حوادث وكوارث
نيويورك تايمز : سلمان اصيب بجلطة وفقد السيطرة على احدى يديه
استقبلت الرياض الرئيس الاميركي باراك اوباما بكامل رجالات السلطة فيها. إظهار مشهد تلاحم العائلة الحاكمة ضرورة خلال استقبال الحليف الاميركي بعد ايام على رحيل الملك عبدالله بن عبد العزيز وطرح التساؤلات عما ستكون عليه طبيعة العلاقات السعودية ـــ الاميركية. وخلال الساعات الأربع التي أمضاها أوباما ووفده الكبير بضيافة الملك الجديد سلمان بن عبد العزيز، اشتملت المحادثات على ما هو أكثر من واجب العزاء: النفط، ايران، سوريا، العراق، اليمن، ومكافحة الارهاب. وهي القمة الاولى بين اوباما والملك السعودي الجديد، ولهذا تتعدّى أهميتها فكرة توطيد التعارف عن كثب، لتطال مجمل الملفات الاقليمية التي تتداخل فيها المصالح والنفوذ الأميركي ـــ السعودي. وقد ظهر الثقل الذي تمثله الزيارة بالنسبة الى كل من الرياض وواشنطن، في طبيعة الوفد الاميركي المرافق لاوباما والذي ضم كبار المسؤولين الامنيين والعسكريين والسياسيين، من الادارة الحالية والادارات السابقة، وظهر ايضاً في حضور مختلف الامراء من الاسرة المالكة في المطار، وفي التغطية الاعلامية المكثفة والمباشرة لمحطات التلفزة السعودية لما قبل وصول الضيف الاميركي وساعات زيارته القصيرة. ولم يحظ أي مسؤول عربي أو غربي ممن زاروا الرياض في الايام الماضية، بالحفاوة التي أحيطت بها زيارة اوباما وزوجته بعدما اختصرا زيارتهما الى الهند للمجيء الى العاصمة السعودية في هذه اللحظة الحساسة من تاريخ المملكة: وفاة ملك معتدّ بسعوديته وبدور بلاده إقليمياً وسار بها على خيط رفيع فوق المحطات الشائكة في العلاقة مع الاميركيين؛ وبداية عهد ملكي جديد تتسم رجالاته عموماً بحسن تقاربها مع واشنطن؛ وتزايد التساؤلات حول قدرة الحكم السعودي على مواجهة التحديات الداخلية المتكاثرة، والاقليمية المتزايدة تشابكاً. ولهذا، فان زيارة اوباما تأتي في سياق التطمين للمملكة على دورها، وان غياب عبدالله لن يؤثر سلباً على العهد الجديد ورسوخ العلاقة مع «السديريين» العائدين بقوة الى مفاصل الحكم بعدما بدا خلال سنوات عبدالله، أن دورهم يتراجع نسبياً.والتطمين أيضاً على مكانة المملكة التي يتضخم دورها لعوامل كثيرة، من بينها بالتأكيد غياب ـــ او ضعف ـــ الدول المؤهلة للعب الدور القيادي كمصر وسوريا والعراق. وبهذا المعنى، فإن هذا الدعم الأميركي يأتي تعزيزاً لدور المملكة العربي وبالتالي الإقليمي، خصوصاً اذا ما اعتبرت دولة المواجهة الاساسية لتنظيمات الاسلام السياسي التي وصلت الى بابها، الى جانب تهديدها لأمنها من الداخل. وهي، أي السعودية، مؤهلة لان تدعم الدول العربية الاخرى المهددة بهذا الخطر وعلى رأسها مصر. الا ان الجانب الآخر من هذا التطمين الاميركي، مرتبط اساساً بايران. فالسعودية ستكون اكثر ارتياحا وهي تستمع من ضيفها الاميركي الى ان الاتفاق النووي المحتمل مع طهران، لن يكون بوابة لتعزيز دور ايران في المنطقة وعلى حساب المملكة، كما يجري على سبيل المثال في اليمن، حيث لم تخفِ الرياض قلقها من احتمال قيام دولة «حليفة» لطهران، تسيطر على باب المندب وإمدادات النفط باتجاه قناة السويس. وكان الملك سلمان استقبل الرئيس الأميركي لدى نزوله من الطائرة برفقة زوجته ميشيل، في أرفع استقبال حظي به أيّ من عشرات رؤساء الدول، ووفود المعزّين الذين تقاطروا إلى الرياض منذ أيام، كما حضر عدد كبير من الأمراء والوزراء إلى أرض المطار لاستقبال أوباما الذي زار السعودية للمرة الأخيرة في آذار العام 2014، والتقى الملك السعودي الراحل عبد