السلطات السعودية تضع مقدسات المسلمين تحت أفخاذ راقصاتها
عملية «التحديث» والانفتاح على العالم الخارجي، والتي بدأها، قبل فترة، وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، وصلت إلى ذروتها مع استقدام «النجوم العالميّين» أخيراً، ليقدّموا عروضاً خارج المألوف، وهو ما أثار ردود فعل مختلفة في العديد من الأوساط، في العالمَين العربي والإسلامي، وتحديداً في تركيا. وتجلّى الحدث الأبرز، في ذلك السياق، خلال «مهرجان الرياض» الذي استضاف، قبل أيام، فنانات وفنانين معروفين، من مثل جينيفر لوبيز، وكاميلا كابيو، وسيلين ديون. وفي واحد من العروض التي أدّتها لوبيز، عُرض مجسّم رقمي للكعبة في خلفيّته، ما استتبع سخطاً كبيراً في تركيا على هذا «الانتهاك الفاضح للقيم الدينية».
ولعلّ أبرز ما في ردود الفعل تلك، ما جاء على لسان الرئيس السابق للشؤون الدينية (ديانت)، محمد غورميز، الذي قال إن «عرض مجسّم الكعبة وتكراره عدّة مرات، وبطريقة تحقيرية ومبتذلة، في مهرجان لَهو، لا ينسجم أبداً مع قيم الإسلام، وترك جرحاً عميقاً في قلوب المؤمنين». وأضاف: إن «عرض مجسّم للرمز الأقدس في الإسلام بطريقة غير أخلاقية، هو بكلّ معنى الكلمة انتهاك لعصمة الدين. الكعبة ليست ملكاً لأيّ قبيلة أو شعب أو أمّة، بل هي ملك مقدّس لمليارَي مسلم. وهي المعبد الأكثر قداسةً منذ عهد آدم إلى عهد الرسول محمد وكل الأنبياء. وهي الشعار الوحيد للتوحيد، والذي لا يمسّ». ورأى أن بعض المواقف التي حاولت تبرير ما جرى هي «عذر أقبح من ذنب. وتنمّ عن عدم حساسية وعدم معرفة بقيمة الكعبة»، مضيفاً إن سكوت بعض علماء السعودية هو «فاجعة بحدّ ذاته». كما أن «حماية الكعبة حقّ كل مسلم. وحدوث هذا في الرياض، في وقت يُقتل فيه أطفال غزة، سيترك جرحاً لن يلتئم أبداً»، كما قال.
كذلك، صدرت ردود فعل من بعض الكتّاب المعروفين بانتماءاتهم المحافِظة، والذين يحظون باحترام وتقدير كبيرَين في تركيا؛ وفي مقدمة هؤلاء، الكاتب المعروف أحمد طاش غيتيرين، في صحيفة «قرار»، والذي عنون مقالته: «فضيحة في السعودية». ووفقاً للكاتب، فإن «الوهابية كانت موجودة في روح تأسيس السعودية، وكانت أحد التفسيرات الأكثر تطرّفاً للإسلام. فتحت الوهابية الحرب على بناء المقابر، بما فيها قبور الصحابة، وحتى زيارة قبر النبي محمد كانت تحمل ظلّ الوهابية. وكل واحد يربط اسم هذا البلد بمنع النساء من قيادة السيارة». وتابع: «هذه أشياء تحدث مرّة في العالم. ومع تصاعد نفوذ وليّ العهد محمد بن سلمان، كان واحداً من كبار المسؤولين الذين ارتكبوا بوحشية فائقة عملية قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. محمد بن سلمان هذا، بدأ عملية التحديث السعودي مع السماح للمرأة بقيادة السيارة، وكان وراء العديد من مشاريع الاستثمار بالمعنى التكنولوجي. لكن البعد «التحديثي» من عمل ابن سلمان بلغ ذروات غير مسبوقة، بحيث يجبّ كل واحد ما قبله من مهرجانات واستعراضات مجنونة». وقال غيتيرين إن «الحدث الأخير الذي لا يعرف حدود الجنون، تخلّله توظيف القداسة في استعراض بصري. الجريمة كانت واضحة جداً. لقد قَتل محمد بن سلمان بشكل متهوّر جمال خاشقجي في إسطنبول، وقطّعه إرباً ثم ذوبه بالأسيد. والاستعراض الرقمي للكعبة في الرياض بالطريقة التي جرت، هو جريمة شنيعة لا تقلّ عن جريمة قتل خاشقجي. حتى أولئك الذين دنّسوا القرآن وأحرقوه في دول أوروبية، لم يفكروا في استخدام الكعبة لأغراض الإساءة إلى الإسلام. لكن هذا حصل في السعودية. في بلد يحتضن الحرمَين الشريفين: الكعبة وقبر الرسول».
وانتقد غيتيرين صمت رئيس الشؤون الدينية، وغيره من علماء الدين الأتراك، متسائلاً: «ألم يكن يجب أن تُظهر رئاسة الشؤون الدينية رد فعل على ما جرى في الرياض؟ هل الكعبة هي رهن ممارسات السعوديين؟ ألا يهمّ هذا كل العالم الإسلامي؟ ألم يكن بمقدور رئاسة الشؤون الدينية أن تقول: لا يمكن القبول بذلك؟». ولكن الكاتب أشاد بردّ فعل الرئيس السابق للشؤون الدينية، غورميز، وقال: «حسناً فعل»، مضيفاً: «مع الأسف، كان المؤمنون شاهدين على هذا في بلد يستضيف الكعبة. هل هو عدم احترام الوهابية للمقدسات الإسلامية، أم أنه نسخة محمد بن سلمان لتشكيل إسلام جديد؟ مهما تكن المبررات، فما جرى أمر مخجل للسعوديين. ولا يمكن إلّا أن أقول إن هذا لا يمكن أن يحصل في تركيا. يمكن أن تحصل في تركيا أشياء مختلفة، لكن إهانة المقدسات أمر غير وارد. عندنا، يحبّون النبي والكعبة مقدّسة والقدس شريف والاحترام لكل الأنبياء». ورأى أن «حماية الكعبة من تسلّط السلطة السعودية مسؤولية كل المسلمين، ولأنه لا يمكن القطع بما سيخطر غداً في بال محمد بن سلمان».
من جهته، كتب الصحافي محمد علي أونيل، عبر منصة «إكس»: «فضيحة السعودية. لقد جعلوا من الكعبة ديكوراً للفنانين الغربيين، واستخدموا لذلك مجسّماً للكعبة. وخرجت المغنية الأميركية جينيفر لوبيز بالمايوه إلى المسرح. السعوديون يعيشون بمال النفط حياة أكثر انحرافاً من المنحرفين الغربيين. وحتى قطعة القماش التي عليها سوف ينزعونها. إنهم لا يأبهون ذرّة للمذبحة التي تجري للأطفال قربهم في غزة. وخلا قلّة من المسلمين تخرج من بينهم، فالباقي إلى مكبات القُمامة». أيضاً، انتقدت صحيفة «استقلال» ما جرى في الرياض وردّ فعل السلطات السعودية التي اعتقلت إمام الكعبة، الشيخ صالح الطالب، بعد انتقاده في خطبة علنية الاستعراض، و»ما يحاك للمجتمع السعودي من حفلات فسق وترفيه ودعوات مشبوهة واستهداف للقيم الإسلامية باسم التحديث والتجديد».
ارسال التعليق