الاخبار
السعودية في أسبوع: بين تبييض الدم بالترفيه وابتلاع الوعي تحت الكاميرات / 18 – 24 أكتوبر 2025
في هذا الأسبوع لم تكن المملكة تنام على هدير الإعدامات ولا تصحو إلا على ضجيج الفعاليات الباهرة التي يراد منها غسل الذاكرة الشعبية بطلاء الأضواء.
خلف مسرحيات “الازدهار” و"الانفتاح"، تتراكم وقائع دامية تشهد أنّ السلطة هناك ليست في طور الإصلاح، بل في طورٍ متقن من إعادة الخداع بثوبٍ جديد.
1. لبنان والذراع غير المرئي.
في بيروت، المخابرات تتحسس ظلّ الرياض فوق أوراقها الرسمية.
السفير وليد بخاري يطلّ بابتسامة دبلوماسية محمّلة بطلبٍ لا يقال علنًا: إعادة ضابطٍ تابعٍ لما تسميه “أمن الدولة اللبناني”، كأنّ الدولة اللبنانية نفسها باتت ملحقًا إداريًا لدى السلك السعودي.
النعومة في الزيارة لم تُخفِ حقيقة التدخل: ضغط خافت يعيد النفوذ من خلف الأبواب.
2. ستة آلاف عين فوق الشرقية.
الدمام والخبر والقطيف صار تحت رقابة كاملة.
آلاف الكاميرات الذكية تحصي الخطوات، تُراقب المشاة كأنهم متّهمون مؤجّلون.
المشروع يُسوّق باسم “التحضر”، ولكن التحضر الحقيقي هو أن تُراقب السلطة لا الناس.
الكاميرات الإلكترونية التي زرعتها وزارة الداخلية لا تُحسن الأمن، بل تُحسن الخوف.
3. الرقم 300 في سجل الدم.
من عبد الله الدرازي إلى جلال اللباد، الإعدامات تمضي بوتيرة ثابتة كأنها جدول إنتاج.
الدرازي، الذي كان قاصراً وقت احتجازه، صار رقمًا رمزيًا لعارٍ يتكرر.
تقارير المنظمات الحقوقية تضع الواقعة في خانة الجريمة الدولية، لكن الرياض تُجيب بالصمت، والصمت هناك أسلوب حكم لا ضعف بالحجج والقانون.
4. الترفيه كقناع.
منتديات “الفرح” و"الجوّي" ليست إلا محاولة لغسل السمعة (Joy Forum 2025) مثل حفلاتٍ صاخبة على أرضٍ مخضّبة بالصمت.
بينما تُعرض ألعاب الواقع الافتراضي، هناك أجساد حقيقية تُدفن بلا محاكمة.
ما يُراد تمريره هو الانطباع لا الحقيقة: “نحن سعداء”، “نحن متحضرون”، بينما الواقع يقول “أنتم خائفون”.
5. المال في نفق الخسارة.
صندوق الاستثمارات العامة يضخّ أكثر من مئتي مليون دولار إضافية في شركة “ماجيك ليب” التي تتعثر منذ سنوات.
قرارٌ لا تحملُه الحكمة المالية بل الغرور السياسي، مغالطة الكلفة الغارقة تتكرر بذات العمى المالي.
ما يُستثمر هناك ليس في المستقبل، بل في الوهم بأنّ المملكة تمتلكه.
6. لعنة الكفالة بلا نهاية.
قضية العامل السوري محمد القديمي تفتح صفحة سوداء عن معاناة الوافدين في النظام الكفالي.
اقتحام منزل، احتجاز الأسرة، ثم ترحيل بلا تفسير.
النفي هنا ليس إلى خارج الأرض بل إلى خارج الإنسانية.
كلّ إصلاحٍ يُعلن يبقى خطابةً فارغة ما دام إنسانٌ واحد يُعامل كملكٍ خاصّ لصاحب العمل.
7. التطبيع كدهاء متدرج.
تسريبات عن تقارب سعودي–إسرائيلي تُمهّد لما بعد الانتخابات الإسرائيلية.
يُقال “وفق حلّ الدولتين”، لكن خلف الكواليس يُدار الأمر بمنطق “الاقتصاد قبل الكرامة”.
كلماتٌ منمقة تخفي واقعًا من تبادل المصالح الباردة حيث الفلسطيني يصبح بندًا تفاوضيًا لا قضيةً مقدسة.
8. سموتريتش يضحك والرياض تصمت.
وزير الاحتلال يسخر علنًا من فكرة السلام، والرد السعودي الرسمي لا يتجاوز بيانات الشجب اللغوية.
الخطاب العربي التقليدي يُستبدل تدريجيًا بسياسة “السكوت من أجلالتطبيع المفروض من ترامب”.
ما كان يُعدّ خيانة بالأمس صار “تحركًا استراتيجيًا”.
هذا هو التحول الحقيقي: تبدّل الأخلاق لا تبدّل المواقف.
9. لعبة التوازن الدبلوماسي.
تسعى الرياض لأن تُقدّم نفسها كوسيط سلام في ملف غزة تحت رعاية ترامب، لكنها محكومة بمحددات أمريكية تجعلها عبداً لا صانعًا.
كلّ مرة تحاول أن ترفع صوتها، تُذكّرها واشنطن بحجمها في المعادلة.
التوازن هنا ليس بين الحق والباطل، بل بين وهم القيادة ومحدودية الدور.
10. الداخل المنسي: العدالة الصورية.
هيئة الرقابة تذكر أنها ضبطت 17 قضية فساد.
أرقام يلمع بها الإعلام الرسمي وكأنها ثورة على الفساد، بينما النظام نفسه هو مصدره الأعلى.
حين تكون الأنظمة هي المراقِب والمراقَبة في آنٍ واحد، فالنتيجة إعلانٌ وهمي أخلاقي بلا إصلاح فعلي.
11. فتوى الدم الجديدة.
تعيين صالح الفوزان مفتياً عاماً يبعث رسالة للاتجاه العقائدي المقبل.
فتاواه القديمة تبيح قتل المعارضين باسم “الخروج”، وها هو اليوم يُعاد ليكون وجه الشرعية الدينية.
يصمت من يتحدثون عن الانفتاح، لأنّ الفتوى الجديدة تعيدُ الدين إلى زنزانةٍ قديمةٍ بلا نافذة.
12. الوهم السكني.
الرواية الرسمية عن طفرة الإسكان لا تصمد أمام حقيقة الإقصاء الاجتماعي.
البيوت تُبنى، نعم، لكن تُمنح لفئةٍ واحدة وتُعرض للحشود عبر صور دعائية.
في النهاية المواطن البسيط يشاهد الحلم على الشاشة ولا يسكنه في الواقع.
الخلاصة:
أسبوعٌ آخر يمرّ، والدم يختلط بالإعلانات، والحرمان يُجمّل بكاميرات الذكاء الصناعي.
الرياض تتحرك بسرعة نحو صيغة الدولة‑المعرض: تُعرَض فيها الأشياء كدليل على التقدّم بينما يتآكل الداخل برتابةٍ محسوبة.
الإعدامات لا تتوقف، والتسلية لا تنتهي، والعجز عن قول الحقيقة يُسمّى “الالتزام الوطني”.
وفي وسط هذا الضجيج، يظل السؤال معلقًا بين الضوء والدم:
هل يستطيع بلدٌ أن يصنع مستقبله إذا كان يدفنه كل يوم؟
ارسال التعليق