حدث وتحليل
تفكيك الستار ... مسيرة تركي آل الشيخ
[ادارة الموقع]
مقدمة استقصائية
هذا التقرير ليس مجرد نقد، بل هو تشريح لجزء مظلم من المشهد العام، حيث تتضافر التبعية المطلقة مع إهدار المال العام تحت غطاء الترفيه.
سنكشف كيف تحول المستشار تركي آل الشيخ، من مجرد أداة، إلى رمز للإسراف والمساءلة المفقودة، وكيف تم توجيه ثروات الشعب لخدمة أجندات تتعارض مع المصلحة العامة.
إن الحديث عن مسيرته المهنية الأخيرة هو حديث عن تحول بنيوي في كيفية إنفاق الأموال الوطنية على الأجندات الشخصية والسياسية الخارجية تحت مسمى "الترفيه".
الرمزية التي يمثلها هذا الشخص، والمتمثلة في الدمية المُحرّكة التي تخدم سيده بلا نقاش، هي المدخل لكشف حجم التبعية التي أدت إلى هذا الإسراف غير المسبوق.
إن غياب الشفافية المطلق حول ميزانيات المشاريع التي يُشرف عليها يفتح الباب واسعاً للشكوك حول طبيعة هذه النفقات وهل هي فعلاً لخدمة المواطن أم لأهداف أخرى خفية.
حجم الإنفاق الضخم الذي شهده قطاع الترفيه في السنوات الأخيرة يتجاوز كل المقاييس المعقولة للتنمية الثقافية، ليصبح دليلاً صارخاً على تضخم الصلاحيات وغياب الرقابة المالية.
الفصل الأول: التبعية المطلقة وخدمة القوة الناعمة (أداة ولي العهد)
إن فهم مسيرة تركي آل الشيخ يتطلب الاعتراف بأنه يعمل في إطار من التبعية الصارمة التي تمنعه من ممارسة أي نوع من الاستقلالية في اتخاذ القرار، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالملفات الحساسة أو الاستراتيجية.
هذه التبعية هي الشرط الأساسي لتمكينه من الوصول إلى الموارد الضخمة التي يديرها.
1. الخنوع كمنهج عمل
تأتي تصريحات آل الشيخ المتكررة لترسخ هذه الفكرة، حيث يعلن بوضوح أن بوصلته الوحيدة هي إرضاء القيادة العليا.
عندما يصرح قائلًا: "يهمني إرضاء الله ومن ثم قيادتي حفظها الله"، فإن هذا التصريح يتجاوز حدود الولاء الوطني المشروع ليصبح إعلاناً بأن القرارات تُتخذ بناءً على إرضاء شخصي للسلطة، وليس بناءً على دراسات جدوى أو مصلحة وطنية محضة.
هذا النموذج من القيادة يرتكز على "الولاء الشخصي المطلق" بدلًا من "المسؤولية المؤسسية."
هذا المنهج يفسر كيف تم إعطاؤه الصلاحيات الواسعة لإدارة ملفات حساسة مثل الرياضة، والترفيه، والثقافة، دون وجود آليات رقابة فعالة.
في هذا الإطار، تصبح الرياضة والفن أدوات لتنفيذ التوجيهات العليا، بدلًا من كونها قطاعات قائمة بذاتها تخدم المجتمع بشكل مستقل.
عندما تكون الولاءات شخصية، تصبح الموارد الوطنية أدوات لتحقيق رضا الممول الرئيسي، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى صرف النظر عن الأهداف التنموية الحقيقية.
التداعيات المؤسسية للتبعية
المؤشر الوصف النتيجة المتوقعة
غياب الاستقلالية اتخاذ القرارات بناءً على تفضيلات شخصية للقيادة تجاهل الخبرات والمقاييس الاقتصادية السليمة
الرقابة المفقودة إلغاء الهياكل الرقابية التقليدية لصالح سلطة مركزية واحدة تضخم الميزانيات وغياب الشفافية في التعاقدات
الاستخدام المزدوج استخدام الملفات الوطنية )كالترفيه( توجيه الموارد نحو أهداف آنية بدلًا من الاستدامة
لخدمة أهداف سياسية خارجية )القوة الناعمة(
2. الترفيه كـ"إلهاء مُفسد"
يتم اتهام المشاريع الضخمة التي يقودها آل الشيخ، وأبرزها "موسم الرياض" و"موسم جدة"، بأن هدفها الأساسي هو "إلهاء الشباب ونشر الفساد والانحلال" تحت غطاء الترفيه الحديث.
هذا الاتهام ينبع من طبيعة الفعاليات التي غالباً ما تتعارض مع القيم المجتمعية المحافظة، ويتم تبريرها بأنها جزء من رؤية "القوة الناعمة" (Soft Power) .
