لماذا ترغب السعودية في إقامة تحالف لدول البحر الأحمر؟
يربط البحر الأحمر بين القارات الثلاث، أفريقيا وآسيا وأوروبا، وهو البوابة الرئيسية لنفط الخليج المتجه إلى أمريكا الشمالية، وهو الطريق التجاري الأقصر والأكثر قيمة في العالم إلى أوروبا عبر قناة السويس في الشمال، وإلى آسيا عبر مضيق باب المندب في الجنوب.
ونتيجة لذلك، أقامت السعودية، أواخر العام الماضي 2018، شراكة مع 6 دول عربية وأفريقية مجاورة، وهي مصر وجيبوتي والأردن والصومال والسودان واليمن، لإنشاء تحالف "لحماية مصالحها" على البحر الأحمر وخليج عدن.
وعلى الرغم من أن كلا منهما متاخم للبحر الأحمر، لم تكن إريتريا أو (إسرائيل) أعضاء في التحالف.
ويتم تشكيل هذا التحالف الجديد بالتزامن مع تحالف جديد آخر، وهو التحالف الاستراتيجي لأمن الشرق الأوسط، المناهض لإيران، المعروف أيضا باسم "الناتو العربي" الذي تسعى إدارة "ترامب" لتشكيله.
الطريق إلى البحر الأحمروخلال العقود الثلاثة الماضية، تنافست الولايات المتحدة وفرنسا واليابان والصين وروسيا وإيران وتركيا والإمارات من أجل السيطرة على البحر الأحمر.
وقد غيرت القواعد العسكرية التي بنتها هذه البلدان في الدول الساحلية على البحر الأحمر وخليج عدن الهيكل الجيوسياسي للقرن الأفريقي.
وتعد دول مثل الصومال وإريتريا وجيبوتي هشة للغاية وغير مستقرة، وفي تلك البلدان، أضعفت الحروب الأهلية الحكومات المركزية وقسمت أراضيها بين ميليشيات مسلحة وفصائل قبلية.
ورحبت هذه الحكومات بالقواعد العسكرية الأجنبية وقبلت الاستثمارات المصاحبة لها لاكتساب الزخم الاقتصادي والحصول على الحماية العسكرية.
وساعدت هذه العوامل في زيادة سيطرة السعودية على جزء كبير من ساحل البحر الأحمر، حيث تشتري المملكة ولاءات الدول الهشة التي كانت صديقى لإيران، مثل إريتريا والسودان وجيبوتي، لتقويض النفوذ الإيراني.
مخاوف السعوديةوتخشى المملكة من أن تنفذ إيران تهديدها المتكرر بإغلاق مضيق هرمز، الذي يمر عبره خمس نفط العالم.
وفي الواقع، ازدادت هذه التهديدات منذ أن سيطرت ميليشيا الحوثيين المدعومة من إيران على اليمن عام 2015.
وقد تؤدي سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب إلى تمكين إيران من فرض حصار بحري شامل ضد السعودية عبر الخليج العربي والبحر الأحمر وبحر العرب بمساندة الحوثيين.
وتدخلت السعودية في اليمن عام 2015 من أجل فرض سيطرتها على البحر الأحمر، وحققت طفرة سياسية من خلال توطيد العلاقات مع البلدان الأفريقية المتاخمة للبحر.
وجنبا إلى جنب مع الإمارات، حليفها الرئيسي في التحالف، أنشأت قواعد عسكرية في جيبوتي وإريتريا لشن هجمات عسكرية ضد الحوثيين في اليمن.
بالإضافة إلى ذلك، توسطت السعودية لتوقيع اتفاقية سلام لحل النزاع المستمر منذ عقود بين إثيوبيا وإريتريا في منتصف سبتمبر/أيلول 2018.
علاوة على ذلك، ظهرت تطورات جيواستراتيجية جديدة منذ تخلي مصر عن السيطرة على جزرها المطلة على البحر الأحمر "تيران" و"صنافير" لصالح المملكة عام 2017.
وتسيطر مصر، وهي عضو في تحالف البحر الأحمر وحليف رئيسي للسعودية والإمارات على جزء كبير الآن من البحر من قناة السويس إلى باب المندب.
