منع قيادات "الانتقالي" من العودة.. هل تصاعد الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن؟
التغيير
مرة أخرى تبرز إلى واجهة المشهد اليمني العلاقات بين آل سعود الإماراتية، أو مدى اتفاق أو اختلاف أجندة آل سعود والإمارات في اليمن؛ بعد منع آل سعود لقياديين من المجلس الانتقالي الانفصالي المدعوم من أبو ظبي من العودة إلى عدن، وهما في طريقهما لطائرة اليمنية في العاصمة الأردنية عمان.
وتخوض سلطات آل سعود والإمارات حرباً في اليمن بهدف معلن هو دعم حكومة هادي لاستعادة السلطة من أنصار الله.
لكن ممارساتهما على الأرض تشير إلى تركيز أبو ظبي على السيطرة على الموانئ والجزر، ودعم ملف الانفصال، وإنشاء مليشيات خارج سيطرة حكومة هادي، فيما يُعطي آل سعود الأولوية لتأمين حدودها وتحقيق أحد مطامعها الاستراتيجية عبر أنبوب للنفط يمر من أراضي المهرة اليمنية إلى بحر العرب لتوفر عناء استخدام مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران.
اتفاق الرياض
للوهلة الأولى بدا تصرف آل سعود كرد فعل على مماطلة الانتقالي ومن خلفه أبوظبي في تنفيذ اتفاق الرياض منذ أربعة أشهر، رغم أن الاتفاق حقق اعترافاً سياسياً للانتقالي ويفرضه على الطاولة بعد أن كانت حكومة هادي لا تعترف به وتعامله كمليشيا متمردة.
وينص اتفاق الرياض الذي تم توقيعه في عاصمة آل سعود، يوم 5 نوفمبر 2019، بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي، على عودة رئيس الحكومة إلى عدن، وتشكيل حكومة مناصفة بين شمال اليمن وجنوبه، وتعيين محافظين جدد للمدن الجنوبية، وإعادة تشكيل قوات الجيش والأمن، غير أن ذلك لم يتحقق، باستثناء النقطة الأولى، وهو ما يسبب -بحسب مراقبين- إحراجاً لسلطات آل سعود التي تولت مهام ملف عدن بعد خروج القوات الإماراتية.
البيان الصادر عن خارجية آل سعود أكد فرضية علاقة الحادثة باتفاق الرياض، حيث عبرت عن حرصها على تنفيذ اتفاق الرياض، داعية الطرفين للعمل على تنفيذه دون تصعيد، وبعيداً عما وصفته بالمهاترات الإعلامية.
ورغم أن رد الفعل الإماراتي الرسمي حاول عدم إظهار أي خلاف مع آل سعود في ملف عدن، حيث أكد وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في تغريدة له على تويتر، دعم الإمارات للسعودية في جهودها لتطبيق اتفاق الرياض، داعياً الأطراف اليمنية إلى التعاون الإيجابي مع هذه الجهود.
إلا أن الرد الحقيقي يمكن قراءته في مواقف الانتقالي وقياداته وناشطيه، التي حملت نبرة التهديد بالتصعيد على الأرض، حيث اقتحمت، ليلة أمس، قوات الانتقالي مطار عدن الدولي ونشرت قواتها في أرجاء المطار، في خطوة تصعيدية جديدة تهدد مسار اتفاق الرياض بالكامل، قبل أن يشترط القيادي في الانتقالي، أحمد الصالح، لاستئناف الحديث السياسي وتنفيذ الاتفاقيات عودة الوفد الذي منعته سلطات آل سعود من العودة إلى عدن. وأكد في تغريدة له اليوم على تويتر: "قبل العودة لا حديث ولا اتفاق".
صراع واضح
يرى المحلل السياسي اليمني عبد الله الخيواني أن تقاطع أجندة آل سعود والإمارات في اليمن لم يعد سراً، وهو أمر يزداد وضوحاً يوماً بعد آخر.
في حديثه لوسائل إعلامية يقول الخيواني: "الطرفان يتفقان في شن الحرب وإدارتها ومالآتها، لكنهما يختلفان في أجندتهما على الأرض؛ فمملكة آل سعود مهما كانت درجة تحالفها مع الإمارات فإن مناطق حدود النفط؛ مثل مأرب وشبوة وحضرموت والمهرة، التي ترى فيها حلاً لنقل نفطها بعيداً عن إيران، خطاً أحمر".
وأضاف: "يمكنك العودة لأحداث أغسطس الماضي، حين حاولت قوات الانتقالي إسقاط المحافظات الجنوبية لترى الدعم السعودي مثلاً في شبوة، حيث كان دعم آل سعود الواضح مهماً في انتصار قوات هادي، وقبلها في مأرب كان هناك صراع إماراتي سعودي خفي وكشفه الإعلام لاحقاً".
