جزيرة سُقطرى عنوان الخلاف الإماراتي السعودي في اليمن
تكشفت باكرا مطامع وأهداف العدوان على اليمن. لم تكن السياسة وحدها من حكمت خيارات محمد بن سلمان، ولا اعتقاده الطفولي بأن “إركاع” اليمن من بوابة جماعة الحوثي لا يحتاج إلا إلى أيام قليلة.
وها هي الأيام تنقلب سنين، حيث تحج أدوات التحالف السعودي إلى مفاوضات مع حكومة صنعاء، في محاولة من النظام السعودي للإيحاء بأن الأمر شأن داخلي.
يقلّب ابن سلمان كفيّه على ما انفق في سبيل تحقيق أهدافه الواهية في اليمن، حيث لم تسلم منشآت أرامكو من صواريخ الحوثيين، الأمر الذي لم يكن مدرجا حتى في أسوء الاحتمالات التي وضعها نصب عينيه.
الموقف السعودي جنح مرغمًا الى التفاوض وجهًا لوجه مع الحوثيين وبات يُسارع لعقد تسوية للتخلص من أعباء الحرب ببعض الكرامة، بسبب فشل العدوان، وتصاعد أعداد الخسائر في صفوف القوات السعودية، سواء على الحدود اليمنية، أو في ميادين القتال داخل اليمن، إلى جانب تصاعد الانتقادات للغارات السعودية في اليمن، والحصار الموازي لها في أوساط الدول الغربية، واتهام البرلمان الاوروبي “للمملكة” بارتكاب جرائم حرب، وتصاعد حالة التململ في الجزيرة العربية جراء إطالة أمد الحرب في اليمن، وتحوّلها الى حرب استنزاف عسكري ومالي وبشري، إلى جانب النفقات المالية الهائلة على هذه الحرب، والتي تقدّرها بعض الأوساط بمليارات الدولارات شهريًا.
لا يناسب محمد ابن سلمان الاستمرار في حرب لا طائل منها، سيما وأنها إن نجحت في شيء، فيتمثل في تحقيق مصالح الإمارات الاقتصادية وأطماعها التي شكلت أحد أشكال المواجهة بين مرتزقة الجهتين.
لم تطل فترة إحجام الإمارات عن جزيرة سقطرى طويلا بعد إعلان الحرب على اليمن، ففي أكتوبر/تشرين الأول 2015 قب إعصاري تشابالا وميج المدمرين اللذين ضربا الجزيرة.
آنذاك دخلت أبو ظبي الجزيرة تحت عنوان “إغاثة السكان المنكوبين”، ومع نهاية شباط عام 2016 كانت أذرع الإمارات قد تمدّدت إلى أقاصي الجزيرة التي ضربها الحرمان والإهمال الناتج عن ضعف تواجد الدولة اليمنية فيها وإهمال السلطات الرسمية لها.
لم تظهر مفاعيل التحركات الإماراتية العسكرية بشكل علني في سقطرى، إذ بقيت الجزيرة بمنأى عن العدوان على اليمن الذي بدأ في آذار عام 2015.
وقد بقي نشاطها مستتراً حتى 30 أبريل/ نيسان عام 2018 عندما دفعت الإمارات بقوة عسكرية إلى الجزيرة بشكل مفاجئ ومن دون مبرر. القوة تألفت من من حوالي 300 جندي مزودين بمدرعات ودبابات.
سيطرت فور وصولها على الميناء والمطار، وحاصرت لواء عسكريا ً بحرياً، كما طردت العمال اليمنيين من مهبط الطائرات وميناء الجزيرة، تعزيزاً لسيطرتها عليها وتسهيل حركة المرور من سقطرى وإليها، ومنعت المسؤولين اليمنيين من دخول المطار لإستقبال وفد سعودي وصل إلى الجزيرة من أجل حل الخلاف الذي أسس لمرحلة أكثر صعوبة داخل “التحالف”.
لتوسيع شبكة نفوذها وتمتين تواجدها في سقطرى، اعتمدت الإمارات على استراتيجية من خطوات متعددة، لخصتها الباحثة مودة اسكندر في دراسة سابقة منشورة لها بالقول: ” شراء النفوذ الاجتماعي من خلال ادعاءات القرابة والنسب والحقوق والولاءات وكسب الشارع لتأييد أي عملية فصل لسقطرى.
