جرائم وانتهاكات
إعدام الشمري يكشف الكثير من الغموض في السعودية
منذ مطلع عام 2025، عاد مشهد الإعدامات ذات طابع سياسي إلى الواجهة في السعودية بوتيرة متسارعة، مع تنفيذ 26 حكمًا بالإعدام حتى منتصف أغسطس، بينها 21 حالة لا تتضمن أي تهمة قتل عمد.
هذه الأرقام التي أعلنتها وزارة الداخلية السعودية تكشف عن اتجاه واضح: استخدام أحكام القتل كأداة سياسية وأمنية لإسكات الأصوات، وتوسيع تعريف “الخيانة” لتشمل معارضين ونشطاء وحتى موظفين سابقين في مؤسسات الدولة.
من بين أبرز القضايا، إعدام عبد الله بن هاجس بن غازي الشمري في 27 فبراير 2024، ضمن عملية إعدام جماعي طالت سبعة معتقلين. البيان الرسمي اكتفى بالحديث عن “أفعال تُجرّم بوصفها خيانة للوطن” و”تهديدًا لأمنه واستقراره”، دون تقديم تفاصيل دقيقة.
لاحقًا، تبيّن أن الشمري كان خبيرًا في العلاقات الدبلوماسية ومستشارًا في وزارة الإعلام والثقافة، وظهر في وسائل إعلام رسمية محللًا للشأن التركي. كما كان نشطًا على وسائل التواصل الاجتماعي.
هذه الخلفية تجعل من الصعب تصور انطباق تهم مثل “تسليم المدن” أو “تسهيل دخول العدو” الواردة في المادة 3 من قانون محاكمة الوزراء على حالته، ما يثير شكوكًا حول الطابع السياسي للمحاكمة.
تضع القوانين السعودية تعريفات واسعة وفضفاضة لـ”الخيانة العظمى”. فالمادة 3 من القانون تدرج أفعالًا تبدأ من إفشاء أسرار الدولة حتى “إثارة الفتن وإلقاء الذعر بمختلف الوسائل”. مثل هذه الصياغات تجعل أي نشاط أو خطاب عام عرضة للتأويل، وتحوله بسهولة إلى تهمة تستوجب الإعدام.
غياب الشفافية يضاعف الغموض؛ إذ تُنفذ الإعدامات غالبًا بشكل جماعي، مع خلط القضايا والتهم، ما يعقّد إمكانية تتبع الوقائع الفردية أو التحقق من صحة الأدلة. العائلات تعيش تحت ترهيب ممنهج يمنعها من الحديث أو الاعتراض، ما يترك الرأي العام مع بيانات رسمية مقتضبة بلا تفاصيل.
قضية الشمري ليست معزولة. في يونيو 2025، أُعدم الصحفي تركي الجاسر بعد اتهامه بالخيانة العظمى والتخابر، دون الكشف عن الأدلة. المعلومات المتاحة تشير إلى أنه اعتُقل بعد كشف هويته كصاحب حساب مجهول على منصة “إكس” (تويتر سابقًا).
وفي يوليو 2023، واجه محمد بن ناصر الغامدي حكمًا بالإعدام بتهم شملت “خيانة الدين والوطن” و”الإساءة لولاة الأمر” عبر تغريدات لم يتجاوز عدد متابعيها عشرة أشخاص، وقناة يوتيوب شبه مهملة.
وبعد ضغوط علنية على الحكومة السعودية، تم تغيير الحكم، ما يعزز فرضية أن القرارات القضائية تخضع للاعتبارات السياسية أكثر من الأدلة القانونية.
وبحسب المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، فإن قضية الشمري تكشف مستوى عالٍ من التعتيم الرسمي، وتوحي بوجود قضايا أخرى مشابهة لم يُعلن عنها.
وترى المنظمة أن العديد من أحكام الإعدام التي نُفذت في قضايا “خيانة” أو “تخابر” تتعلق فعليًا بحرية التعبير أو نشاطات لا ترقى إلى أشد الجرائم خطورة.
هذا النمط يعكس العلاقة المعقدة بين أركان النظام السعودي وأفراده؛ فحتى من خدم في مؤسساته الرسمية قد يتحول إلى متهم بالخيانة إذا اختلف مع الخط السياسي السائد أو أبدى مواقف مستقلة.
الطريقة التي تُدار بها هذه القضايا تشير إلى أن الإعدام يُستخدم كأداة ردع جماعي أكثر من كونه عقوبة قضائية. فتنفيذ الأحكام بشكل جماعي، مع ربطها بقضايا “إرهاب” أو “تخابر”، يخلق صورة رادعة تهدف إلى إسكات أي معارضة محتملة، سواء داخل المؤسسات أو في الفضاء الرقمي.
في الوقت نفسه، تسعى السلطات إلى إظهار أن هذه الإعدامات تدخل ضمن “حماية الأمن القومي”، وهو خطاب يُستخدم لتبرير تغييب الشفافية والرقابة المستقلة، سواء من الإعلام أو المنظمات الحقوقية.
وتثير قضية الشمري أسئلة حول التزام السعودية بالمعايير الدولية، خاصة أن القانون الدولي يحصر تطبيق عقوبة الإعدام في “أشد الجرائم خطورة” أي تلك التي تنطوي على قتل عمد. في المقابل، تشير المعطيات إلى أن غالبية القضايا المنفذة هذا العام لا علاقة لها بالقتل، بل بجرائم رأي أو اتهامات سياسية.
كما تلقي القضية الضوء على المخاطر التي يواجهها معتقلون بارزون مثل الشيخ سلمان العودة، الذي يواجه تهمًا ذات طابع سياسي مرتبطة بمواقفه من أزمات إقليمية سابقة.
ويبرز إعدام عبد الله الشمري، إلى جانب قضايا أخرى مثل الجاسر والغامدي، أن القضاء في السعودية يتحرك في مساحة يهيمن عليها القرار السياسي. في ظل القوانين الفضفاضة وغياب الشفافية، يمكن لأي صوت مستقل أن يتحول إلى متهم بالخيانة.
وهكذا، يتحول الإعدام من عقوبة جنائية إلى أداة سياسية لتصفية الخصوم وفرض الصمت، فيما يبقى الرأي العام عاجزًا عن الوصول إلى الحقائق الكاملة.
ارسال التعليق