الله، على وقع المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني آنذاك، وتصاعد الخطر الاقليمي لـ «داعش». وشارك في الاستقبال ولي العهد مقرن بن عبد العزيز، وولي ولي العهد محمد بن نايف الذي يشغل أيضاً منصب وزير الداخلية، ورئيس الاستخبارات العامة الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز، ووزير الحرس الوطني الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز، ونائب وزير الخارجية الأمير عبدالعزيز بن عبدالله بن عبدالعزيز، ووزير الدفاع رئيس الديوان الملكي المستشار الخاص للملك الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، وكبار المسؤولين السعوديين السياسيين والعسكريين والأمنيين، في ظل تدابير أمنية غير مسبوقة، حيث انتشرت مئات المركبات الأمنية، بما في ذلك المركبات المصفحة وسيارات الشرطة وأجهزة الاستشعار على طول الطريق بين مطار الرياض ووسط المدينة، حيث توجه الوفدان إلى قصر الملك سلمان في عرقه عند مشارف العاصمة، وبالتحديد في منطقة وادي حنيفة، وعقدا جلسة محادثات، انتهت بمغادرة أوباما عائداً إلى واشنطن. وعقب الزيارة، أشار مسؤول أميركي كبير إلى أن سلمان وأوباما ناقشا «استقرار سوق النفط»، وأن الملك السعودي «عبر أثناء محادثاتهما عن رسالة مفادها استمرارية سياسة الطاقة السعودية»، لافتاً إلى أن المناقشات لم تشمل «أسعار النفط الحالية»، مؤكداً أن سلمان أشار إلى أن السعودية «ستواصل لعب دورها في إطار سوق الطاقة العالمية، وأنه ينبغي ألا يتوقع أحد تغييراً في موقف بلاده». وأصدر الديوان الملكي بياناً أشار فيه إلى أن سلمان وأوباما بحثا «العلاقات الثنائية بين البلدين والاستمرار في تعزيزها وتطويرها في كافة المجالات بما يدعم المصالح المشتركة للبلدين وشعبيهما». وأضاف البيان أنه «تم خلال المباحثات استعراض عدد من المواضيع الاقتصادية والاقليمية والدولية بما في ذلك أهمية حل النزاع العربي الإسرائيلي استناداً إلى القرارات الدولية ذات الصلة ومبادرة السلام العربية». ورافق أوباما وفد رفيع من الحكومة والحزبين الجمهوري والديموقراطي، ضم وزير الخارجية جون كيري وعضو مجلس الشيوخ الجمهوري جون ماكين ومدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جون برينان، وقائد القيادة الأميركية الوسطى الجنرال لويد أوستن، وهو المسؤول المباشر عن العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الأميركية ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، وتشارك فيها السعودية بشكل رئيس. وضم الوفد الأميركي 29 شخصية بينهم مسؤولون من عهد الرئيسين السابقين جورج بوش وجورج بوش الأب، مثل وزيري الخارجية السابقين جيمس بايكر وكوندليسا رايس، ومستشار الأمن القومي للرئيسين جيرالد فورد وبوش الأب وبرنت سكوكروفت. وبحسب محللين، فإن زيارة الرئيس الأميركي تأتي في سياق تثبيت الحلف الاستراتيجي مع الرياض، في ظل التقارب بين واشنطن وإيران، التي تعدها السعودية خصماً تقليدياً لها، في وقت تزداد احتمالات التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران. وفي هذا السياق أكد مسؤول أميركي، أن أوباما وسلمان «بحثا قضايا اليمن وايران»، مؤكداً أن الأخير «لم يعبر عن تحفظات بشأن المحادثات النووية الأميركية مع ايران، لكنه قال إنه لا ينبغي السماح لطهران بإنتاج أسلحة نووية». وذكر عدد من الخبراء أن الملك السعودي الجديد، لن يحيد عن تكريس حلف بلاده مع واشنطن، لا بل إنه يتطلع إلى «مزيد من الالتزام» الأميركي في أزمات المنطقة، التي تنغمس فيها الرياض، من سوريا