
منظمات حقوقية تدعو لإنهاء نظام الكفالة السعودي
أصدرت ست منظمات حقوقية تقريرًا مشتركًا سلّطت فيه الضوء على قضية المغترب الهندي أحمد عبد المجيد، الذي تعرّض لانتهاكات جسيمة على يد مجموعة "سيرا" السعودية، بعد أربعة عقود من العمل المتواصل في البلاد. وأكدت المنظمات أن ما تعرض له عبد المجيد يمثل نموذجًا صارخًا لاستغلال نظام الكفالة، الذي يحرم العمال الأجانب من أبسط حقوقهم ويجعلهم عرضة للابتزاز والإذلال.
وأدانت المنظمات ما وصفته بـ"الاستعباد المقنّع" الذي تعرّض له عبد المجيد، حيث أجبر على العمل دون أجر، وصودرت وثائقه الرسمية، وحرم من حقه في العودة إلى وطنه في الوقت المناسب. وطالبت بفتح تحقيق عاجل ومحايد في قضيته، وضمان حصوله على مستحقاته كاملة مع التعويض المناسب عن الضرر النفسي والمالي الذي لحق به.
وقالت المنظمات إن عبد المجيد، الذي وصل إلى شبه الجزيرة العربية عام 1981، قضى أربعين عامًا يعمل مديرًا أول للمبيعات في وكالة "الطيار للسفر"، وهي شركة بارزة في مجال السياحة والسفر. وأضافت أن حياته المهنية انهارت فجأة بعد حملة الاعتقالات الشهيرة عام 2017، حين احتجزت السلطات عشرات رجال الأعمال البارزين، بمن فيهم مؤسس الشركة، في فندق الريتز-كارلتون بالرياض. وأشارت إلى أن تلك الحملة أفضت إلى إعادة هيكلة الشركة ووضعها تحت سيطرة مباشرة لصندوق الاستثمارات العامة، ليعاد تسميتها "مجموعة سيرا" عام 2019.
ونوّه التقرير إلى أن هذه التحولات لم تكن مجرد تغييرات إدارية، بل فتحت الباب أمام انتهاكات واسعة لحقوق الموظفين، من بينهم عبد المجيد، الذي وجد نفسه ضحية مباشرة لهذا المسار.
وأوضحت المنظمات أن معاناة عبد المجيد بدأت في مارس 2020، في ذروة جائحة كوفيد-19، حين أنهت إدارة "سيرا" عمله من دون أي مبرر. وأكدت أن الرجل، الذي كان يواجه وضعًا عائليًا صعبًا بسبب مرض زوجته في الهند، طلب السماح له بمغادرة البلاد، لكن طلبه قوبل بالرفض. وذكرت أن الشركة صادرت جواز سفره، ما جعله عالقًا لعدة أشهر في البلاد في ظل ظروف إنسانية قاسية.
وأشارت المنظمات إلى أن الشركة لم تكتف بحرمانه من حقه في السفر، بل أجبرته أيضًا على الاستمرار بالعمل من دون راتب، مكلفًا بمهام لا علاقة لها بعمله الأصلي، من بينها تحصيل الرسوم المتأخرة من العملاء. ثم صعّدت لاحقًا من ابتزازها، إذ أجبرته على دفع ديون عملاء وصلت إلى 100 ألف دولار أمريكي، ما اضطره إلى بيع عقارات وأصول أخرى في الهند لتغطية هذه المبالغ.
وأدانت المنظمات هذا الابتزاز المالي، مؤكدة أنه يشكل خرقًا واضحًا للقوانين السعودية نفسها، فضلًا عن مخالفته للمعايير الدولية للعمل. وقالت إن الشركة لم تتحمل حتى تكلفة تذكرة سفره حين سمح له أخيرًا بالمغادرة، بل اضطر إلى شرائها بنفسه، ليعود إلى بلاده مثقلاً بالديون والانكسار النفسي.
وأضاف التقرير أن عبد المجيد يقيم اليوم في الولايات المتحدة مع ابنه، بعد أن فقد كل ما بناه خلال أربعين عامًا من الخدمة. وأشارت المنظمات إلى أن الرجل لم يحصل حتى اللحظة على أي تعويض أو اعتراف من الشركة أو من السلطات السعودية أو حتى من الحكومة الهندية، رغم مناشداته المستمرة.
كما نوّهت المنظمات إلى أن قضية عبد المجيد ليست حادثة فردية، بل تعكس إخفاقات عميقة في بنية نظام العمل السعودي. وقالت إن نظام الكفالة يمنح صاحب العمل سلطة شبه مطلقة على العامل، بما يشمل إصدار أو إلغاء التأشيرات، تجديد الإقامة، ومنحه أو منعه من حق السفر. وأكدت أن هذا النظام يمثل بيئة خصبة للاستغلال، حيث يسهّل ممارسة أشكال متعددة من العنف الاقتصادي والاجتماعي ضد العمال المهاجرين.
وأشارت إلى أن السلطات السعودية أعلنت في 2021 عن "مبادرة إصلاح العمل"، التي تسمح نظريًا للعمال بتغيير وظائفهم أو مغادرة البلاد من دون إذن صاحب العمل، لكنها رأت أن هذه الإصلاحات محدودة للغاية ولا تكفي لإنهاء معاناة العمال، إذ لم توضح السلطات آليات التطبيق، فيما بقيت معظم ممارسات الكفالة قائمة حتى اليوم.
المنظمات لفتت إلى أن قضية عبد المجيد لاقت صدى خارج "السعودية"، حيث وجّه سبعة أعضاء في الكونغرس الأمريكي رسالة إلى وزير الخارجية أنتوني بلينكن في أغسطس 2024، دعوا فيها إلى الضغط على دول مجلس التعاون الخليجي لمعالجة الانتهاكات الممنهجة المرتبطة بنظام الكفالة. وأكدت الرسالة أن ما جرى مع عبد المجيد يمثّل انتهاكًا صارخًا للمعايير الدولية، وأن استمرار هذه السياسات يسيء إلى سمعة "السعودية" أمام المجتمع الدولي.
وفي ختام التقرير، جدّدت المنظمات الموقّعة دعوتها إلى "السلطات السعودية" لتشكيل لجنة تحقيق محايدة في قضية عبد المجيد، وضمان حصوله على جميع مستحقاته المالية والتعويض عن الأضرار التي لحقت به، والعمل على تفكيك نظام الكفالة بشكل كامل، بما في ذلك إلغاء شرط تصريح الخروج. كما طالبت بمواءمة القوانين المحلية مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يكفل حرية التنقل، وضمان التزام الشركات الخاضعة لصندوق الاستثمارات العامة باحترام حقوق العمال وحمايتهم من الاستغلال.
المنظمات الموقّعة: القسط لحقوق الإنسان، الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، منظمة إيكويديم، المنظمة الأوروبية السعوديّة لحقوق الإنسان، فير سكوير ومركز الخليج لحقوق الإنسان.
ارسال التعليق