في ذكرى اعتقاله الثالثة.. إعادة الداعية العودة للتحقيق مجددا
التغيير
أعادت سلطات آل سعود، مجددا، الداعية الإسلامي البارز د. سلمان العودة، للتحقيق في مقراتها الأمنية؛ وذلك ضمن خطوات قمعية وتعسفية تنتهجها بحق معتقلي الرأي في سجونها التي تتفشى بداخلها فيروس كورونا وتفتقر للرعاية الطبية.
واستأنفت سلطات آل سعود، التحقيق مجددا مع العودة، بالتزامن مع ذكرى اعتقاله الثالثة (سبتمبر 2017- 2020)، دون تهم محددة.
وقال د. عبد الله العودة، في تغريدة عبر “تويتر”: “ثلاث سنوات كاملة .. في سجنه الانفرادي واعتقاله التعسفي على خلفية تغريدة دعي الله فيها لتأليف القلوب”.
وأضاف نجله: “عرضوه للأذى والضغط، وبدأوا محاكمة سرية مشبوهة.. ومنعوا كل العائلة من السفر وفتشوا البيت تعسفياً.. ثم نسمع خبر إعادته للتحقيق!”.
واتجهت أسرة العودة منذ يوليو الماضي إلى مقاضاة سلطات آل سعود محليا ودوليا، على خلفية الانتهاكات الحقوقية التي يتعرض لها منذ اعتقاله قبل نحو 3 أعوام.
وقال الأكاديمي عبدالله: “نحن بصدد جمع كل الانتهاكات التي مورست ضد الوالد سلمان العودة، ورصدها، والخروقات غير الإنسانية المتعلقة بحقوقه الأساسية منذ لحظة اعتقاله وقبلها، والأحداث التالية من تعذيب وضغط وإيذاء، وجمع كل المعلومات حول المتورطين بالانتهاكات ضده”.
وذكر عبد الله أن هذا الرصد والجمع “سواء كان هذا المتورط بالانتهاك من منسوبي الأجهزة الأمنية ومحققين تورطوا بخروقات وحرّاس ومنتسبين للأجهزة (العدلية)، وإعلاميين مشبوهين وسواهم”.
وقال إن هذا كله لأجل الرصد الحقوقي والقانوني والإعلامي محلياً ودولياً، والتجهيز في خطوة تالية للترافع واتخاذ التدابير القانونية ورفع الدعاوى محلياً ودولياً بإذن الله تعالى.
وسبق أن كشف نجل العودة، عن تفاصيل اعتقال أمن نظام آل سعود والده، ومراحل تعذيبه وتدهور حالته الصحية، وتغير القضاة عدة مرات في محاكمته، ورفض السلطات وجود أي من المؤسسات والمنظمات الحقوقية والدولية في جلسات المحاكمة.
وبدأت حكاية اعتقال العودة، في التاسع من سبتمبر/أيلول عام 2017، من داخل بيته في العاصمة الرياض، حسب إفادة الابن، في حلقة حملت عنوان “الشيخ” ضمن بودكاست “السعودية العظمى”، الذي تدعمه منظمة “العفو الدولية”.
وجاء بث الحلقة في 19 مايو/ أيار بعد 3 أيام من إذاعة مكالمة هاتفية للشيخ العودة (63 عاما) من داخل محبسه مع كل من والدته وابنته، وبدا فيه صوته متعباً.
وقال عبد الله العودة: إن والده العالم الشرعي والشخصية الفكرية المعروفة، سمع في السادسة مساء رنين الهاتف، فبادر ورفع السماعة ليفاجئه شخص يلقي عليه التحية ويسأل عنه، ثم سرد عليه قصة شخصية “يا شيخ أنا مرة كنت في مطعم كذا وذهبت إلى المسجد الفلاني”.
وهو أمر أثار استغراب الشيخ العودة، إذ ذكر المتصل تفاصيل المطعم الذي زاره العودة في ذات اليوم والمسجد الذي صلى فيه أيضاً، “ما يعني أن المتصل كان يراقبه طوال اليوم”.
وأشار عبد الله إلى أن المتصل كان يتعمد تأخير المكالمة وإشغال الشيخ سلمان بقدر ما يمكنه من وقت، وفي أثناء المكالمة، رن جرس المنزل، وبالتزامن قام صاحب المكالمة بإغلاق الهاتف، وكأن المتصل، بحسب ما يقول العودة الابن، أراد إشغال الأب لحين قدوم رجال الأمن.
وأضاف: “حين فُتح الباب، كانت هناك مجموعة كبيرة من الناس بلباس مدني، عرفوا أنفسهم على أنهم من جهاز أمن الدولة، وحينما سألهم الوالد عن القصة لم يخبروه، وحينما سألهم عن إثباتاتهم لم يبرزوها، وقاموا بتفتيش البيت رغم عدم وجود إذن عدلي أو قضائي”.
وروى الابن تفاصيل مؤثرة لرؤية الأطفال الصغار وهم يشاهدون والدهم يُعتقل – قبل أشهر بسيطة ماتت أمهم وشقيقهم في حادث ولا يريدون أن يفقدوا أباهم – ويسألونه إلى أين يا بابا فيلتفت وينظر لهم وهو عند الباب محاط بأمن الدولة، ويقول “قريب وراجع إن شاء الله لا تخافوا”.
وتابع عبد الله: “رجال أمن الدولة قالوا لأخي الآخر لا تقلق الموضوع كله ساعات أو فترة بسيطة وسيُحل ولا تخبر أحدا، حرفياً قالوا: تلك الكلمة التقليدية التي تقولها كل أنظمة الاعتقال الشمولية في العالم (شوية وراجع)، انقضى الوقت والصغار لا يغلقون باب البيت أبدا لعله يدخل فجأة كما كان يفعل من قبل”.
