إقالات وتوقيفات السعودية.. تمهيد لولاية العرش أم تعزيز للهيمنة الاقتصادية؟
باتت سياسة تصفية الحسابات هي المتحكم الرئيسي في إدارة البيت السعودي وسلوك الأسرة الحاكمة، فتولي ولي العهد محمد بن سلمان، عرش المملكة لم يكن يومًا موضع رضى بين أمراء السعودية وسياسييها، الأمر الذي دفعه وحاشيته إلى البحث عن سُبل لتطهير مؤسسات المملكة من معارضيه وإسكات الأصوات التي قد تشكل فيما بعد جبهة معارضة ضده.
توقيفات وإقالات
أصدر الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، أمرًا ملكيًا بإعفاء وزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبد الله، وتعيين الأمير خالد بن عياف، وزيرًا للحرس الوطني، كما تم إعفاء وزير الاقتصاد والخطيط الحالي عادل فقيه، وتعيين محمد التويجري، بدلًا منه، فيما أصدر أمرًا بإنهاء خدمة الفريق عبد الله السلطان، قائد القوات البحرية، وتعيين الفريق فهد الغفيلي، خلفًا له.
في ذات الإطار، فقد تم توقيف ما يزيد عن 11 أميرًا وعشرات الوزراء السابقين و4 وزراء حاليين بالمملكة، وعدد من رجال الأعمال بتهم فساد مختلفة، من قبل “لجنة مكافحة الفساد”، وأكدت وسائل إعلام سعودية أنه تم توقيف الأمير “ت.ن” بتهمة توقيع صفقات سلاح غير نظامية وصفقات وهمية، إضافة إلى إيقاف الأمير “و.ط” المتهم في قضايا غسيل أموال، والأمير “م.ع” بتهم صفقات وهمية وترسية عقود على شركات تابعة له، إضافة إلى رئيس الديوان الملكي السابق “خ.ت” بتهم الفساد وأخذ الرشاوى، ورجل الأعمال “و.ب” صاحب المجموعة التلفزيونية الأكبر عربيًا، بعدة تهم تتعلق بالفساد في السعودية، فيما أكدت وسائل الإعلام أن اللجنة أعادت فتح ملف “سيول جدة” وملف “وباء كورونا”.
وسربت وسائل إعلام أن الأمراء والوزراء المعتقلين هم، الأمير الوليد بن طلال، رئيس مجلس إدارة المملكة القابضة، والأمير متعب بن عبد الله، وزير الحرس الوطني، والأمير تركي بن عبد الله، حاكم منطقة الرياض، وخالد التويجري، رئيس الديوان الملكي السابق، وعادل فقيه، وزير الاقتصاد والتخطيط، وإبراهيم العساف، وزير المالية السابق، وعبد الله السلطان، قائد القوات البحرية السعودية، وبكر بن لادن، رئيس مجموعة بن لادن السعودية، ومحمد الطبيشي، رئيس المراسم الملكية السابق، وعمرو الدباغ، حاكم الهيئة العامة للاستثمار السعودي، والوليد الإبراهيم، رئيس مجموعةMBC التلفزيونية، وخالد الملحم، المدير العام للخطوط الجوية السعودية، وسعود الدويش، رئيس مجلس إدارة شركة الاتصالات السعودية، والأمير تركي بن ناصر، رئيس هيئة الأرصاد الجوية والبيئة، والأمير فهد بن عبد الله، مساعد وزير الدفاع السابق، واثنين من رجال الأعمال هم صالح كامل، ومحمد العمودي، اللذان يملكان علاقات وثيقة بولي العهد السابق محمد بن نايف.
“الفساد” ذريعة
لم تكن هذه المرة الأولى التي يشن فيها العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، حملة إقالات وتوقيفات مفاجئة، فقد نجح سلمان، وولي عهده، خلال الأشهر الأخيرة في إقصاء العديد من الوزراء والأمراء الذين مثلوا حلفاء لملوك سابقين، وعلى رأسهم الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، وكان آخر هذه الحملات تلك التي شنها في يونيو الماضي، تمهيدًا لإجبار ولي العهد السابق محمد بن نايف، على التنازل عن ولاية العهد ووضعه قيد الإقامة الجبرية.
