شهر العسل بين السعودية والأمارات انتهى
كانت كل المؤشرات تشير إلى أن عُرى العلاقة بين السعودية والإمارات لا تنفصم على الساحة العالمية، إذ عمل البلدان معاً على الظهور بمظهر من يتمتع بالنفوذ في الشرق الأوسط وما وراءه والتودد للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من أجل التصدي للعدو المشترك إيران.
ومن مصر إلى السودان والقرن الإفريقي، عمد البلدان إلى تنسيق استخدامهما لما يملكانه من سطوة مالية بل وقوة عسكرية، في اليمن، لإعادة رسم الخريطة السياسية في المنطقة بما يتفق مع مصالحهما.
غير أن مصادر مطلعة قالت إن الملك سلمان خطا هذا الشهر في قصره بمكة خطوة غير مألوفة فأبدى «انزعاجه الشديد» من الإمارات أقرب الشركاء له في عاصفة حزمه.
ويبدو أن هذا التعليق دليل على وجود شرخ في التحالف الذي يقوده عملياً نجل الملك محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
ولخلخلة العلاقات بين الإمارات والسعودية تداعيات تتجاوز بكثير علاقاتهما الثنائية. فالخلاف قد يضعف حملة «الضغوط القصوى» التي يقودها ترامب على طهران ويلحق الضرر بمساعي إحلال السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بل وقد يكون له أصداء على مسارح صراع أخرى. فإلى هذا الحد الكبير بلغ نفوذ الدولتين الشريكتين في منطقة من العالم لها أهميتها لإمدادات النفط العالمية.
والمصدر المباشر للتوتر هو حرب اليمن الطاحنة. ومنذ أشهر تتزايد الاحتكاكات بسبب هذا الصراع الذي كان من المنتظر في بدايته أن يستمر بضعة أسابيع لكنه طال لسنوات وسقط فيه عشرات الآلاف ولا تبدو له نهاية في الأفق.
«تقليص الخسائر والمضي قدماً من دون الرياض»
أما السبب الأشمل فهو القرار الذي يبدو أن الإمارات اتخذته بالتحول لخدمة مصالح وطنية أضيق وإظهار نفسها في صورة الشريك الأكثر نضجاً الذي بمقدوره تحقيق استقرار المنطقة حتى إذا كان المغزى من وراء ذلك تقليص الخسائر والمضي قدماً من دون الرياض.
يبدو أن الإمارات حريصة أيضاً على إنقاذ صورتها في واشنطن، حيث أدى مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى تعميق المخاوف من تحول السياسة الخارجية التي تنتهجها المملكة إلى الاندفاع والنزوع للتدخل. وقال مصدر مطلع على ما يدور في الحكومة من تفكير: «الإمارات تريد أن تظهر بمظهر الدولة الصغيرة التي تيسر تحقيق السلام والاستقرار لا التابع لطرف سعودي يبدو منتصراً وينزع للتوسع».
وأضاف المصدر: «الأمر بشكل من الأشكال تقديم مصالحهم، لأنهم يعتقدون أنه إذا كانت السعودية تنزع للتوسع فستبتلعهم».
توافق تام بين الدولتين
قال مصدران يمنيان ومصدر آخر تم إطلاعه على ما دار في الاجتماع إن الإعراب عن انزعاج الملك جاء في محادثة دارت وقائعها يوم 11 أغسطس/آب مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي الذي يحظى بدعم المملكة.
كانت قوات هادي في عدن قد منيت لتوها بهزيمة على أيدي قوات تدعمها الإمارات عندما انقلب الطرفان المتحالفان اسمياً في جنوب البلاد على بعضهما بعضاً في صراع على السلطة.
ورداً على طلب للتعليق وصف مسؤول سعودي تلك الرواية لما حدث بأنها زائفة، وقال: «السعودية والإمارات لا تزالان متوافقتين استراتيجياً فيما يتعلق بمصادر عدم الاستقرار في الشرق الأوسط وتتعاونان تعاوناً وثيقاً جداً للتصدي لمجموعة واسعة من التهديدات الأمنية في المنطقة وخارجها. العلاقات الثنائية بين البلدين وطيدة».
ولم ترد السلطات في الإمارات على أسئلة عن هذا التعليق. وفي وقت سابق قال مسؤول في الإمارات لرويترز إن البلدين «متوافقان تماماً» فيما يتعلق باليمن وإيران، وإن التهدئة هي السبيل الوحيد لتحقيق تقدم.
ومن شأن أي انقسامات أن تقلق البيت الأبيض الذي استثمر قدراً كبيراً من سياساته في الشرق الأوسط في البلدين.
ومع استئناف المعارك في عدن الأربعاء، أفاد بيان صادر عن الخارجية الأمريكية بأن نائب وزير الدفاع السعودي التقى بوزير الخارجية مايك بومبيو في واشنطن لبحث كيفية وضع حد للمواجهة. ولم يذكر البيان العلاقات بين الرياض وأبوظبي، والتي قال مسؤول أمريكي إنها ستكون على جدول الأعمال.
ولم يرد البيت الأبيض على الفور على طلب للتعليق.
واشتدت حدة المتاعب هذا الصيف بسبب اليمن بعد شهور من التوتر بفعل قضايا أخرى. فعندما أخذ الأمير محمد بن سلمان والشيخ محمد بن زايد خطوة الحرب في 2015 على المتمردين الحوثيين المتحالفين مع إيران في اليمن ثم فرضا فيما بعد مقاطعة لقطر، هلل أنصارهما لعصر جديد من العمل الحاسم في منطقة أكثر اعتياداً على مساعي التوفيق البطيئة بين المتخاصمين.
