رؤية ابن سلمان تعتمد على إساءة معاملة العمال الأجانب
تعتمد “رؤية” محمد بن سلمان للسعودية على إساءة معاملة العمال الأجانب في ظل نظام الكفالة سيء السمعة الذي ينطبق على ملايين العمال المهاجرين في المملكة الذين يمثلون أكثر من 80 في المئة من القوى العاملة في القطاع الخاص.
ويُعتبر نظام الكفالة في السعودية شكلا من أشكال العبودية الحديثة، حيث يمنح هذا النظام المسيء للعمال الأجانب في السعودية أرباب العمل سلطة شبه مطلقة على وضع العمال القانوني في البلاد، بما في ذلك قدرتهم على ترك الوظيفة.
وقد زعمت الحكومة السعودية أنها ستُدخل إصلاحات عمالية في عام 2021 من شأنها أن تحد من نظام الكفالة. لكن تلك “الإصلاحات” أثبتت أنها مجرد وعود فارغة، كما أظهرت إساءة معاملة والدي بشكل مؤلم بحسب مقال نشره الباحث أحمد عبد العمر نشرته منظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي.
وقال عبد العمر في مقاله “كان والدي، وهو مواطن هندي، ضحية للاتجار بالبشر والعمل القسري في السعودية”.
وأضاف أن قصة والده هي مجرد لمحة عن سوء معاملة العمال المهاجرين على نطاق واسع في المملكة، ونظام العمل القمعي الذي هو السبب الجذري لجميع الخطط الاقتصادية الكبرى السعودية في عهد محمد بن سلمان.
وصل أحمد عبد المجيد إلى المملكة عام 1981 قادمًا من الهند ليعمل مديرًا للمبيعات. لقد أمضى 40 عامًا يعمل في شركة واحدة، وهي وكالة سفريات سعودية تُعرف الآن باسم مجموعة سيرا، والتي يسيطر عليها ولي العهد من خلال صندوق الاستثمارات العامة.
مجموعة سيرا، التي كانت لسنوات أكبر شركة سفريات في السعودية، أصبحت الآن أكبر شركة سفريات في الشرق الأوسط.
كانت وظيفة والدي تتطلب العمل على مدار الساعة لخدمة العديد من العملاء من رجال الأعمال الأثرياء وأفراد العائلة المالكة والدبلوماسيين في كل يوم من أيام السنة، بما في ذلك أيام العطلات. لقد اكتسب سمعة طيبة في الشركة بسبب صدقه وتفانيه في عمله، حيث خدم العديد من عملائه لعقود من الزمن.
ولكن منذ ما يقرب من أربع سنوات، في بداية جائحة كورونا في مارس/آذار 2020، قررت الشركة فصله فجأة. أبلغ والدي صاحب العمل على الفور برغبته في العودة إلى الهند ورعاية والدتي المريضة، التي خضعت لعملية جراحية حرجة غيرت حياتها. كان هذا بمثابة بداية كابوسه.
بموجب نظام الكفالة، كان على والدي الحصول على موافقة الشركة لمغادرة البلاد. رفضت إدارة مجموعة سيرا طلبه وبدلًا من ذلك ابتكرت مخططًا لإجباره على الاستمرار في العمل، بدون أجر، لتحصيل الأرصدة المتأخرة لعملائها.
وكانت هذه عادة مسؤولية القسم المالي للشركة. وفي حالة رفض العملاء سداد أرصدتهم، كان من المفترض أن يكون القسم القانوني في سيرا هو المسؤول عن مقاضاة العملاء للحصول على الأموال.
وبدلًا من ذلك، أجبرت الإدارة والدي، البالغ من العمر 63 عامًا وفي ذروة الوباء، على التسول في مكاتب العملاء المختلفة في الرياض، متوسلًا إياهم دفع فواتيرهم للشركة التي طردته وما زالت تتحكم في مصيره.
وقد حوصر في أداء هذا العمل القسري وغير مدفوع الأجر لمدة ستة أشهر، من مارس/آذار حتى سبتمبر/أيلول 2020، عندما انتهت صلاحية تأشيرة عمله.
وعلى الرغم من المخاطر الصحية القاتلة لجائحة كورونا في تلك الأشهر الأولى من الوباء، إلا أنه لم يتلق أي تعويض. كان عليه أن يقترض المال من الأصدقاء لإطعام نفسه والحفاظ على مكان يبيت فيه.
هذه الإساءة المهينة طالت رجلًا قضى أربعة عقود من عمره يعمل في السعودية، ولكن تم التخلص منه ككومة قمامة، وكأن عمله لا يعني شيئًا، وكأنه هو نفسه يمكن التخلص منه.
تدهورت صحة والدتي بسرعة خلال هذه الفترة، وتوسل والدي إلى الشركة للسماح له بمغادرة البلاد لرعايتها، لكنهم رفضوا.
في نهاية المطاف، مع نفاد الوقت المحدد لتأشيرته ورفض عملاء شركة “سيرا” بشكل قاطع دفع أرصدتهم بسبب حالة عدم اليقين أثناء الوباء، أجبرت الشركة والدي على دفع المستحقات بنفسه، من جيبه الخاص. لقد كان ابتزازًا.
واضطر إلى بيع ممتلكات وأصول أخرى في الهند لجمع الأموال. فقط بعد تحويل تلك الأموال إلى الشركة السعودية التي أصبحت آسرة والدي، تمكن والدي أخيرًا من تحرير نفسه ومغادرة المملكة، قبل انتهاء صلاحية تأشيرته. لكن قبل أن يفر من السعودية، كانت هناك إهانة أخيرة.