الترفيه هنا ليس تنمية ثقافية، بل هو تكتيك لإشغال الرأي العام عن القضايا الاقتصادية والاجتماعية الأشد إلحاحاً.
إن التمويل الهائل المخصص لهذه الفعاليات يخدم أجندة استراتيجية تقوم على تخدير المجتمع ببريق المصروفات الخارجية والأخطر من ذلك، أن هذا الغطاء الترفيهي يخدم كواجهة لـ "الاستثمارات" التي تُضخ فيها المليارات، والتي غالباً ما تكون عقودها غير شفافة وتُمنح لشركات ذات علاقات مباشرة بالنظام، مما يخدم أجندة القوة الناعمة العليا التي تتطلب إنفاقاً غير محدود.
تحليل ميزانية الترفيه مقابل التنمية
إذا افترضنا أن الميزانية السنوية لفعاليات هيئة الترفيه تتجاوز بسهولة عشرات المليارات (في بعض التقديرات تتجاوز 40 مليار ريال سنوياً)، مقارنة بميزانية قطاعات حيوية أخرى، فإن المعادلة تصبح واضحة: الأولوية هي للإلهاء وليس للتنمية الحقيقية.
النموذج الرياضي للإلهاء: الإنفاق على الترفيه ≫ الإنفاق على البنية التحتية الأساسية.
هذا التفاوت يمثل تحويلًا متعمداً للموارد بعيداً عن الاحتياجات الأساسية للمواطن نحو مشاريع ذات عائد اجتماعي قصير الأجل ومحفز للتبعية.
لو أن الأموال التي تُنفق سنوياً على فعاليات الترفيه — وهي نحو خمسة وثلاثين مليار ريال — وُجهت بدل ذلك لدعم برامج تدريب مهني متقدّم،
وكانت تكلفة تدريب الشخص الواحد نحو مئة ألف ريال،
فإن هذا المبلغ يكفي لتأهيل حوالي ثلاثمئة وخمسين ألف شاب وشابة في تخصصات عالية المستوى تخدم مستقبل البلد مباشرة.
ما يُهدر في حفلات ومهرجانات عابرة كان يمكن أن يصنع جيلاً كاملاً من الكفاءات المنتجة، لكن سوء الإدارة حول المال إلى وسيلة للتلميع السياسي لا لبناء الإنسان.
إن هذا التخصيص الهائل لقطاع غير منتج (من الناحية الاقتصادية المباشرة) هو دليل على سوء إدارة مالية يخدم أهدافاً سياسية وشخصية بحتة.
الفصل الثاني: إهدار المال العام - 700 مليون ريال تحت المجهر
الحديث عن "الترفيه" في سياق مسيرة آل الشيخ يفتح مباشرة ملف الإنفاق غير المبرر والعبث بالثروات الوطنية التي كان يمكن توجيهها لخدمة المواطن السعودي بشكل مباشر.
الإسراف هنا لا يقتصر على الكم بل يتعداه إلى النوعية والهدر في مشاريع لا تحقق عائدات مستدامة.
1. نـزالات الملاكمة: فاتورة لا تُنسى
أحد الأمثلة الأكثر وضوحاً على الإسراف المُدان هو الاستثمار في استضافة وتنظيم نـزالات الملاكمة العالمية الكبرى (مثل نـزالات الوزن الثقيل في الرياض).
التقارير التي تسربت أو صرح بها بعض المطلعين تشير إلى أن 700 مليون ريال "إهدار للمال العام" على ثلاث نـزالات ملاكمة فقط هو رقم صادم وغير مسبوق في عالم الرياضات القتالية.
هذا المبلغ، البالغ قيمته حوالي 186 مليون دولار أمريكي وفق سعر صرف تقريبي (بافتراض 1 دولار = 3.75 ريال سعودي)، يمثل كارثة مالية إذا ما قورن بالاستفادة الملموسة التي عادت على المجتمع من هذه النزالات.
إذا استخدمنا هذا المبلغ كمعيار لتقييم الإهدار، يمكننا إجراء مقارنة بسيطة لتوضيح الحجم:
تحليل القيمة البديلة لـ 700 مليون ريال
إذا افترضنا أن تكلفة بناء وحدة سكنية مدعومة للمواطن متوسط الدخل لا تتجاوز 350 ألف ريال (وهو تقدير قد يكون متحفظاً، يشمل الأرض والبناء الأساسي):
لو أن المبلغ الذي صُرف على نِزالات الملاكمة، وهو سبعمئة مليون ريال، استُخدم بدلًا من ذلك في بناء مساكن للمواطنين؛
وكان متوسط تكلفة بناء المسكن الواحد يقارب ثلاثمئة وخمسين ألف ريال،
لأمكن توفير مساكن لحوالي ألفَي أسرة سعودية من ذوي الدخل المتوسط.