وكان وثائقي "اليمن.. كيد الأشقاء"، الذي بثته قناة الجزيرة، في نوفمبر 2017، وثق شهادات تكشف تورط الإمارات في إسقاط طائرة أباتشي سعودية على متنها قيادات عسكرية.
وأشار المحلل السياسي اليمني إلى أنه "مع خروج الإمارات من اليمن وبقاء أدواتها تجد حكومة آل سعود نفسها في ورطة أكبر، لذلك لن تقف خجولة أمام مصالحها وما شنت الحرب لأجله؛ لكونها تتحمل اليوم المسؤولية الكبرى للملف اليمني أمام المجتمع الدولي على كافة المستويات، بينما الإمارات بدرجة أقل".
تفاهم وتقاطع
من جهته يرى الكاتب والصحفي اليمني عبد الكريم الخياطي، أن للسعودية والإمارات مصالح مشتركة في اليمن تتقاطع كثيراً بحسب الوقت والظرف السياسي والعسكري، وغالباً ما تتفاهم مملكة آل سعود مع الإمارات قبل أي إجراء سياسي أو عسكري.
وأما على مستوى الأهداف فإن "الإمارات حققت ما تبتغيه؛ ويتمثل في السيطرة على عدن وما حولها، والمخا والساحل حتى الحديدة، عبر مجاميع تقاتل بأمرها في تلك المناطق وتحمل نفس الأيديولوجيا المعادية للشرعية، وهو ما يجعل أبوظبي قادرة على إيقاف تلك الموانئ التي تمثل لها أرقاً دائماً، وهي سياسة إماراتية في كل الدول التي تمتلك موانئ على البحرين الأحمر والمتوسط وخليج عدن".
أما مملكة آل سعود، بحسب الخياطي، "فلديها مشاكل كبيرة؛ منها تأمين الحدود الجنوبية التي لا تهتم لها الإمارات، وقضية أنابيب النفط التي تمدها باتجاه المهرة لتكون نافذتها للمحيط الهندي، لذلك فهي ترى أن من مصلحتها عدم خسارة حكومة هادي ومكوناتها، خاصة هادي وحزب الإصلاح، الذي يمثل أكبر تكتل سياسي، ولديه كثير من أنصاره انخرطوا في الجيش والمقاومة".
ووفقاً للخياطي فإن هذا يجعل آل سعود دائماً يحاولون إرضاء حكومة هادي، والطلب من شريكتها الإمارات التخفيف من الضغط على هادي.
ويربط الخياطي بين الموقف السعودي والترتيبات الداخلية التي تشهدها المملكة، ويقول: "كما تحاول مملكة آل سعود في ظل ترتيباتها الداخلية وترتيبات تمكين بن سلمان داخل المؤسستين العسكرية والأمنية بمملكة آل سعود، لذلك تحاول التقليل من الشكوك لدى مكونات حكومة هادي، والضغط باتجاه اتفاق الرياض، والآن تحاول تنفيذه ولو مؤقتاً؛ بسبب التخوف من خسارة حكومة هادي والجيش الوطني".
وأضاف: "حين تكتمل سيطرة بن سلمان داخل الجزيرة العربية بالتأكيد ستتراجع عن اتفاق الرياض وإرضاء الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، ويبدو أن أطرافاً في الانتقالي، وخاصة من الاشتراكيين وأيضاً من منطقة الضالع، يعارضون كل هذه الترتيبات؛ لأنها تؤخر مشروعهم المتمثل بالسيطرة على الجنوب، رغم أن الجنوب لم يعد كما يرغب فيه الانتقالي أو كما يوهم أنصاره والخارج، خاصة أن التيار الوحدوي في محافظات الشرق؛ المهرة وحضرموت وشبوة، أكثر رغبة في الابتعاد عن مشاريع الانتقالي الانفصالية والاحتكارية للجنوب كاملاً".
ويقول الخياطي: "لذلك نرى أحياناً تصرفات تظهر من آل سعود تفسراً على أنها تختلف مع الإمارات.. وضغطها الأخير لإيقاف مجموعة من الانتقالي من العودة لعدن أحد تلك التصرفات، مع العلم أن الانتقالي أصبح يستوعب أن مشروع الدولة الكاملة في الجنوب ليس مشروعاً مفيداً لا للسعودية ولا للإمارات؛ لأن الامارات لديها حلفاؤها الشماليون الذين منحتهم قوة أكبر ربما من قوة الانتقالي، ويسيطرون على الساحل الغربي وجنوب تعز".
على المستوى العام يرى الخياطي أن "الإمارات ترى أن مشروع الفوضى والكوتونات في مناطق اليمن يحقق لها عدة أهداف، منها إيقاف الموانئ لأطول وقت، وتكوين جماعات عسكرية متصارعة يحقق ذلك، كما ترى حكومة آل سعود أن الفيدرالية ربما أفضل إن تمكنت من كسب ولاء حضرموت والمهرة وشبوة".
ارسال التعليق