المخابرات الأمريكية حذرت من اغتيال السعودية لصوفان في قطر
في أوائل مايو/أيار، تواصل مسؤولون من وكالة الاستخبارات المركزية مع "علي صوفان"، وهو عميل سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي "إف بي آي" شارك في التحقيقات حول هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001.
وطلب المسؤولون من "صوفان" عدم الكشف عن تفاصيل كثيرة من التواصل الأخير، لكنه أفصح قائلا: "كانت المعلومات محددة بما يكفي لدرجة أنهم شعروا أنه يجب عليهم إبلاغي".
وبعد أسبوعين، أصبح "صوفان"، الذي يعيش في منطقة نيويورك، هدفا لحملة ضارية على وسائل التواصل الاجتماعي. وهي الحملة التي ظهرت بها عبارات تهديد.
وكتب أحد مستخدمي "تويتر": "السيد علي، أنت ميت، هذه بداية النهاية". وذهب "صوفان" بتلك المواد إلى مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين فتحوا تحقيقا في الأمر.
ووصل خبراء الأمن السيبراني إلى أن جزءا على الأقل من الحملة مسؤول عنه الحكومة السعودية.
ويبدو أن الحملة شارك فيها بعض الأشخاص من الفريق الذي استهدف في السابق "جمال خاشقجي"، الذي تم قتله على يد عملاء المخابرات السعودية في أكتوبر/تشرين الأول 2018 في قنصلية المملكة بإسطنبول.
ولا ينقص "صوفان" الأعداء. فقد كان خصما قديما لـ"القاعدة". وبصفته عميلا سابقا لـ"إف بي آي"، فقد لاحق المسلحين الذين هاجموا السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا والولايات المتحدة واليمن.
كما شارك في التحقيقات الخاصة بالهجمات على مركز التجارة العالمي والبنتاجون عام 2001. وقد أكسبته جهوده في مكتب التحقيقات الفيدرالي جائزة "التميز"، التي تمنح كل عام لوكلاء المكتب المتميزين.
وتم تمثيل ملاحقة "صوفان" لمخططي أحداث 11 سبتمبر/أيلول في المسلسل التلفزيوني "هولو" من بطولة "بروس ريدل".
وبعد مغادرته مكتب "إف بي آي" في عام 2005، أنشأ مجموعة "صوفان"، وهي شركة استشارات أمنية في نيويورك.
وتدير شركته أكاديمية تدريب لقوات الشرطة والاستخبارات في قطر. وفي يناير/كانون الثاني الماضي، عندما غرد نائب الرئيس "مايك بنس" برسالة تلقي باللوم على إيران في هجمات 11 سبتمبر/أيلول، رد "صوفان" بالإشارة إلى أن 15 من الخاطفين الـ19 كانوا من السعودية.
وقد نفت السعودية مرارا وتكرارا أي مسؤولية عن الهجمات، فيما تقوم عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول بمقاضاة حكومة الرياض لمساعدتها الخاطفين وتمويلهم.
وعرف "صوفان" أيضا "خاشقجي"، المعارض الذي كتب سلسلة من الأعمدة تنتقد النظام السعودي في صحيفة "واشنطن بوست".
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، تم قتل "خاشقجي" وتمزيق أوصاله داخل القنصلية السعودية في إسطنبول. ولم يتم العثور على أي أثر له حتى الآن، ولكن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية خلصت بثقة من "متوسطة إلى عالية"، إلى أن ولي العهد السعودي الأمير "محمد بن سلمان" هو من أمر بالاغتيال.
وبعد قتل "خاشقجي"، ساعد "صوفان" في إقامة نصب تذكاري له في الكابيتول هيل، وحضر افتتاحه العديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي وأعضاء الكونجرس.
وعندما بدأت حملة الذباب الالكتروني على وسائل التواصل الاجتماعي الأخيرة ضد "صوفان"، طلب "صوفان" من فريق الأمن السيبراني في شركته التحقيق في الأمر. كما وظف خبراء خارجيين لتقديم المشورة لهم.
ورأي الخبراء أن الجهد بدأ من قبل الصحفي السعودي "حسين الغاوي". وادعى "الغاوي" أن "صوفان"، عندما كان وكيلا لـ"إف بي آي"، أشرف على تعذيب ناشط مشتبه به من "القاعدة" يدعى "علي المري".
وينفي "صوفان" ذلك. وقد رفض أيضا اتهامه بتعذيب "أبو زبيدة"، المشتبه في انتمائه إلى "القاعدة" عام 2002.
وفي تغريدة أخرى على "تويتر"؛ كتب "الغاوي" أن شركة "صوفان" دخلت في تحالف مع قطر للإساءة إلى السعودية، وأن "صوفان" تم منحه الجنسية القطرية.
ويعمل "صوفان" في قطر، لكنه ينكر الحصول على الجنسية. وقال "الغاوي" عن شركة "صوفان": "هدفها هو تبرئة قطر من دعم الإرهاب".
وتمت إعادة تغريد هذه الادعاءات آلاف المرات من قبل مجموعة من الحسابات المزيفة، ما مهد الطريق لمزيد من الهجمات الشرسة ضد "صوفان". وكتب أحد الأشخاص على "تويتر": "ستكون نهايته في مكب نفايات في قطر إن شاء الله".
وكلما تعمق "صوفان" وفريقه، ظهرت التفاصيل الأكثر إزعاجا. وكان "خاشقجي" أيضا هدفا لحملة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وفي الأشهر التي سبقت القتل، نشر "الغاوي" سلسلة مماثلة من التغريدات حول "خاشقجي"، تمت إعادة تغريد العديد منها بواسطة حسابات مزيفة أيضا.