الخلاصة:
أي أن المبلغ الذي أُهدر في فعاليات الترفيه كان يكفي لإسكان ألفَي أسرة كاملة، بدل أن يُنفق في عرضٍ عابر وينتهي أثره في يوم واحد.
إن تقديم الرياضة كـ"منتج" يتم شراؤه بأسعار خيالية هو جوهر الإسراف المُدان.
هذا الإنفاق لا يمثل استثماراً وطنياً ذا قيمة مضافة حقيقية للمواطن السعودي، بل هو تحويل مباشر لأموال الشعب إلى جيوب منظمي الأحداث والاتحادات الرياضية الدولية، تحت ستار "جلب الأحداث الكبرى" وتجميل الصورة الخارجية.
حتى لو احتسبنا أن 50% من هذا المبلغ (350 مليون ريال) يذهب لتغطية تكاليف الضيوف والتسويق العالمي، يتبقى 350 مليون ريال كفائض إنفاق يُعتقد أنه ذهب لرسوم تنظيمية مبالغ فيها (Sanctioning Fees) أو عمولات غير مبررة.
2. التكاليف الخفية للمعارض والمنشآت المؤقتة
بالإضافة إلى تكاليف استضافة النجوم والمنافسات (وهي تكاليف ضخمة بحد ذاتها)، هناك تضخيم هائل في تكلفة البنية التحتية المؤقتة للفعاليات.
يتم إنشاء مسارح، وميادين، ومنشآت ضخمة مصممة خصيصاً لفعالية تستمر شهراً أو شهرين، ثم تُهدم أو تُترك لتتآكل دون استغلال مستقبلي يبرر الإنفاق الرأسمالي عليها.
تحليل التكاليف الوهمية والتضخيم
في المشاريع التنموية العادية، تكون تكلفة الإنشاء والإزالة جزءاً متناسباً وصغيراً من الميزانية الإجمالية.
في فعاليات هيئة الترفيه، يبدو أن هناك تعمداً واضحاً لـ:
المبالغة في قيمة المقاولات (Cost Inflation):منح عقود إنشاء وإزالة مؤقتة بأسعار تفوق القيمة السوقية بنسبة من 200% إلى 500% بسبب غياب المناقصات الشفافة، على سبيل المثال، إنشاء مسرح يتطلب مواد خفيفة يمكن تفكيكها قد يكلف مليون ريال في الظروف العادية، لكن عقود موسم الرياض تضخمها لتصل إلى خمسة ملايين ريال.الإنفاق على الرفاهية والبروتوكول:تخصيص ميزانيات غير مبررة لاستضافة الضيوف والوفود، تتجاوز أي معيار دولي متعارف عليه لفعاليات مماثلة.
هذا النوع من الإنفاق يمثل فساداً بنيوياً لأنه يمثل تحويلًا منظماً ومقصوداً للأموال من خزينة الدولة إلى حسابات خاصة تحت ستار "الإبهار" و"التنظيم العالمي".
إن نموذج "البناء ثم الهدم" هو نموذج اقتصادي مُدمر يُستخدم لغرض وحيد هو ضخ السيولة في شرايين المقاولين المرتبطين.
الفصل الثالث: الوجه الآخر في مصر — الإقصاء والإسفاف الفني
لم تقتصر ممارسات تركي آل الشيخ على الداخل السعودي، بل امتدت إلى الساحة الفنية والثقافية في الخارج، خاصة في مصر، حيث كانت تجربته مثار جدل واسع وتحقيقات حول طريقة إدارته للملفات الثقافية والرياضية عبر مشاريع ضخمة مثل "الجونة" أو دعمه المباشر لكيانات رياضية.
1. خلافات الفنانين والسياسة
خلال فترة نشاطه المكثف في مصر، كانت الانتقادات توجه إليه باستمرار من فنانين ومثقفين مصريين بارزين "بغطرسته" في الملفات الثقافية والرياضية.
لقد حاول فرض رؤية معينة للترفيه والفن، متجاوزاً الأطر المؤسسية المصرية القائمة، مما أدى إلى احتكاكات وصراعات مباشرة مع كيانات مثل اتحاد الكرة المصري ونقابة المهن التمثيلية.
هذا السلوك يعكس نظرة استعمارية جديدة للمشهد الثقافي لدولة عريقة، مفترضاً أن المال يمنح الحق في فرض الأجندات الثقافية والسياسية الخاصة.
الاستثمارات الضخمة لم تُترجم إلى شراكة محترمة، بل إلى تبعية غير مقبولة للمؤسسات الفنية المحلية. عندما يتم الدفع بسخاء للفنانين أو الاتحادات، فإن الهدف ليس الدعم، بل إخضاعهم للرؤية التوجيهية للممول الأوحد.
