لقاءات كانت مقررة لسعوديين في تل أبيب قبل 7 أكتوبر
نشر موقع يديعوت أحرونوت العبري مقالاً للكاتب روتم سيلع، تناول فيه ما وصفه بملامح "سلام إقليمي تاريخي" كان على وشك أن يرى النور بين كيان الاحتلال الإسرائيلي والنظام السعودي، لولا ما جرى في السابع من أكتوبر وما تلاه من تحولات دراماتيكية قلبت المشهد رأساً على عقب. المقال، بقدر ما يسعى إلى تصوير "الشرق الأوسط الجديد" كحقيقة قيد التشكل، يكشف في الوقت نفسه هشاشة هذا المشروع وعمق التناقضات التي تحيط به، سواء من داخل "السعودية" أو من محيطها العربي والإسلامي.
منذ بداية امقال، يضع الكاتب القارئ أمام مشهدين متوازيين: الأول في غزة، حيث كان يحيى السنوار يحذّر من "إجراء استثنائي" لمنع أي مسار تطبيع قد يتجاوز القضية الفلسطينية؛ والثاني في "تل أبيب"، حيث كانت الاستعدادات تجري لعقد مؤتمر سري بمشاركة شخصيات سعودية رفيعة، بينهم مدير صندوق الثروة السيادية. هذا التوازي بين التحذير الفلسطيني والاحتفال الإسرائيلي – السعودي المرتقب، يكشف بوضوح عمق التباين بين ما تفرضه الوقائع على الأرض وبين ما تحاول بعض الأنظمة ترويجه خلف الأبواب المغلقة.
تؤكد الصحيفة أن عملية السابع من أكتوبر ألغت المؤتمر ومعه "أحلام السلام"، لكنها تعود لتقول إن الشرق الأوسط الجديد لم يمت، بل تحول من مؤتمرات براقة إلى "حالة حرب". هذه القراءة بحد ذاتها تكشف المفارقة: فالمشروع الذي يُفترض أنه يقوم على الاستقرار والتعاون الاقتصادي، يتحول عند أول اختبار إلى شراكة عسكرية غير معلنة، هدفها مواجهة خصوم مشتركين، من إيران إلى حزب الله و"أنصار الله" في اليمن.
المقال يسلط الضوء على أشكال متعددة من التعاون بين "السعودية" والكيان الإسرائيلي في الفترة الأخيرة وما سبقتها، من فتح الأجواء أمام الطيران الإسرائيلي إلى تنسيق أمني ضد الطائرات الإيرانية المسيّرة، مروراً بالدعم السعودي الصريح للتحالف المناهض لحكومة أنصار الله في اليمن. لكن هذه الأدوار، التي تُقدَّم باعتبارها "إنجازات استراتيجية"، لا تنفي حقيقة أن "السعودية" ما زالت حريصة على إبقاء جبهة علنية باردة مع "إسرائيل"، خشية من ردود الفعل الشعبية والإسلامية، ولإبقاء ورقة القضية الفلسطينية حاضرة في خطابها الخارجي.
الكاتب ينقل عن مجلة "ذا أتلانتيك" أن محمد بن سلمان كان قد أقرّ لوزير الخارجية الأمريكي حينها بأن "القضية الفلسطينية لا تهمه شخصياً". غير أن هذا التصريح الذي جرى تسريبه يتناقض جذرياً مع الصورة التي يحاول النظام السعودي تسويقها كمدافع رئيسي عن الفلسطينيين، من خلال مبادرات دبلوماسية هنا أو تصريحات إعلامية هناك. التناقض، في جوهره، ليس إلا محاولة للجمع بين مسارين متعارضين: مسار علني يتحدث عن "الدعم والالتزام" بالقضية الفلسطينية، ومسار سري يمضي قدماً في بناء شراكة استراتيجية مع إسرائيل، حتى وإن كان الثمن هو إضعاف هذه القضية نفسها.
في هذا السياق، تبدو الإشارات التي أوردها سيلع عن تعاون سعودي – إسرائيلي في ملفات لبنان واليمن ذات دلالات تأكيدية على الأدوار السعودية الواسعة في المنطقة في خدمة مصالح الإحتلال. فحين يشترط السعوديون دعم إعادة إعمار لبنان بنزع سلاح المقاومة اللبنانية، فإنهم عملياً يتبنون الخطاب الإسرائيلي ذاته. وحين يُصوَّر التنسيق الأمني في اليمن باعتباره جزءاً من "حلم الشرق الأوسط الجديد"، فإن النتيجة الفعلية هي تحويل المنطقة إلى ساحة حرب مفتوحة تُدار بتحالفات غير معلنة، بعيداً عن إرادة شعوبها
المقال يختم بعبارة لافتة: هذا التعاون سيُحقق "كابوس السنوار". بمعنى أن ما كان يُراد له أن يكون مؤتمراً اقتصادياً وسياسياً احتفالياً، أصبح الآن رهينة التحالفات الأمنية والعسكرية. لكن القراءة الأعمق لهذا الطرح تكشف أن "الكابوس" ليس للفلسطينيين وحدهم، بل لكل من يرى أن التطبيع مع "إسرائيل" يتجاوز الحقوق والقضايا العادلة، ويُعاد إنتاجه اليوم في سياق حرب بدلاً من "سلام". مزعوم
ما تكشفه هذه السطور هو أن مشروع التطبيع السعودي – الإسرائيلي لم يكن قائماً على قاعدة صلبة من القبول الشعبي أو الشرعية السياسية، بل كان يراوح بين السرية والحذر. وما جرى في السابع من أكتوبر لم يلغ هذا المسار بقدر ما فضح طبيعته: تحالف أمني وعسكري غير معلن، يسعى إلى فرض نفسه كأمر واقع، فيما يظل خطاب "الدفاع عن فلسطين" مجرد ورقة لتسكين الرأي العام.
ارسال التعليق