حيث منحت سلطات أبو ظبي السقطريين امتيازات مغرية في الحصول على الجنسية الإماراتية، والسفر، والرعاية الصحية، والدراسة، بالإضافة إلى تدريبها المئات من الشباب السقطري في مراكز تدريب بالإمارات، لتشكيلهم ضمن مجاميع مسلحة تابعة لها.”
استغلت الإمارات سوء الأحوال المعيشية لأهالي الجزيرة، فشرعت في شراء الأراضي منهم بمبالغ مغرية، بذريعة إقامة استثمارات اقتصادية جاذبة للعمالة المحلية.
ورغم أن الإغاثة الإماراتية لأهالي سقطرى عقب إعصاري تشابالا وميج، لم تكن ذات أهمية كبيرة، لكن كما تقول الباحثة، صاحبها هالة إعلامية ضخمة.
ويعود سبب هذا التضخيم إلى استغلال الإمارات لسخط السقطريين تجاه حكومتهم، وعجزها عن تلبية حاجاتهم وضعف الخدمات فيها لتحقيق أطماعها.
ومن خلًل المساعدات الإنسانية، ودعم مجالات التنمية المختلفة. إلى ذلك، تورد اسكندر عمدت الإمارات إلى تشييد وترميم المدارس في مختلف أنحاء الجزيرة، فضلاً عن بناء المساجد أو توسيعها، ومنها المساجد العائلية. كما قدّمت الإمارات حافلات مدرسية، ومنح دراسية للطلاب السقطريين في جامعات الإمارات، وأيضاً موّلت أنشطة اجتماعية مثل حفلات الزفاف الجماعية.
توازياً مع المساعدات الإجتماعية التي كانت تقدمها الإمارات لأهالي الجزيرة، كانت تفتتح قاعدة عسكرية بإشراف القائد العسكري الإماراتي أبو سيف الذي انتقل من المكلا في حصرموت إلى سقطرى وقام بتجنيد 5000 شخص من أبناء المحافظة وضمهم إلى القوات الإماراتية.
وفي أيار 2018 فرضت أبوظبي وجودها العسكري كأمر واقع في الجزيرة. إثر ذلك اتهمت حكومة هادي غير الشرعية في يونيو/حزيران 2020، اتهمت المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، بشن “انقلاب شامل قوّض مؤسسات الدولة” في سقطرى من خلال “أسلحة مختلفة متوسطة وثقيلة، استهدفت مؤسسات الدولة وممتلكات المواطنين، واقتحام المخيمات والمقار الحكومية أيضًا.”
لم يتوقف الأمر عند ذلك الحدّ، بل كشف “إنتليجنس أونلاين” في سبتمبر الماضي، عن أن الإمارات وكيان الاحتلال الإسرائيلي متواجدين في سقطرى وبدأ الجانبين فعليا إجراءات لإقامة قواعد استخباراتية وعسكرية هناك، ونقل الموقع عن مصادر قولها إنه بعد زيارة في 28 أغسطس الماضي، قام مسؤولون إماراتيون وإسرائيليون بزيارة ثانية إلى سقطرى في 10 سبتمبر؛ مما يشير إلى مدى حرص الطرفين على إنشاء قواعد استخباراتية في هذه الجزيرة الاستراتيجية.
وبحسب الموقع فإنه “طُلب من “المجلس الانتقالي الجنوبي”، الذي سيطر على سقطرى في 20 يونيو الماضي، تسهيل الزيارات والأعمال التحضيرية للقواعد العسكرية”، كاشفا عن أن الوفود الإماراتية والإسرائيلية “دخلت البلاد دون أي عمليات تفتيش على الحدود في الجزيرة”.
وفي سياق متصل، أكد جورجيو كافيرو، الرئيس التنفيذي لشركة (Gulf States Analytics)، والتي تعنى بالمخاطر الجيوسياسية.
أن الاحتلال الإماراتي للأرخبيل اليمني، لم يثير غضب اليمنيين فقط، بل أغضب “السعوديين”، شراكاءهم في “التحالف”، الأمر الذي دفع بالتوترات للخروج إلى العلن، خاصة بعد إنشاء القاعدة العسكرية الإماراتية في سقطرى.