هذا الإقصاء جاء حينها بدون ذكر أسباب معينة أو منطقيه، الأمر الذي شكّل موضوع جدال، وأثار العديد من ردود الفعل بين السياسيين السعوديين وأعضاء الأسرة الحاكمة، وهو ما دفع ولي العهد السعودي إلى تلافي الخطأ السابق من خلال البحث عن ذريعة سياسية يتمكن من خلالها من تصفية كافة الحسابات وإقصاء كافة الأمراء والوزراء غير الموالين له، في مسعى أخير منه لتهيئة العرش تمهيدًا لتوليه مسؤوليته قريبًا.
هذه المرة كانت تهم الفساد هي الذريعة الرئيسية لتطهير الدولة من المعارضين، وسبقت حملة الإقالات والتوقيفات التي شنها الملك السعودي بساعات، إصدار الملك سلمان، أمرًا باتخاذ إجراءات جديدة في المملكة لمكافحة الفساد، بما في ذلك تشكيل لجنة خاصة برئاسة ولي العهد لتولي مهمة التحقيق في قضايا فساد، وقال بيان المملكة إن “القيادة السعودية لاحظت استغلالًا من قبل بعض ضعاف النفوس الذين غلبوا مصالحهم الخاصة على المصلحة العامة، واعتدوا على المال العام دون وازع من دين أو ضمير أو أخلاق أو وطنية، مستغلين نفوذهم والسلطة التي ائتمنوا عليها في التطاول على المال العام وإساءة استخدامه واختلاسه، متخذين طرقا شتى لإخفاء أعمالهم المشينة، ساعدهم في ذلك تقصير البعض ممن عملوا في الأجهزة المعنية وحالوا دون قيامها بمهامها على الوجه الأكمل لكشف هؤلاء، مما حال دون اطلاع ولاة الأمر على حقيقة هذه الجرائم والأفعال المشينة”.
أسباب وتوقيت الحملة
رأى العديد من المراقبين أن حملة الإقالات والتوقيفات الأخيرة الهدف منها ليس فقط تمهيد الطريق أمام تولي بن سلمان، عرش المملكة، فقد سبق أن مهد ولي العهد لهذا الإجراء من خلال إقصاء المنافسين أو المحسوبين على المعسكر المعادي له، إضافة إلى إقالة واعتقال العديد من المثقفين ورجال الدين لتعزيز قبضته السياسية على السلطة، والحصول على المباركة الإسرائيلية والأمريكية، وتلميع نجم بن سلمان، في الدول الأوروبية، بل تهدف هذه الحملة المفاجئة إلى تغيير قواعد اللعبة الاقتصادية والاستثمارية في السعودية، إذ يحمل ولي العهد السعودي فكرًا استثماريًا قد يكون مختلفًا مع الفكر الحالي في المملكة، الأمر الذي دفعه إلى إزاحة المنافسين والمسؤولين النافذين في القطاع الاستثماري ورجال الأعمال البارزين، في محاولة لدفع مجموعة الأمير محمد الاستثمارية للسيطرة على كافة ملفات ومفاصل الدولة من الناحية الاقتصادية.
في ذات الإطار، فقد رأى المغرد الشهير “مجتهد” أن سبب الحملة على الأمراء والوزراء ورجال الأعمال، أن “بن سلمان يريد الاستيلاء على أكبر كمية من أموالهم ويحيلها لحساباته”، وهو ما اتفق معه المغرد الشهير “كشكول”، الذي قال: “بسبب أن الملك يحارب الفساد، سيتمكن بن سلمان من تحقيق لقب أول ترليونير في التاريخ”، وأضاف: “هذه المذبحة تشبه ليلة السكاكين الطويلة، عندما قام هتلر بالقضاء على منافسيه داخل الحزب النازي، ثم تفرد بالحكم”، وتابع: “بعد إقصاء واعتقال محمد بن نايف، والتشهير به في رويترز بأنه مدمن وشاذ جنسيًا، اقتنع محمد بن سلمان أن باقي أولاد عمه جبناء ويستطيع فعل ما يريد بهم”، فيما قال المعارض السعودي الشهير “غانم الدوسري”: من العار أن يحاسب الفاسد فاسدًا مثله، ومن السخف أن نعتبر تصفية الحسابات محاسبة، لو كانت المحاسبة أتت من مجلس شوري منتخب لباركناها.. غير ذلك لا”.
بقلم : هدير محمود
ارسال التعليق