عز السعودية في ذُلّ اليمن
على مدار تاريخها السياسي دأبت السعودية على التحكّم برؤساء اليمن، والمسّ بسيادتها وأراضيها، والتحكّم في نظامها السياسي؛ وذلك خشية وصول الثورة إلى المملكة، والتحكّم في الإقليم بشكل عام.
ولا تزال تسيطر على قادة السعودية وصيّة المؤسّس، الملك عبد العزيز آل سعود، حول مقولته الشهيرة بأن «عز السعوديين في ذل اليمن، وذلهم في عز اليمن»، حسبما كتبت المصادر التاريخية والسياسية. ويعتقد قادة المملكة أن اليمن لا بد أن يكون بيدهم، حيث تطلق عليه وسائل الإعلام السعودية وصف الحديقة الخلفية، وهو ما يتأكّد من خلال التدخّل العسكري السعودي هناك ضد جماعة الحوثي، التي تسيطر على صنعاء العاصمة. وبدأت سيطرة المملكة على اليمن مع تسليم الإمام يحيى حميد الدين لأراضٍ يمنية، منها نجران وعسير، باتفاقية الطائف 1934، ثم وصلت إلى مرحلة يُمارس فيها رئيس اليمن، عبد ربه منصور هادي، مهامه من العاصمة الرياض؛ منذ عام 2015 وحتى اليوم، بل باتت المملكة تتحكّم بكل شاردة وواردة في شؤون جارتها المنكوبة. وكانت السعودية تقف في وجه أي أحد ينتقد أو يقف أمام سياستها في اليمن، حيث تتهم أوساط يمنية المملكة بالوقوف وراء اغتيال الرئيس الراحل، إبراهيم الحمدي، أواخر سبعينيات القرن الماضي؛ لأنه كان على خلاف معها.
نخب فاسدة
المحلل السياسي اليمني أحمد الزرقة يقول: «هذه العلاقة الملتبسة القائمة على التبعية للخارج سلوكٌ مَرَضيّ لدى النخب السياسية والقوى التقليدية في اليمن ناجمة عن الجهل، كما أن القوى التي حكمت البلاد لعقود طويلة وافقت أطماع الشقيقة الكبرى وسلوكها في التعامل مع اليمن كحديقة خلفية لها». ويضيف في حديثه: إن «ذلك السلوك يكشف حقيقة الأطماع السعودية في الإقليم بشكل عام، حيث أسهمت الطفرة النفطية للرياض في تعزيزها، وجعلت المملكة تدسّ أنفها في الدول المحيطة بها بشكل عام، واليمن بشكل خاص».
ويرى الزرقة أن مخاوف المملكة من تصدير فكرة الثورة إليها كانت سبباً رئيساً في حربها الشرسة على الجمهورية ودعمها لبيت حميد الدين (الأسرة الحاكمة التي ثار اليمنيون عليها في 1962).
ويتابع: «بعد المُصالحة الوطنية أنشأت المملكة اللجنة الخاصة وأنفقت المليارات لشراء النخب السياسية والقوى التقليدية ورجال القبائل في اليمن، ومنع أي محاولة للخروج من عباءة الوصاية؛ لإدراكها خطورة وجود نظام جمهوري ديمقراطي في حدودها الجنوبية». ويوضّح أن نخباً فاسدة ساهمت في تسليم البلاد للمملكة، وإعاقة عملية التحوّل الديمقراطي الحقيقي في اليمن، مضيفاً: إنه «حين جاء الرئيس الحمدي والثورة التصحيحية ودعوته لعلاقة ندّية بعيداً عن التبعيّة أزعجها ذلك، وجعلها تحرّك أدواتها في اليمن للتخلّص من الحمدي».
الباب العالمي لليمن
من جانبه يرى المحلّل السياسي اليمني محمد الخامري، أن قادة المملكة يعتقدون أن اليمن لا بد أن يكون بيدهم، وهم ووسائل إعلامهم يسمّون اليمن الحديقة الخلفيّة. ويسرد الخامري في حديثه: إن «السعودية ما زالت تقوم على الخرافة التي يتم تداولها؛ وهي ما تُعرف بوصية المؤسّس: (عزكم في ذل اليمن وذلكم في عز اليمن)، أو كما تكتب العديد من المصادر التاريخية والسياسية». ويضيف: «المملكة كانت وإلى عهد قريب، تقريباً في منتصف التسعينيات، بمنزلة الباب العالي لليمن للوصول إلى العالم الخارجي وحتى العربي، وكان اليمنيون منذ مقتل الحمدي، رحمه الله، وما قبل كانت كل قراراتهم وتواصلهم مع أمريكا وأوروبا يتم عبر المملكة».
ويبيّن الخامري أن «السعودية قبل عام 1990 لم تكن تُظهر الشراسة الكبيرة تجاه اليمنيين، بل كان اليمني يُعامَل في السعودية كالمواطن، فلا حاجة له بإقامة أو فيزا (تأشيرة) كبقية الوافدين العرب، ويحق له تملّك المحلات التجارية». وبعد ثورات الربيع العربي زادت تدخّلات السعودية في اليمن في تحريك المشهد السياسي، وذلك بهدف السيطرة على عقلية الملف اليمني أو عقلية الرئاسة اليمنية، وتمكّنها من الوصول إلى رأس الحكم، لكن مع تغيير القيادة الجديدة للمملكة اختلفت الأمور وبدأت بالتحرّك على الأرض من خلال حربها الأخيرة لابادة الشعب اليمني بأكمله وطرد المقيمين على أراضيها.
ارسال التعليق