وأصبحت القاهرة "الوكيل" الجديد للإمارات لكبح نفوذ تركيا المتزايد.
وفتحت تركيا أكبر قاعدة عسكرية في الخارج في الصومال عام 2017، كما وقعت اتفاقية في ذلك العام مع السودان لتجديد ميناء من العهد العثماني في مدينة "سواكن" على الساحل الغربي للبحر الأحمر، مع احتمالية إقامة قاعدة عسكرية في الميناء.
وأثارت الصفقة لاحقا توترات بين السودان ومصر، حيث أرسلت القاهرة قوات إلى القاعدة العسكرية الإماراتية في إريتريا، بعد أسابيع قليلة فقط من زيارة الرئيس التركي للسودان.
ومع ذلك، بعد شهور، منح السودان مصر نحو 500 فدان من الأراضي لبناء منطقة صناعية على النيل، بالقرب من العاصمة الخرطوم.
وفي الواقع، تستخدم كل من الإمارات والسعودية مصر لفرض سلطتها في السودان بشكل غير مباشر.
وتحاول السعودية بدورها استخدام تحالف البحر الأحمر ضد تركيا بسبب ضغط الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" على محمد بن سلمان بعد تورطه المزعوم في اغتيال الصحفي "جمال خاشقجي" في إسطنبول.
وأخيرا، سوف تستفيد (إسرائيل) أيضا من التحالف لزيادة الضغط على إيران.
وفي أغسطس/آب 2018، حذرت تل أبيب من أن تهديد إيران بإغلاق مضيق باب المندب سيدفع إلى تشكيل تحالف دولي ضد طهران.
تعزيز العلاقات مع (إسرائيل)ويقول الجنرال "شاؤول شاي"، مدير وحدة الأبحاث في "مركز السياسة الاستراتيجية" إن (إسرائيل) تفضل بقاء البحر الأحمر تحت تأثير التحالف الذي تقوده السعودية، الذي يمكنه مواجهة الخطر الذي تشكله سيطرة الحوثيين على مضيق باب المندب.
ومع ذلك، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الرياض ستحاول حماية مصالح (إسرائيل)، التي تعمل باستمرار على تقوية وتطبيع العلاقات مع عدد من البلدان الأفريقية.
ومنذ صعوده إلى السلطة عام 2017، حاول "بن سلمان" كسب الولايات المتحدة، وتقديم نفسه على أنه حليف موثوق للغرب، وبعد 6 أشهر من نقل واشنطن سفارتها إلى القدس في مايو/أيار 2018، أثنى الرئيس "ترامب" على الجهود السعودية لحماية (إسرائيل).
وفي عام 2017، قام "جاريد كوشنر"، مستشار "ترامب" وصهره، بتقديم تفاصيل خطة السلام المعروفة باسم "صفقة القرن" إلى محمد بن سلمان حتى يتمكن من الترويج لها بين القادة العرب، وخاصة الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، الذي تمت دعوته سرا إلى الرياض في ديسمبر/كانون الأول 2017 من قبل "بن سلمان".
وبعد عامين من الإعلان عنها، لم يتم الكشف عن تفاصيل "الصفقة"، وهي خطة سلام مفترضة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفي الواقع، من المتوقع أن تمنح الخطة المتعثرة (إسرائيل) السيطرة الأمنية الكاملة على الضفة الغربية المحتلة، وأن تنص على بناء عاصمة جديدة للفلسطينيين في المناطق المحيطة بالقدس.
وفي حين اقترحت الولايات المتحدة أيضا إنشاء "الناتو العربي" لمواجهة إيران بفعالية، تحتاج الرياض إلى تعاون دول البحر الأحمر، وكان الهدف هو إنشاء تحالف إضافي يدعم "الناتو العربي" كحصن جنوبي ضد طهران.
ووفقا لذلك، فإن التحالف سوف يحمي (إسرائيل) أيضا.
وإذا اكتمل التحالف، فستكون المملكة أقوى ممثل سياسي واقتصادي في منطقة البحر الأحمر.
وفي نهاية المطاف، سيسمح لها هذا التحالف بتوسيع نفوذها خارج القارة الأفريقية، مع حماية (إسرائيل) وعزل إيران في وقت واحد.
ارسال التعليق