وكتب "الغاوي": "لا أحد أكبر من الوطن يا جمال". وكما هو الحال في حالة "صوفان"، استدعت التغريدات المزيد من الهجمات المكثفة. وقال رجل في تغريدة لـ"خاشقجي" في ديسمبر/كانون الأول 2017: "تظاهر بالموت خيرا لك".
وفي الشهر الماضي، ظهرت قضية أخرى، تخص "عمر عبدالعزيز"، وهو ناشط سعودي شاب يعيش في كندا، أخبر "الجارديان" أن الشرطة الكندية قد حذرته من مؤامرة سعودية لاستهدافه. وكان "عبدالعزيز"، الناقد البارز للنظام السعودي، صديقا ومساعدا لـ"خاشقجي".
وتحمل التهديدات ضد "خاشقجي" و"صوفان" و"عبدالعزيز" أوجه شبه واضحة. وتظهر عبارات مثل "بداية النهاية" و"تظاهر بالموت" و"نهايتك في مكب للقمامة" في التغريدات حول الثلاثة.
ويشعر "صوفان" بالقلق من أن النمط العام يشير إلى أنه هدف. وقال: "لقد تم قتل خاشقجي على يد عملاء سعوديين. وأكدت السلطات الكندية أن التهديد ضد عمر مرتبط مباشرة بالسعودية. ويبدو أن التهديد ضدي متصل بالمملكة كذلك".
لكن من هو "الغاوي"؟ حسنا، تم التحقق من حساب "تويتر" الذي يعود إليه، لذلك من المحتمل أنه ليس بوت، لكن حسابه لا يقبل الرسائل المباشرة. ويدير برنامجا على "يوتيوب" يسمى "الجمرة" يبث دعاية مؤيدة للسعودية.
ورفض المسؤولون في السفارة السعودية في واشنطن التعاطي مع تفاصيل قضية "صوفان"، لكنهم قالوا إن "السعودية ترفض مثل هذه الادعاءات التي لا أساس لها، والتي لا تدعمها أية أدلة، والتي تهدف إلى خدمة أجندات أولئك الذين يروجون لها".
وأضاف المسؤولون أن السعودية تلاحق منتهكي قوانين الجرائم الإلكترونية وتسمح للضحايا برفع دعوى، ولكن يبدو أن الحكومة السعودية استخدمت الحملات على الإنترنت لتعزيز مصالحها.
وفي ديسمبر/كانون الأول 2019، أعلن "تويتر" حذف 5 آلاف و925 حسابا كانت جزءا من حملة مدعومة من الحكومة السعودية على "تويتر".
وقال "تويتر" إن الحسابات، ومعظمها كانت آلية، انتهكت سياسات المنصة. وتظهر السجلات أن 5 منها على الأقل تفاعلت مع تهديدات "خاشقجي" قبل مقتله.
وحدد فريق "صوفان" أيضا 37 حسابا أعادت التغريد أو الإعجاب بالمنشورات المنتقدة لكل من "خاشقجي" و"صوفان".
وقال "زاكاري شفيتسكي"، أحد الخبراء الذين استعان بهم "صوفان" لفحص البيانات: "هذه هي العلامات الكلاسيكية لوجود حملة تدعمها الدولة".
وقال مسؤولو وكالة الاستخبارات المركزية لـ"صوفان" إنه يمكن استهدافه أثناء وجوده في قطر.
وقال "صوفان": "استخدمت حملة التضليل الروايات الكاذبة والصور الخطيرة عني التي تتماشى بشكل مباشر مع عناصر التهديد".
ولعل أكثر الأدلة إقناعا هو مقطع فيديو تم نشره على الإنترنت في مايو/أيار، يتهم "صوفان" بتعذيب المشتبه في انتمائهم إلى القاعدة.
ويشير مقطع الفيديو، الذي تمت مشاهدته أكثر من 100 ألف مرة، إلى "محقق أمريكي لبناني مسؤول عن التحقيقات في تفجيرات سبتمبر/أيلول، حاول بكل ما في وسعه إدانة السعودية في تلك الأحداث وفشل، ويحمل حاليا الجنسية القطرية ويعمل في الدوحة".
ويعد الفيديو مثيرا للاهتمام لسبب آخر، فقد تمت إعادة تغريده مع تعليق بالموافقة من قبل "حمد المزروعي"، مستشار ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" الزعيم الفعلي لدولة الإمارات والحليف المقرب من "بن سلمان".
كما نشر "المزروعي" عدة تغريدات تنتقد "خاشقجي" في الأشهر التي سبقت مقتله، بما في ذلك واحدة نصت على ذلك: "الله لا يفرج عنه، رقبة تستحق الذبح".
ويقر "صوفان" بأن الأدلة غير قاطعة. لكن الحكومة السعودية تواصل جهودها على ما يبدو لمعاقبة المنتقدين في الخارج.
وفي مايو/أيار، أفاد كاتب العمود في صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية "ديفيد إجناتيوس" أن السلطات السعودية احتجزت ابن وابنة "سعد الجبري"، وهو ضابط مخابرات سعودي كبير سابق يعيش في المنفى في تورنتو، في محاولة واضحة لإجباره على العودة إلى السعودية لمواجهة الاعتقال.
وعلى عكس "الجبري"، فإن "صوفان" مواطن أمريكي مخضرم وخبير في تطبيق القانون الأمريكي. وسيكون قيام السعوديين بمهاجمته مباشرة عملا عدوانيا غير مسبوق.
لكن قلقه هو أن تدفع المملكة متشددين لمحاولة قتله في قطر، ويمكن إرجاع الهجوم إلى التهديدات بالقتل التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي.
وقال: "لن تكون هذه هي المرة الأولى التي تستخدم فيها الدولة مسلحين أو إرهابيين للقيام بعملها القذر".
ارسال التعليق