تدخل بن زايد وبن سلمان في كل مكان
كما تدخل الرجلان في صراعات في مصر والسودان وليبيا. وعملا على احتواء إيران والإسلاميين الذين اعتبروهم خطراً يهدد الحكم الوراثي في أعقاب انتفاضات الربيع العربي في 2011. غير أنه في الوقت الذي استعرضت فيه الرياض عضلاتها بقطع العلاقات مع كندا واحتجزت رئيس الوزراء اللبناني لفترة وجيزة ودفعت العلاقات للتوتر مع الأردن والمغرب، شهدت الإمارات بالتلازم اهتزاز صورتها التي عملت بكل حرص على رسمها كقوة مثبتة للاستقرار.
حرب مكروهة
ثم جاء شهر يونيو/حزيران فقلصت الإمارات وجودها العسكري في اليمن وقيدت الرياض بحرب مكروهة بدأتها لتحييد الحوثيين ومنع إيران من تعزيز نفوذها على الحدود.
وقال مسؤول إماراتي كبير إن تلك الخطوة كانت تطوراً طبيعياً بسبب اتفاق السلام الذي أبرم برعاية الأمم المتحدة في مدينة الحديدة الساحلية الغربية.
إلا أن بعض الدبلوماسيين يقولون إن الإمارات قبلت فكرة أنه لا يوجد حل عسكري للصراع، وإنها تشعر بالحساسية للانتقادات الموجهة للكارثة الإنسانية والضربات الجوية التي يشنها التحالف وأسفرت عن مصرع مدنيين، وعجّل تزايد التوترات الخاصة بإيران بهذا القرار.
وقال دبلوماسي غربي: «لم يُستقبل ذلك بطريقة إيجابية. فقد شعر السعوديون بأنهم جرى التخلي عنهم».
وتقول أبوظبي إن هذا التحرك تم بالتنسيق مع الرياض مقدماً وعكس حقائق واقعة على الأرض مع تحرك الأمم المتحدة لتمهيد السبيل أمام محادثات السلام.
وقال دبلوماسي آخر إن العلاقة بدأت تتصدع، وإن «مصالحهما الاستراتيجية متشابهة، لكنها ليست متطابقة تماماً». كما هونت الإمارات من شأن الانقسامات بعد أن سيطر انفصاليون تدعمهم على مدينة عدن، مقر حكومة هادي المؤقتة، هذا الشهر لكنها لم تطلب منهم التخلي عما سيطروا عليه وانتقدت حكومة هادي ووصفتها بأنها ضعيفة وغير فعالة.
آراؤهما مختلفة حول إيران
كما يبدو أن للبلدين العربيين، وهما من القوى الرئيسية في العالم الإسلامي السني، آراء مختلفة في إيران خصمهما الشيعي. وقد سعى البلدان لحمل الولايات المتحدة على أخذ موقف أقوى من أنشطة طهران في المنطقة وقدراتها الصاروخية، غير أن الإمارات تبنت نبرة أخف بعد التفجيرات التي وقعت في ناقلات في مياه الخليج، وحملت واشنطن والرياض مسؤوليتها لإيران.
وتنفي إيران ضلوعها في التفجيرات، غير أن البعض في منطقة الخليج يخشى وقوع مواجهة مباشرة ربما تعرض الإمارات واقتصادها للخطر.
فالإمارات التي كونت لنفسها سمعة كمركز للأعمال أكثر عرضة للتأثر مقارنة بالسعودية أكبر دولة مصدرة للبترول في العالم وترى نفسها كعامل للاستقرار في المنطقة.
التحوط
قال مصدر إن الإمارات تتحوط باعتبارها قوة صغيرة. فدبي المركز التجاري في الإمارات تربطها علاقات تجارية قوية بإيران.
وقال مصدر آخر مشيراً إلى مفاتحات أبوظبي الأخيرة تجاه إيران بما في ذلك محادثات حول الأمن البحري تجددت الشهر الماضي «شهر العسل (مع السعودية) انتهى».
وقال مصدر خليجي إن التحالف «على خير ما يرام» من حيث التصدي للتهديدات الإقليمية مثل إيران والإسلاميين لكنه سلم بحدوث عملية إعادة موازنة مع تطور الأوضاع.
وربما يكون من هذه الأوضاع دور إيران في اليمن. ففي الوقت الذي تعمل فيه واشنطن على تكوين تحالف بحري لتأمين مياه الخليج، يمكن لإيران أن تذكي نار التوترات من خلال الحوثيين للضغط على السعودية وتجنب المجازفة بحرب ناقلات على غرار ما حدث في الثمانينيات.
وقال مات ريد، نائب رئيس فورين ريبورتس لاستشارات الطاقة: «اليمن يبدو الآن مثل نقطة الصفر للتصعيد الإيراني. فحرب الناقلات تجازف بالتحول إلى صراع دولي، لكن اليمن أمر مختلف».
وتتهم الرياض إيران بتزويد الحوثيين بالصواريخ والطائرات المسيرة لمهاجمة أهداف نفطية سعودية. وتنفي طهران هذا الاتهام. كما تخشى الرياض امتداد التداعيات إذا ما تفكك اليمن أكثر من ذلك. وعلى النقيض، فإن شغل أبوظبي الشاغل هو حماية ممر باب المندب الاستراتيجي وإبقاء الإسلاميين تحت السيطرة.
وقال دبلوماسي: «هما متوافقان استراتيجياً بصفة عامة. فأوجه التشابه بينهما أكثر من أوجه الاختلاف، لكننا سنبدأ في رؤية تفاوتات».
ارسال التعليق