حتى اليمن، بأوجه متعددة. وتتخطى زيارة الرئيس الأميركي مسألة تقديم العزاء، وتتعداها إلى سعي الأخير لتكريس خطوط حلفه مع الرياض، حيث أكد نائب مستشار الأمن القومي للبيت الابيض بن رودس، أن الزيارة «تشكل فرصة للتشاور في بعض المسائل التي نعمل عليها مع السعوديين»، مشيراً بشكل خاص إلى «الحرب على تنظيم داعش، واليمن، والمفاوضات النووية مع إيران، والعلاقات السعودية الأميركية عموماً». وأضاف رودس: «أعتقد أنه من الواضح جداً بالنسبة إلينا أن الملك سلمان قد أعطى إشارات واضحة عن الاستمرارية في المصالح السعودية وفي العلاقات السعودية الأميركية»، مؤكداً ثقة بلاده في أن «السياسة السعودية ستظل مطابقة لما كانت عليه في عهد الملك عبد الله». وعبرت واشنطن، الأسبوع الماضي، عن «قلقها» من التقدم الذي حققه الحوثيون في اليمن، وهو ما عبرت عنه الرياض أيضاً، التي تسعى إلى تكريس نفوذها الإقليمي في بلدان المنطقة، خصوصاً بعد بروز الدور السعودي في كل من سوريا والعراق، ومشاركة الرياض في «التحالف الدولي» الذي تزعم الولايات المتحدة «مواجهة» تنظيم «داعش» من خلاله. وفي هذا السياق، اعتبر الخبير في العلاقات الأميركية السعودية في «معهد سياسة الشرق الأدنى» سايمون هندرسون أنه «بغض النظر عما سيجيء في بيان ختامي للزيارة، فإن المواضيع المرجحة للنقاش هي سوريا وإيران والدولة الإسلامية وأسعار النفط». وذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن الوفد الأميركي الرفيع والذي تمّ جمعه على عجل، خلال اليومين الأخيرين، يظهر مدى الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لعلاقاتها بالسعودية، ليس فقط من أجل إمداداتها الوفيرة بالنفط، بل في سبيل تعزيز دورها «القيادي» في المنطقة، والدعم الذي تقدمه على مستوى الاستخبارات وجهود «مكافحة الإرهاب». ولفتت الصحيفة إلى أنه بالإضافة إلى تقديم واجب العزاء للملك الجديد، فإن أحد أهداف الزيارة بالنسبة إلى الرئيس الأميركي وفريقه، هي التعرف إلى سلمان، وتقييم وضعه الصحي، مشيرة إلى أن الملك الذي يبلغ من العمر 79 عاماً، تعرّض على الأقل لجلطة دماغية واحدة، وخسر القدرة على تحريك إحدى يديه. ويولي المسؤولون الأميركيون، بحسب مصادر للصحيفة، اهتماماً كبيراً بتعيين محمد بن نايف ولياً لولي العهد، ورأت أن مسؤولين أميركيين عديدين تحمّسوا لتعيينه في هذا المنصب، لما يعتبرونه دلالة مهمة على الجيل المقبل الحاكم في السعودية، بسبب تاريخه الطويل في العمل مع الولايات المتحدة، في مسائل «مكافحة الإرهاب»، مشيرة إلى أنه كان قد التقى الرئيس الأميركي مرتين. ولفتت «نيويورك تايمز» إلى أنه وللتماشي مع هذا الأمر، فإن «فريق عزاء» أوباما تضمّن مسؤولين حاليين وسابقين عملوا مع محمد بن نايف، ويُعَدّون بمثابة زملائه في قضايا «الإرهاب»، ومن ضمنهم برينان، ومستشارة أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب ليزا موناكو، ومستشار الأمن القومي الأسبق لدى الرئيس السابق بيل كلينتون، صاموئيل بيرغير، وفرانسيس فراغوس توينسند، الذي شغل المنصب نفسه في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش الابن. ونقلت الصحيفة أيضاً، عن السيناتور الجمهوري جون ماكين، ما يُعدّ خلاصة مجمل دلالات هذه الزيارة، حيث أكد أن «السعودية بدأت تبرز بوصفها حصناً كبيراً في وجه التمدّد الإيراني»، مشيراً إلى أن «إيران سعت إلى مدّ نفوذها في البحرين والعراق ولبنان وسوريا واليمن. ليس هناك من شك في أن الإيرانيين يتحرّكون». (أ ف ب، أ ب، رويترز، «سي ان ان»، «نيويورك تايمز»)
ارسال التعليق