2. موسم الرياض والإقصاء المتعمد
أحد أبرز المؤشرات على أن قرارات "موسم الرياض" سياسية أكثر منها فنية هو استبعاد المواهب المصرية الأصيلة لصالح نجوم آخرين من دول مختلفة، أو حتى فنانين أقل تأثيراً محلياً ولكن أكثر توافقاً مع الرؤية الجديدة للسلطة الداعمة.
هذا الإقصاء يمثل قراراً سياسياً متخفياً في ثوب الترفيه، متجاهلاً القيمة الفنية والتاريخية للساحة المصرية الأصيلة.
عندما يتم اختيار المشاركين بناءً على الولاء السياسي (سواء للسعودية أو للأجندة الداعمة)، فإن هذا يمثل تسييساً كاملاً لقطاع الترفيه، وتوجيهاً غير عادل للموارد المالية الهائلة التي يتم ضخها.
لنفترض أن موسم الرياض دفع 500 مليون ريال في تعاقدات فنية متنوعة.
إذا كان 60% من هذا المبلغ (300 مليون ريال) قد وُجه لنجوم خارج مصر لخدمة أهداف دبلوماسية/ناعمة، بينما تم تهميش النجوم المصريين الرئيسيين، فهذا دليل على أن القرار تجاري-سياسي وليس فني بحت.
3. اتهام "الإسفاف" والمحتوى المبتذل
ترافق الإنفاق الضخم مع انتقادات لاذعة لبعض المنتجات والفعاليات التي روج لها أو مولها بشكل مباشر.
هذه الانتقادات تركزت حول وصف محتوى بعض الحفلات أو العروض بأنه "إسفاف" يخدش الذوق العام ويتعارض مع القيم الاجتماعية المحافظة، حتى في سياق الترفيه الحديث.
عندما يُنفق الملايين من المال العام على محتوى يُصنف مجتمعياً بأنه ساقط أو مبتذل، فإن هذا يمثل إهداراً مزدوجاً: إهدار للمال وإهدار للقيم الاجتماعية والأخلاقية.
دعم "الإسفاف" بهذه الأموال الضخمة يمثل استهدافاً مباشراً للنسيج الثقافي والاجتماعي تحت مظلة "الحداثة القسرية" التي لا تحترم السياق المحلي.
معادلة الإسفاف المالي:
يحدث الفساد المضاعف حين يُنفق المال العام بسخاء على ترفيهٍ فارغٍ أو محتوىٍ هابط.
فكلما زاد الإنفاق، وكان ما يُقدَّم قليل الفائدة أو فاقد القيمة الأخلاقية، أصبحت الخسارة على الوطن أكبر.
تخيّل أن تُصرف عشرات المليارات على فعاليات لا ترفع من وعي الناس ولا تبني ذوقاً راقياً، بل تُغذّي التفاهة والانحلال؛ عندئذٍ تكون النتيجة هدرًا مزدوجًا:
هدرًا في المال، وهدرًا في الأخلاق.
الخلاصة:
عندما يجتمع الإسراف في الإنفاق مع الإسفاف في المحتوى، يتولّد فساد مضاعف… مالٌ يُهدر، وذوقٌ يُفسد، ومجتمعٌ يفقد قيمه.
بالختام
هذه المسيرة ليست سوى سجل لممارسات تتراوح بين التبعية المذلة للمصالح العليا، وبين العبث بالثروات الوطنية، وإثارة الجدل العام بقصد أو بدون قصد.
لقد تم تحويل مؤسسات ضخمة (مثل هيئة الترفيه) إلى أدوات لتنفيذ أجندات شخصية وسياسية، بينما كانت الحاجة ماسة إلى ترشيد الإنفاق في مجالات التعليم والصحة وتنمية المواطن بشكل مستدام.
إن الركيزة الأساسية التي سمحت بوجود هذه الإمبراطورية المؤقتة هي الخضوع المطلق الذي يضمن استمرار تدفق الأموال بلا مساءلة حقيقية.
ملف الفساد والإنفاق المُبذر مفتوح ويستحق المتابعة الحاسمة من قبل أي جهة رقابية قادرة على فك الارتباط بين "الترفيه" الموجه سياسياً و"التبعية" المهينة للممول الرئيسي.
يجب أن تخضع جميع العقود والميزانيات التفصيلية لفعاليات الموسم لمراجعة دقيقة وشفافة، خاصة العقود التي تجاوزت الملايين في استضافة النجوم أو إنشاء الهياكل المؤقتة، لفك طلاسم التبعية التي أدت إلى هذا الإهدار غير المسبوق.
إن السؤال يبقى: إلى متى سيستمر هذا العبث المالي تحت ستار الترفيه؟
الكاتب:حركة الحرية والتغيير
ارسال التعليق