فلسطين وآل سعود
انطلاق وشيك لتقارب سعودي-يهودي قبل موعد الانتخابات الإسرائيلية
تصاعدت التكهنات حول احتمال انطلاق تقارب سعودي-إسرائيلي ملموس قبل موعد الانتخابات الإسرائيلية المقبلة، في خطوة قد تعيد رسم خريطة التحالفات الإقليمية وتفتح فصلاً جديداً من العلاقات بين الرياض وتل أبيب.
وعلى الرغم من التحفظات الرسمية والصمت الدبلوماسي المتبادل، تبدو العوامل الجيوسياسية والاقتصادية متراصة لدفع مسار تدريجي نحو تقارب عملي — وإن لم يكن فورياً ومتكاملاً — يعتمد على مصلحة الرياض الاقتصادية والأمنية والإقليمية.
في العمق، يقف خلف هذا الزخم تراكم من المصالح: رغبة سعودية في تأمين ضامن دولي لأمنها الإقليمي، وحاجة متبادلة إلى تعاون اقتصادي وتقني في مجالات الطاقة والذكاء الاصطناعي والاستثمار والبنى التحتية، إضافة إلى القلق المشترك بشأن طموحات إيران الإقليمية والنووية.
كما أن رؤية سعودية طموحاً للاقتصاد والتنمية تلزم الرياض بتوسيع شبكة شركائها الدولية بغية جذب استثمارات وانتعاش سياحي وتجاري يفوق ما توفره القنوات التقليدية.
من الناحية العملية، قد يتخذ “التقارب قبل التطبيع الكامل” أشكالاً متعددة: خطوات سياسية رمزية، اتصالات أمنية متزايدة، توقيع اتفاقات اقتصادية واستثمارية، وتعاون استخباراتي أكبر في مواجهة التهديدات المشتركة.
ومثل هذه الخطوات تسمح لطرفيّين بتثبيت تعاون وظيفي دون الدخول فوراً في عملية اعتراف رسمي كاملة أو توقيع اتفاقية شاملة قد تواجه اعتراضات داخلية في كلا البلدين.
لكن الطريق لن يخلو من عقبات جذرية. القضايا الفلسطينية تظل حجر العثرة الأكثر حسماً. أي تقارب سعودي يُنظر إليه محلياً وعربياً سيُقارن فوراً بمدى التقدّم في الملف الفلسطيني — إقامة دولة مستقلة على حدود 1967 وحقوق اللاجئين ووضع القدس.
الرياض تعي ذلك، وتكرر رسمياً أن حلّ الدولتين هو شرط مركزي لاستدامة أي اتفاق تطبيع واسع. إذن فإن المناورة السعودية ستسعى لتحقيق توازن دقيق: إظهار مسؤولية إقليمية واستجابة لحاجات الأمن والاقتصاد، من دون التخلي عن الموقف الفلسطيني الذي يمثل ركيزة شرعية أساسية داخل العالم العربي والإسلامي.
خلاف ذلك، يواجه أي تقارب احتمال تفجّر غضب شعبي عربي واسع ونقد داخلي سعودي قد ينعكس سياسياً على القيادة. وفي إسرائيل، ثمة أيضاً حسابات انتخابية دقيقة: الحكومة الحالية تضم قوى يمينية معارضة لشروط معينة في أي اتفاق، كما أن أي خطوة للتطبيع يجب أن تأخذ بعين الاعتبار المناخ السياسي الحساس قبل الانتخابات وبعدها.
بالتالي فإن الخيار الأكثر واقعية يبدو أن يتيح للجانبين تحقيق مكاسب عملية دون إعلان علاقات دبلوماسية كاملة في لحظة حرجة.
جهة أخرى قد تؤثر هي الولايات المتحدة؛ دورها في تأمين ضمانات أمنية للسعودية أو تقديم محفزات دبلوماسية واقتصادية قد يسهّل الموافقة السعودية على خطوات محددة.
كما قد يلعب الوسطاء الإقليميون والدول الخليجية دور صانع توازن أو مسهّل، إذ إن التوافق الخليجي ــ خصوصاً بين السعودية والإمارات وقطر ومصر ــ سيشكل عاملاً مؤثراً في تقبل أي خطوة سعودية كبيرة.
الانعكاسات الاقتصادية للنقاش عن تقارب محتمل واسعة: فرص استثمارات ضخمة، شراكات تقنية، وتدفقات سياحية وتجارية قد تعيد رسم قطاعات استراتيجية مثل الطاقة المتجددة، السياحة، البنية التحتية والمالية.
بالنسبة لإسرائيل، فتح سوق سعودي يقدّم مزايا اقتصادية وسياسية هائلة، بينما للسعودية فرصة الحصول على أسواق وتمويل وتقنيات تسرّع من تحولها الاقتصادي.
لكن هذه الفوائد لا تلغي المخاطر السياسية والأمنية: بداية من ردود فعل الشارع العربي، مروراً بتحوّلات التحالفات الإقليمية، وصولاً إلى مخاطر أمنية قد تنجم عن تغّير توازنات الردع.
المشهد الإقليمي يتغير بسرعة: نتائج الحرب الأخيرة في غزة، الضغوط على إيران، وإعادة ترتيب أولويات القوى الإقليمية كل ذلك يساهم في خلق دينامية جديدة ربما تُسرّع محركات التقارب.
بيد أن الزمن السياسي لا يمشي دائماً بنفس إيقاع المصالح: الانتخابات الإسرائيلية، حساسية الرأي العام السعودي، ومتطلبات ضمان حقوق الفلسطينيين ستفرض شروطاً وترددات على عملية التقارب.
خلاصة المشهد أن ما يُطرح اليوم ليس صفقة مفروضة ولا تصديقاً فورياً على اتفاق تاريخي، بل عملية تراكمية من الخطوات الموزونة والمشروطة.
تقارب تدريجي ذي أبعاد سياسية واقتصادية يبدو ممكناً قبل الانتخابات الإسرائيلية، لكن نجاحه سيتوقف على قدرة القيادة السعودية والإسرائيلية والأطراف الفاعلة الإقليمية والدولية على إدارة التوازن بين المصالح العملية والالتزامات السياسية والشرعية.
في حال نجحت هذه المعادلة، فقد يدخل الشرق الأوسط مرحلة جديدة من الشراكات؛ وفي حال فشلت، فالتداعيات قد تعيد إلى الواجهة صراعات ومخاضات لم يسهل احتواؤها.
ارسال التعليق