أسباب جنون العظمة السعودي في المنطقة (مترجم)
نشرت صحيفة “ذا كونفرزيشن“الأمريكية مقالا كتبه أستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث بجامعة كاليفورنيا، جيمس جيلفين، يناقش فيه أسباب ما وصفه بالتغيير الجنوني للسياسات السعودية في المنطقة.
وأشار جيلفين إلى أن التطورات الأخيرة في المنطقة حفزت المسؤولين السعوديين للتصور بأن سياسة استعراض العضلات هي الملاذ الآمن لأنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على ضمانات بقائهم التقليدية: النفط والولايات المتحدة.
إليكم نص المقال:
في الماضي، ارتكزت سياسة المملكة العربية السعودية على ثروتها النفطية الهائلة وعلى الولايات المتحدة الأمريكية. استخدمت الأولى لضمان استقرارها الداخلي وشراء الأصدقاء ودفع الأعداء الحاليين والمحتملين، واعتمدت على الأخيرة لضمان أمنها وبقائها. وبخلاف استثناءات قليلة، لم تورط السعودية نفسها مباشرة في شؤون جيرانها.
لكن كل ذلك تغير خلال العقد الماضي. تدخلت السعودية عسكريا في البحرين واليمن. ساندت ماليا النظام في مصر عقب الإطاحة بالإخوان المسلمين من السلطة. دعمت الإرهابيين في ليبيا وسوريا، وشكلت تحالفا دوليا بزعم محاربة الإرهاب. وقادت حملة مجلس التعاون الخليجي ضد جارتها الصغيرة قطر.
لماذا التغيير المفاجئ؟
استنادا إلى التطورات الأخيرة، من الواضح أن المسؤولين السعوديين يخشون أنه لم يعد بإمكانهم الاعتماد على ضماناتهم الأمنية التقليدية: النفط والولايات المتحدة. ويبدو أنهم يتصورون أن الضمان الوحيد لأمنهم هو استجابتهم العضلية.
كمؤرخ للشرق الأوسط الحديث الذي بحث وتعلم عن المنطقة لأكثر من 30 عاما، أعتقد أن هناك ثلاثة أسباب للتحول في الموقف الأمني السعودي: الانتفاضات العربية في عامي 2010 و 2011، وسياسات إدارة أوباما وانهيار أسعار النفط.
تهديد مرتقب
نظرت المملكة السعودية إلى الانتفاضات العربية باعتبارها كارثة محتملة. النظام السعودي – بقيادة غربية- كان يدعم الوضع الراهن في المنطقة. ولم تكن الانتفاضات تهدد فقط الحلفاء الاستبداديين للمملكة مثل مصر والبحرين، ولكن للنظام الإقليمي ككل وأسس شرعية المملكة العربية السعودية أيضا. كما هددت تلك الانتفاضات بتوسيع نطاق الديمقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة – وهو أمر يخشاه النظام السعودي.
علاوة على ذلك، يخشى السعوديون من أن الانتفاضات تمهد الطريق لمزيد من النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة. هذا أدى إلى التدخل السعودي الكارثي في اليمن، حيث يعتقدون أن الإيرانيين موجودون هناك. لكن في الواقع، أدت المظالم المحلية، وليس التدخل الإيراني، إلى اندلاع الانتفاضة في اليمن.
وتحدثت السعودية عن نفس الاتهامات فيما يتعلق بالبحرين، على الرغم من أن اللجنة الملكية التي عينها ملك البحرين فشلت في العثور على أي دليل يثبت أي تدخل أو تخريب إيراني في البحرين.
كما هددت الانتفاضات بتمكين الحركات الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة. تخشى السعودية من احتمالية وجود حركة إسلامية داخلية تستطيع توفير نموذجا للتوفيق بين الدين والسياسة، الأمر الذي بدوره سيؤدي إلى زعزعة استقرار العائلة المالكة.
بناء على توصية الملك عبد العزيز بن آل سعود، مؤسس الدولة السعودية الحالية، يستمر علماء الدين السعوديون في التأكيد على أن المسلمين يجب أن يطيعوا قادتهم بشكل مطلق طالما أن هؤلاء القادة هم أيضا مسلمون. هذا لا يزال موقفهم.
في حين كانت الإدارة الأمريكية متناقضة في استجاباتها تجاه الانتفاضات العربية لأن الحكام المستبدين لطالما عملوا على تعزيز المصالح الأمريكية في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية، كان السعوديون غاضبين من أن الولايات المتحدة لم تقدم دعمها غير المشروط لتلك الحكومات الاستبدادية.
