جرائم وانتهاكات
غضب واتهامات للسعودية بسبب دفن عاملة دون علم عائلتها
أثار خبر دفن عاملة كينية في “السعودية" دون موافقة عائلتها موجة غضب في كينيا، حيث طالبت الأسرة والناشطون السلطات الكينية والسعودية بتوضيحات عاجلة حول ما وصفوه بانتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
العاملة، وتدعى كاثرين نياويرا، قضت 15 عاماً في السعودية بحثاً عن لقمة العيش. ووفقاً لما نشرته صحيفة The Standard، توفيت في الأول من أغسطس/آب الماضي بعد معاناة مع المرض، لكن عائلتها فوجئت بعد أسبوعين فقط باتصال يفيد بدفنها في السعودية، رغم تلقيهم في البداية وعوداً بإمكانية إعادة جثمانها مقابل 3500 دولار تقريبا.
عائلة نياويرا أكدت أنها كانت قد بدأت بجمع المبلغ المطلوب لإعادة الجثمان إلى البلاد، لكنها فوجئت بقرار السلطات السعودية دفنها بشكل مفاجئ. وقال والدها، داميانو نياجا: "أُعطينا مهلة 25 يوماً لتأمين المبلغ، لكن الجثمان دُفن قبل انقضاء المدة. لماذا لم نحصل على حقنا في وداع ابنتنا؟"
أما والدتها فأعربت عن ألمها قائلة: "كيف يمكنني أن أقبل موت ابنتي وأنا لم أر جثمانها؟ إن هذا يحرمنا حتى من الوداع الأخير".
القصة حملت بعداً إنسانياً أشد وقعاً حين تحدثت ابنة نياويرا البالغة من العمر 19 عاماً، والتي قالت إن والدتها كانت مصدر الدعم الوحيد لها ولشقيقتها، وإنها كانت تنتظر بفارغ الصبر عودتها بعد غياب دام 15 عاماً: "كنا نحلم برؤيتها مجدداً، لكننا تلقينا خبر دفنها بعيداً عنا".
قبل وفاتها بأسابيع، عانت نياويرا من تدهور صحي واضح. وبحسب شهادات مقربة، كانت قد دخلت في غيبوبة استمرت أسبوعين في يوليو/تموز، ثم استعادت وعيها وبدأت إجراءات تجهيز وثائق السفر للعودة إلى كينيا لتلقي العلاج ولمّ الشمل مع أسرتها. إلا أن حالتها ساءت فجأة، وأُعلن عن وفاتها لدى وصولها إلى المستشفى.
هذه التفاصيل زادت من مرارة الفقدان، إذ رأت العائلة أن ابنتها كانت على وشك العودة فعلاً، لكن القدر سبقها، ليضاعف قرار دفنها المفاجئ وغير المبرر ولا القانوني في "السعودية" من حجم المعاناة.
بحسب تصريحات ابن عم الضحية الكينية، سام، الذي تابع القضية مع وزارة الخارجية الكينية، فإن نياويرا ليست الحالة الأولى. وأقرت الوزارة بوجود ست حالات أخرى لمواطنين كينيين دُفنوا في شبه الجزيرة العربية دون موافقة ذويهم. هذا ما أثار تساؤلات حول غياب التنسيق الدبلوماسي وعدم احترام إرادة العائلات.
سام حذّر من خطورة الظاهرة قائلاً: "إذا كان من الممكن دفن الكينيين في الخارج دون علم عائلاتهم أو تدخل سفاراتهم، فإن القضية تتجاوز مأساة عائلة واحدة لتصبح قضية وطنية تتعلق بكرامة مواطنينا".
الحادثة أعادت فتح ملف أوضاع العمال المهاجرين في "السعودية"، حيث تتكرر الشكاوى بشأن ظروف العمل القاسية وغياب الضمانات القانونية، إضافة إلى حالات وفاة ودفن تجري في ظروف غامضة. ناشطون أشاروا إلى أن ما جرى مع نياويرا يعكس سياسة تتجاهل البعد الإنساني، وتتعامل مع العمالة الأجنبي
بوصفها مجرد أرقام بلا حقوق.
بالنسبة للجانب الكيني، تبرز الحادثة الحاجة إلى مراجعة الاتفاقيات مع "السعودية" وغيرها من دول الخليج، وضمان حماية حقوق العمال، خصوصاً في ما يتعلق بكرامتهم بعد الوفاة وإعادة جثامينهم إلى أوطانهم وفق رغبة أسرهم.
بين الغضب الشعبي والحزن العائلي، تبقى القصة شاهداً على مأساة إنسانية أوسع. فوفاة نياويرا لم تكن مجرد حدث شخصي، بل قضية تكشف عن معاناة آلاف العمال المهاجرين الذين يسافرون إلى السعودية بحثاً عن فرص عمل، ليجدوا أنفسهم في مواجهة ظروف قاسية، أو تنتهي حياتهم بعيداً عن ديارهم في غياب أدنى أشكال الكرامة الإنسانية.
القضية، كما تقول عائلتها، ليست فقط عن حقهم في استعادة جثمان ابنتهم، بل عن حق كل عامل مهاجر في أن يُعامل بإنسانية حتى في لحظة وفاته.
رغم محاولات السعودية تلميع صورتها عبر مشاريعها الاقتصادية والرياضية، فإن ممارساتها تجاه العمال المهاجرين تكشف واقعاً مغايراً. فشكاوى سوء المعاملة، وتأخر الرواتب، والعمل القسري، وحرمان الأسر من وداع أحبائها، كلها وقائع موثقة. قضية نياويرا ليست استثناء، بل حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الانتهاكات التي تطال الفئات الأكثر هشاشة.
ارسال التعليق