فعلى الرغم من عمله في شركة سفر كبرى، اضطر إلى شراء تذكرة العودة إلى الهند بنفسه—وهو انتهاك صارخ آخر لقانون العمل السعودي، حيث من المفترض أن يدفع أصحاب العمل بموجب نظام الكفالة ثمن تذكرة طيران العامل إلى الوطن. سرقة الأجر هذه كلفت والدي كل مدخراته التقاعدية التي حصل عليها بشق الأنفس.
وبعد وصوله أخيرًا إلى موطنه في الهند، توسل والدي إلى مجموعة سيرا لتعويضه على الأقل عن تكاليف الجراحة التي أجريت لوالدتي، لكن الشركة لم ترد أبدًا. وتسببت المحنة برمتها في تأخير كبير في إجراء الجراحة لوالدتي، ومن المرجح أن تؤدي المضاعفات إلى مشاكل صحية مدى الحياة لها.
ومع عودته إلى الهند، تعهدت عائلتي بالنضال من أجل الحصول على العدالة. واتصل بمكتب رئيس الوزراء في نيودلهي لطلب مساعدتهم.
ووفقًا لأرقام الحكومة الهندية، هناك ما يقرب من 2.5 مليون عامل هندي في السعودية، ما يجعلهم أكبر مجتمع من العمال الأجانب في المملكة. ويعمل ما يقدر بنحو 9 ملايين هندي في منطقة الخليج.
تستضيف دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر عدد من العمال، حيث يبلغ عددهم حوالي 3.5 مليون عامل هندي. وأحال مكتب رئيس الوزراء القضية إلى السفارة الهندية في الرياض، والتي طلبت بدورها من مجموعة سيرا حل المسألة.
ولم يكن هناك أي رد من سيرا، على الرغم من الطلبات المتعددة من السفارة، وسرعان ما اعتبرت الحكومة الهندية الأمر مغلقًا.
أقنعتُ والدي بالقدوم إلى الولايات المتحدة، حيث أعيش. اعتقدتُ أنه لا يوجد مكان أفضل لخوض هذه المعركة من دولة مبنية على المبادئ الديمقراطية وسيادة القانون.
ذهب والدي شخصيًا إلى السفارة السعودية في واشنطن بعد وقت قصير من وصوله وأحال القضية إلى السفيرة السعودية ريما بنت بندر بن سلطان. لكن لم يكن هناك رد حتى بعد مرور عامين.
وتمكنّا من نشر قضية والدي في تقرير العام الماضي حول الاتجار بالبشر في السعودية الصادر عن مؤسسة حقوق الإنسان، التي يقع مقرها في نيويورك.
وكشف التقرير عن “شبكة عميقة الجذور ومترابطة من الممارسات القمعية”، بما في ذلك نظام الكفالة، “الذي يسهّل الاتجار بالبشر” في المملكة. كان الأمر واضحًا لا لبس فيه بشأن ما عاناه والدي، واصفًا إساءة معاملته بأنها “فخ وعمل قسري”.
أرسلتُ نسخة من التقرير إلى بدر العساكر، أحد المقربين من محمد بن سلمان ورئيس المكتب الخاص لولي العهد، مع كافة التفاصيل حول قضية والدي، لكن لم أتلق أي رد.
ووفقًا لمؤسسة حقوق الإنسان، أظهرت قضية والدي أن النظام السعودي لا يستفيد “عن غير قصد” من هذه السياسات الاستغلالية ضد المهاجرين والعمالة فحسب، بل إنه في الواقع “متواطئ بشكل صريح في ارتكاب نفس الأعمال الشنيعة والتربح منها”، حيث أن والدي كان يعمل في شركة يسيطر عليها محمد بن سلمان، عبر صندوق الاستثمارات العامة.
وكما خلصت مؤسسة حقوق الإنسان، فإن إساءة معاملة والدي وإساءة معاملة العمال الأجانب والمهاجرين الآخرين في السعودية المفصلة في تقريرها هي “جزء من نمط منهجي أكبر من الاستغلال والاتجار الذي يؤثر على جميع العمال من أي جنسية أو خلفية” في المملكة.
وقد أعلن محمد بن سلمان “رؤيته 2030” للاقتصاد السعودي لمرحلة ما بعد النفط ويسعى للحصول على مبالغ ضخمة من الاستثمار الأجنبي لمشاريعه المفضلة.
لكن هذه “الرؤية” تعتمد على الانتهاكات المتفشية ضد ملايين العمال الأجانب في السعودية، مثل والدي، الذي قضى 40 عامًا من حياته يكدح في المملكة، ثم وقع في شَرَك العمل القسري وابتزازه من قبل صاحب العمل قبل أن يتمكن من الخروج من البلاد.
وحتى بعد مرور ما يقرب من أربع سنوات، لم تنته معاناة عائلتي، لكنني لن أبقى صامتًا ولا أستطيع ذلك. لم أعد أستطيع تحمل رؤية والدي وعائلتي يعانون نفسيًا وعاطفيًا وماديًا. أعلم أننا لسنا وحدنا. لا أستطيع إلا أن أتخيل عدد الآخرين الذين ما زالوا يعانون من كوابيس العمل في السعودية.
ارسال التعليق