السعودية وأوباما
وهذا يقودنا إلى السبب الثاني لجنون العظمة السعودي في المنطقة: سياسة إدارة أوباما تجاه الشرق الأوسط.
سعى أوباما إلى عكس مسار سلفه، جورج دبليو بوش، فيما يتعلق بمنطقة الشرق الأوسط، حيث أعرب عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة يجب أن تركز اهتمامها على شرق آسيا، حيث فيها سيتم تحديد المستقبل العالمي وليس في منطقة مليئة بالصراعات واحتمالية الركود الاقتصادي مثل الشرق الأوسط.
لذلك تطلع أوباما إلى خفض التزامات أمريكا في المنطقة والتدخل في حل النزاعات على نحو سلس بحيث يمكن للولايات المتحدة أن توجه انتباهها إلى مكان آخر. وهذا أحد الأسباب التي دفعت إدارة أوباما إلى توقيع الاتفاق النووي الإيراني ومحاولة استئناف محادثات السلام الإسرائيلية الفلسطينية. والأهم من ذلك كله أنه سعى إلى جعل الحلفاء الأمريكيين يتحملون المزيد من مسؤولية الدفاع عن أنفسهم.
استراتيجية أوباما الكبرى جعلت حلفاء أمريكا التقليديين في المنطقة يخشون التخلي الأمريكي عنهم. وفهم السعوديون من تعليقات الرئيس أوباما بأنه عليهم أن يتعلموا “تقاسم الجوار” مع إيران، وهذا شيء مرعب بالنسبة لهم بشكل خاص.
اعتماد المملكة على النفط
ويرجع السبب النهائي للجنون السعودي إلى انهيار أسعار النفط. من يونيو 2014 إلى أبريل 2016، انخفضت أسعار النفط بنسبة 70% لأسباب مختلفة، بما في ذلك وجود وفرة في السوق، وتوافر مصادر بديلة للوقود.
يعتقد معظم الاقتصاديين أن سعر النفط سينتعش مرة أخرى، وإن لم يكن إلى مستويات الذروة. ولكن هذا لم يمنع الدول المنتجة للنفط من اتباع نصيحة صندوق النقد الدولي لاتخاذ خطوات لتنويع اقتصاداتها.
وكانت السعودية مستمعة جيدة لتوصيات صندوق النقد الدولي. في ربيع عام 2016، كشف محمد بن سلمان، ولي العهد حاليا ونائب ولي العهد آنذاك، عن خطة بعنوان “رؤية 2030″، التي لم تكن مبتكرة بالأساس. تتضمن تلك الخطة قائمة من نفس توصيات السوق الحرة المنهكة التي طُبقت دوليا منذ السبعينيات.
تدعو الخطة إلى خصخصة الأصول الحكومية، بما في ذلك التعليم و 5% من شركة النفط الوطنية الرئيسية في البلاد، أرامكو السعودية؛ وتقليل واستهداف الدعم المقدم للنفط والكهرباء والمياه؛ وإدخال ضريبة على الدخل؛ وتوفير 450 ألف وظيفة جديدة في القطاع الخاص.
لكن احتمالات نجاح المملكة العربية السعودية في تحويل اقتصادها لتصبح قادرة على المنافسة عالميا في 13 عاما ليست عالية.
تنفيذ الرؤية السعودية 2030 يعني، من بين أمور أخرى، التخلص من الأداة الأكثر فعالية التي يجب على الحكومة السعودية الحصول عليها ألا وهي: شراء موافقة السكان. على سبيل المثال، عندما اقتربت الانتفاضات العربية من المملكة، قامت الحكومة السعودية بتوزيع منح بقيمة 130 مليار دولار أمريكي على سكانها للحفاظ على ولائهم.
ويعني ذلك أيضا ضمان التدفق الحر للمعلومات في بلد فيها الشفافية على جميع مستويات الحكم والتجارة حالة نادرة. في عام 2017، احتلت السعودية المرتبة 168 من بين 180 بلدا شملتهم الدراسة الاستقصائية من حيث حرية الصحافة.
وأخيرا، فإن ذلك يعني تغيير المواقف تجاه العمل في بلد لا تشكل فيه النساء سوى 22% من القوى العاملة – مقارنة بما يقرب من 40% على الصعيد العالمي – والعمال الأجانب يقومون حرفيا بجميع الأعمال ذات الأعباء الثقيلة.
كان على ولي العهد محمد بن سلمان أن يتراجع عن بعض المقترحات الواردة في “رؤية 2030”. لذلك من غير المحتمل أن تكون هذه الرؤية أكثر نجاحا من حرب السعودية الفاشلة في اليمن، والتي يتحمل مسؤوليتها ولي العهد أيضا.
بقلم : شيماء محمد
ارسال التعليق