مزدوجو الجنسية يلجأون إلى أساليب مبتكرة لمواجهة قمع آل سعود
تُظهر قضية المواطن البريطاني السوداني أحمد الدوش، الذي أعلن مؤخرا عزمه الإضراب عن الطعام احتجاجًا على اعتقاله، نمطًا متزايدًا من المقاومة التي يمارسها المعتقلون العرب مزدوجو الجنسية في "السعودية". ففي ظل نظام قضائي يفتقر إلى الشفافية، يصبح الإضراب عن الطعام واستخدام الجنسية الأجنبية وسيلة للضغط على السلطات، وخط دفاع أخير لإجبار الحكومات الغربية على التدخل. هذه الأساليب التي يجد فيها البعض بصيص أمل، تكشف في المقابل عن واقع مرير يعيشه آلاف المعتقلين العرب والسعوديين الذين لا يملكون جنسية مزدوجة أو صلات خارجية، والذين يواجهون ذات القمع لكن في صمت مطبق.
يعكس قرار أحمد الدوش، المواطن البريطاني البالغ من العمر 42 عامًا، الإضراب عن الطعام، حالة من اليأس من آليات العدالة التقليدية. فقد أُلقي القبض على الدوش في أغسطس الماضي أثناء زيارة عائلية للسعودية، وحُكم عليه بالسجن لمدة ثماني سنوات بتهم الإرهاب بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي. ووفقًا لمنظمة العفو الدولية ومحاميه، فإن محاكمته اتسمت بالسرية، ولم يُسمح له بتوكيل محامٍ مستقل أو الاطلاع على وثائق المحكمة. هذا الغموض المحيط بقضيته، إلى جانب ظروف احتجازه القاسية التي شملت الحبس الانفرادي لفترة طويلة وتقييد التواصل مع عائلته، دفعه إلى إعلان هذا الإضراب كشكل من أشكال المقاومة.
يأمل الدوش من خلال هذا الإضراب في تسليط الضوء على محنته وإجبار الحكومة البريطانية على التحرك. وفي الوقت الذي يُصدر فيه نشطاء حقوق الإنسان بيانات إدانة قوية، متهمين السلطات البريطانية بالتقاعس، يُبرز هذا التكتيك مدى اعتماد المعتقلين مزدوجي الجنسية على جنسيتهم الثانية. إنطلاقا من إدراكهم أن قضيتهم، خلافًا لقضية المواطن السعودي أو العربي -من مصري أو أردني على وجه الخصوص- الذي لا يحمل جنسية أخرى، قد تثير ضجة إعلامية وتدفع بلد جنسيتهم الأجنبية لممارسة ضغوط دبلوماسية.
قضية الدوش ليست الأولى من نوعها، بل هي جزء من نمط أوسع. فمنذ سنوات، لجأ معتقلون مزدوجو الجنسية أو أولئك الذين يحظون بتغطية إعلامية إلى أساليب مبتكرة لكسر جدار الصمت الذي يحيط بالسجون السعودية:
الإضرابات عن الطعام المتكررة: تُعد إضرابات عن الطعام وسيلة احتجاج شائعة، حيث وثقت منظمات حقوقية مثل "القسط" و"منظمة العفو الدولية" حالات لمعتقلين بارزين. على سبيل المثال، لجأ الناشط والمحامي وليد أبو الخير، الذي يحمل الجنسية الأمريكية، إلى الإضراب عن الطعام عدة مرات احتجاجًا على سوء المعاملة وظروف الحبس الانفرادي القاسية. ورغم أن هذا التكتيك لم يمنع الانتهاكات، إلا أنه نجح في إبقاء قضيته حية في وسائل الإعلام الدولية، ووضع الحكومة الأمريكية تحت ضغط مستمر للتدخل.
تسريب المعلومات عبر العائلة والمحامين: يُعد التواصل مع العائلة والمحامين وسيلة حيوية لتسريب المعلومات عن الانتهاكات داخل السجون. وفي حالات المعتقلين مزدوجي الجنسية، تصبح هذه المعلومات أداة قوية. فزوجات وأقارب هؤلاء المعتقلين، مثل إنصاف حيدر زوجة المدون رائف بدوي، يلعبون دورًا محوريًا في مناشدة الرأي العام العالمي ووسائل الإعلام، مما يُسهم في إحراج السلطات.
التواصل مع الحكومات الأجنبية: يعتمد هؤلاء المعتقلون بشكل كبير على التواصل مع سفارات بلدانهم الأجنبية. وفي بعض الحالات، نجحت هذه الضغوط الدبلوماسية في تحقيق نتائج. على سبيل المثال، أُفرج عن بعض المعتقلين السعوديين الذين يحملون جنسيات أمريكية أو أوروبية، بعد جهود دبلوماسية مكثفة من قبل حكومات بلادهم. ورغم أن هذه الجهود قد لا تؤدي إلى إطلاق سراح فوري، إلا أنها تُشكل مصدر قوة لهؤلاء المعتقلين.
لكن في المقابل، تُلقي هذه القصص الضوء على واقع مؤلم ومأساوي للمئات، بل الآلاف من المعتقلين العرب والسعوديين الذين لا يملكون جنسية مزدوجة. هؤلاء المعتقلون، الذين يواجهون نفس التهم وأحكام السجن الطويلة، لا يملكون ترف الإضراب عن الطعام أملًا في لفت انتباه سفارة أجنبية. قصصهم غالبًا ما تبقى محجوبة خلف جدران السجون، وعائلاتهم تخشى الحديث خوفًا من الانتقام.
لا يمكن إغفال التباين الصارخ بين قضية أحمد الدوش، التي تحظى بتغطية إعلامية دولية واسعة وتدعمها منظمات حقوقية عالمية، وبين محنة معتقلين آخرين، من الذين قضوا سنوات طويلة في السجن دون أن تتوافر لهم نفس الفرص، والكثير منهم تم إعدامه بالفعل. أبرز مثال على ذلك هم العشرات الذين يقبعون في سجن تبوك أغلبهم من حاملي الجنسية المصرية والأردنية، من الذين ينتظرون تنفيذ حكم الإعدام، الصادر بحقهم، في أي لحظة.
مصير هؤلاء يعتمد بشكل كامل على الضغوط الداخلية التي لا وجود لها، أو على مبادرة منظمات حقوق الإنسان التي غالبًا ما يكون عملها محدودًا.
هذا التفاوت يؤكد على أن القمع في "السعودية" لا يقتصر فقط على من يُعتقل، بل يمتد ليشمل أيضًا من يُمنع من أن يكون له صوت. وبينما يظل الدوش يأمل في أن ينجح إضرابه في استعادة حريته، فإن محنته تذكرنا بضرورة عدم نسيان مئات من المعتقلين الآخرين الذين ينتظرون بصيص أمل قد لا يأتي أبدًا.
ارسال التعليق