واعتبر معدّ التقرير أنه في الوقت الذي انصب تركيز النظام السعودي في اليمن على “الحرب ضد الحوثيين، بهدف طردهم من صنعاء”، كان الإماراتيون يسعون لتحقيق مصالحهم الجيوستراتيجية عبر المناطق الساحلية الجنوبية لليمن، مثل عدن وسقطرى.
ونقل عن إليزابيث كيندال، وهي خبيرة رائدة وباحثة أولى في الدراسات العربية والإسلامية في كلية بيمبروك بجامعة أكسفورد قولها : “يعطي موقف الإمارات بشأن سقطرى مؤشرًا آخر على أن الإمارات قد حولت سياستها في اليمن بعيدًا عن الأهداف الأصلية للتحالف الذي تقوده السعودية للتركيز بدلًا من ذلك على مصالحها التجارية والاستراتيجية والأمنية.”
وتضيف: “سقطرى هي جوهرة في تاج اليمن.
إنّ ممارسة الإمارات لنفوذها على سقطرى، التي تقع على المحيط على بُعد مئات الكيلومترات من أي خطوط جبهات [على الأراضي الرئيسية اليمنية]، يشير إلى أنها تنتقي انخراطها في اليمن لخدمة أجندتها الخاصة.”
السعودية تتخذ خيار مواجهة الحليف! يتسع الخلاف بين الإمارات و”السعودية” في اليمن بشكل كبير وعلني، وكان واضحا في عدد من المحافظات، ولاسيما في المواقع والمدن الاستراتيجية المهمة في البلاد.
آخر تلك الخلافات، ما كشفه مصدر يمني مسؤول، أن “السعودية” بدأت عملية تجنيد جديدة في محافظة أرخبيل سقطرى قبالة سواحل اليمن الجنوبية.
وقال المصدر المسؤول في تصريح خاص لـموقع “عربي21” شريطة عدم ذكر اسمه، إن زيارة “وزير الدفاع اليمني” محمد الداعري، ورئيس أركان الجيش اصغير بن عزيز، إلى سقطرى برفقة قائد قوات الدعم والإسناد بالتحالف سلطان البقمي، منذ أيام، هدفها “تجنيد المئات من شباب الجزيرة” ضمن قوات “درع الوطن” التي شكلت حديثا بقرار من رئيس مجلس القيادة الرئاسي، أواخر كانون الثاني/ يناير الماضي.
وأضاف المصدر أن العملية تقتضي أيضا “ضم قيادات عسكرية في الجيش اليمني في هذا التشكيل في سقطرى”، مؤكدا أن هناك إقبالا كثيفا للالتحاق والتسجيل بهذه القوات التي تشرف السعودية على تسليحها وتمويلها.
وما أوردته عربي 21 أكدته مصادر يمنية مطلعة منذ أيام أن أن القوات السعودية بدأت، تدريبات عسكرية واسعة في قاعدتها العسكرية التي أنشأتها مؤخراً بالقرب من مطار سقطرى بمدينة حديبو، والتي تعد الأولى من نوعها بالنسبة لتلك القوات. ياتي ذلك في ظل ترتيبات سعودية لتأسيس قوة موازية للفصائل الإماراتية، ضمن استعدادات للقوات السعودية المتمركزة في سقطرى وقوات درع الوطن للإنتشار في المواقع الإستراتيجية في الجزيرة خصوصاً مع دعمها حملة تجنيد تحت غطاء الإصلاح.
في المقابل بدأت الإمارات تحركات مماثلة وواسعة لمواجهة المحاولات السعودية للتمدد في سقطرى، تزامناً مع إرسالها تعزيزات عسكرية جديدة إلى الجزيرة. كما نفذت الفصائل التابعة للأمارات عملية انتشار غير مسبوقة في أحياء وشوارع عدن، وأفادت مصادر محلية بأن مدرعات إماراتية حديثة انتشرت لأول مرة في احياء المدينة بمعية مسلحين ملثمين، وقامت هذه القوات بالانتشار في الأحياء واستحداث نقاط رغم أن المدينة تحت قبضتها.
ارسال التعليق