
فالسعودية التي تحاول مراضاة الحكومة اليمنية المنزعجة من هكذا تطورات على الأرض، والتي” الحكومة” تتهم الإمارات بأنها أضحت خصما صريحا لها بسبب دعمها لمن تسميهم بالانفصاليين والإنقلابيين بالجنوب، كما تتهم بصورة غير مباشرة السعودية نفسها بأنها تستهدف وحد اليمن وتسعى لتفتيته ، فأنها أي السعودية تخشى الصدام المسلح مع حليفها الجنوبي “المجلس الانتقالي الجنوبي” الذي هدده الناطق الرسمي للتحالف غداة حسم المعارك بعدن بالقصف الجوي إن هو لم ينسحب من المواقع العسكرية والمقر الرئاسي التي سيطرت عليها قواته بعدن، كما تخشى الرياض في الوقت عينه أن يؤدي هكذا قصف جوي الى تأزم العلاقة مع أبو ظبي، وهي العلاقة التي اعتراها الفتور والتوتر منذ إعلان هذه الأخيرة منفردة انسحاب قواتها من شمال اليمن, زادت الأوضاع الأخيرة في عدن من تعميق هذه الأزمة بين البلدين, وأن ظلت شبه صامتة حتى اللحظة. هذا فضلاً عن خشيتها أي السعودية من فقدان شريك قوي على الأرض” الانتقالي الجنوبي”، شريك يتمتع بحضور عسكري وسياسي جماهيري طاغي بالجنوب إن هي أقدمت على تنفيذ تهديداتها العسكرية ضده أو حتى أدارت له ظهرها دورة سياسية كاملة/ وهو المتوجس خيفة من دورها المريب ومن أطماعها بالجنوب ، كما أن من شأن هكذا صِدام عسكري” مفترض” سيكون بمثابة إعلان رسمي لفشل السعودية بحربها باليمن، في وقت تعاني فيه من مرارة الخيبة والفشل والخذلان على صعيد الوضع العسكري المتعثر في الشمال وفي ظل إخفاقها الواضح باستمالة بعض القوى العسكرية والسياسية والقبلية والشعبية في محافظات الشمال اليمني المساند بقوة للحركة الحوثية”أنصار الله” وقوات الرئيس السابق صالح هناك.
ولكن الرياض وتحت وطأة الصخب الإعلامي الهائج للحكومة اليمنية التي ترى في ما جرى في عدن بأنه انقلابا آخر عليها، وبأنه توطئة لانفصال الجنوب ، وتحت ضغط التهديدات العلنية والمبطنة من هذه الحكومة من أنها قد تلجئ الى مجلس الأمن لفعل شيء لإنهاء دور التحالف بهذه الحرب والاستعانة عوضا عنه بالأمم المتحدة وبمجلس أمنها الدولي/ فبيان وزارة الخارجية اليمن وتصريحات وزير الإعلام التابعيَــن لحكومة عبدربه منصور هادي كانا أكثر وضوحا بتهديدهما. وهذا التهديد – الذي وبرغم استبعادنا أن يحدث بهذه السرعة إلّا أنه غير مستبعدا كليا- في حال تم تنفيذه فأنه يعني للسعودية بالضرورة ليس فقط خسرانها لموضوع مبرر وشرعية حربها باليمن بل وبفشلها بهذه الحرب فشلا معيبا، وتحولها الى خصمٍ لجميع القوى اليمنية شمالا وجنوبا دون استثناء, وهو الأمر الذي لا تقوى المملكة على مواجهة كارثيته وتبعاته.
خلاصة: وضع السعودية باليمن في أسوأ حالاته منذ بداية الحرب، ليس فقط بسبب صلابة خصمها على الأرض ” الحركة الحوثية”، ولا فقط بسبب طول مدة هذه الحرب “خمسة أعوام” وتدهور سمعتها الأخلاقية أمام المجتمع الدولي، بل بسبب الصراعات المتفجرة التي تفترس معسكر شركائها جنوبيين وشماليين في الجنوب، وشماليين شماليين في الشمال، كما هو حاصلاً اليوم في ريف محافظة تعز شمال البلاد التي يحتدم فيها في هذه اللحظة قتالاً دامٍ بين قوات وجماعات تتبع أطراف تنضوي جميعها تحت مظلة التحالف” السعودي الإماراتي” ونقصد بها هنا قوات حزب الإصلاح” إخوان اليمن” وجماعات سلفية متشددة بقيادة رجل الدين “ابو العباس” مدعومة من ذات التحالف،خلّــفَ العشرات من القتلى والجرحى والنازحين . كما أن الوضع في محافظة الحُــديدة على ساحل البحر الاحمر ليس بأفضل حالاً مما هو عليه الوضع في عدن وتعز ،ففي تلك المحافظة الساحلية اندلعت قبل أيام اشتباكات خطيرة بين قوات تتبع العميد طارق صالح، المدعوم إماراتيا, وبين قوات جنوبية وأخرى تتبع ما يسمى بالمقاومة التهامية المدعومة من السعودية ومن السلطة اليمنية الموالية لها.
وأمام هكذا وضع متفجّــر عسكريا، ومعقدا سياسياً وجهويا، لم يبق للسعودية غير التوجّــه صوب طاولة المفاوضات وبلع خيبتها بصمت ،لتتمكّــن من أن تنسلُّ بهدوء من هذه الحرب ” الورطة” بأقل خسائر ممكنة ،ولتحفظ ما تبقى لها من ماء وجه أوشك على الجفاف، وتكتفي بما ظفرت به من سيطرة واستحواذ على مواقع استراتيجية باليمن -وبالجنوب تحديداً- على طول الشريط الساحلي من محافظة المهرة شرقا حتى باب المندب غرباً،بعد أن اطمأنت بأن اليمن قد أصبح أثراً بعد عين، وزالَ خطرهُ (المزعوم).!
ارسال التعليق