وبعد مضي خمسة أشهر من دون تواصل واتصال، بحسب ما يقول العودة، وسط تزايد الإشاعات والجو المخيف، تواصل شخص مجهول من مستشفى السجن مع عبد الله العودة وأخبره أنه رأى والده في المستشفى وهو في العناية المركزة بوضع صحي حرج، فقام الابن بنقل هذا التخوف للعالم وتسريب الخبر والمطالبة بالكشف عن مكانه.
وشرح طريقة معاملة والده في السجن: “علمنا لاحقاً بعد السماح بالزيارة أنه مر بظروف سيئة جداً، تقييد اليدين والرجلين داخل الزنزانة، تغميض العينين، حرمانه من الأكل والشرب أثناء التحقيق، والتحقيق معه لأيام متواصلة من دون نوم، لدرجة أن يتناوب عليه المحققون.
وأفاد: كانوا يقذفون له الأكل في أكياس وهو مقيد اليدين فيفتحها بفمه حتى تجرحت أسنانه، والأسوأ كانت طريقة نقله من مكان لآخر حينما يقذفون به في مؤخرة السيارة ويسرعون بها حتى يضرب السقف ثم يرتطم بالأرض، كل ذلك وهو الشيخ الستيني، حتى ارتفع ضغطه وتردت حالته، ما أوصله بالفعل للمستشفى”.
وفيما يتعلق بالتهم التي وُجهت لوالده أثناء التحقيق، قال عبد الله: “كان المحققون يسألون عن كتاباته وتغريداته ومشاركاته المرئية والمسموعة، لأنها هي التهم في نظرهم، لم يكن هناك أسرار ولا خفايا ولا أشياء غريبة ولا جديدة”.
وأكد العودة أن المحققين قالوا لوالده إن “حياده في الأزمة القطرية وعدم انخراطه فيها كان خيانة”.
وعاد الابن بذاكرته لتفاصيل المحاكمة التي تعرض لها والده، إذ يقول: “فصل أكثر رعبا بدأ بمحاكمة غامضة في ظروف سرية وبمحكمة اعتقل نصف قضاتها قبلها بفترة وجيزة”.
ووصف الجلسة، التي بدأت في يوم الرابع من سبتمبر/ أيلول عام 2018 باليوم الذي لا ينسى، إذ طالبت النيابة بقتل العودة تعزيراً بناء على 37 تهمة، حكى الابن لأول مرة بعض تفاصيلها.
فقال: إن “منها الإفساد في الأرض بتأليب المجتمع ودعوته للتغيير في الجزيرة العربية، والانضمام لاتحادات وجمعيات عالمية وتأليب الرأي العام وإثارة الفتنة، وتهم سخيفة أخرى مثل حيازة كتب محظورة واستقبال رسالة في الجوال مناهضة للتوجه الحكومي”.
وأوضح العودة أن من بين التهم أيضاً: “السخرية من منجزات الحكومة، ووصف حكومة آل سعود بالاستبداد، وتهمة أخرى هي وصف حكومة آل سعود بالاستئثار بالثروات”.
واتهم العودة في البودكاست “سعود المعجب” القاضي المتخصص في الأنكحة والزواجات، الذي قام العاهل السعودي بتعيينه نائباً عاماً في النيابة العامة الجديدة، رغم محدودية خبراته ومعرفته في القانون الجنائي، بالسماح للحكومة بالسيطرة عليه، وتسليم النيابة العامة لتصبح “أداة بيد الاستبداد”، بحسب ما يقول.
وخلال محاكمة الداعية سلمان العودة تغير القضاة عدة مرات، وفي كل الجلسات رفضت السلطات حضور أي طرف مستقل من المنظمات الدولية أو المؤسسات الحقوقية المستقلة، كما أكد عبد الله أن والده لا يزال في الحبس الانفرادي رغم أن حادثة اغتيال خاشقجي أدت بالحكومة إلى الارتباك في الإجراءات القضائية.
وتُعد هذه الشهادة، التي بثها عبد الله العودة، أول شهادة كاملة لحادثة اعتقال الشيخ سلمان العودة، وتحكي بالتفصيل وحشية أجهزة الأمن السعودي المشكلة حديثاً مثل جهاز أمن الدولة، وفساد إجراءات النيابة العامة وتدخل سلطات آل سعود في عمل القضاء في البلاد وسط حالة من انعدام الشفافية.
والشيخ سلمان، واحد من مئات العلماء والناشطين المعتقلين في سجون المملكة، وهو داعية إسلامي، وعالم دين، ومفكر سعودي، ومقدم برامج تلفزيونية، حاصل على ماجستير في السُّنة في موضوع “الغربة وأحكامها”.
كما حصل على درجة الدكتوراه في السُّنة في شرح بلوغ المرام /كتاب الطهارة)، كان من أبرز ما كان يطلق عليهم مشايخ الصحوة في الثمانينات والتسعينات، وله عشرات المؤلفات الدينية.
اعتقلته سلطات آل سعود لعدة سنوات قبل أن يتم الإفراج عنه والسماح له بإقامة المحاضرات الدعوية بعيداً عن السياسة.
وفي 15 مارس 2013، وجّه العودة خطابًا مفتوحًا لآل سعود وخصوصًا وزارة الداخلية، مطالبًا بأن يتم إطلاق سراح معتقلي الرأي، وامتصاص الغضب الشعبي المتعاظم فيما يتعلق بملف المعتقلين آنذاك.
ارسال التعليق