الفكر السياسي
ابن سلمان يعيد تكرير ديانة الوهابية بثوب التحديث
نشر مركز دراسات الشرق الأوسط مقالا ناقداً لتعيين صالح الفوزان مفتيا عاما للسعودية، واضعا الخطوة في سياق زيف وعود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالإصلاح الديني والاجتماعي منذ عام 2017، مؤكدا على أنها لم تكن سوى واجهة سياسية لتكريس حكم الفرد، لا مشروعًا حقيقيًا لتفكيك التطرف أو توسيع الحريات.
يشير الكاتب إلى أن بن سلمان، عند توليه ولاية العهد، أعلن أن البلاد "لن تهدر ثلاثين عامًا أخرى في التعامل مع الأفكار المتطرفة"، متعهدًا بدفع البلاد نحو "الاعتدال" و"تمكين المرأة" و"التحديث الاجتماعي".
لكن بعد نحو عقدٍ من تلك الوعود، يرى العودة أن الواقع يكشف عكس ذلك، خاصة بعد تعيين صالح الفوزان مفتيًا عامًا للسعودية، وهو رجل دين سلفي متشدد عُرف بخطاباته الطائفية الداعية للعنف، ما يُظهر -بحسب العودة- "وهم الإصلاح الذي يروّج له محمد بن سلمان".
تحالفٌ معاد تسميته لا إصلاحه:
يؤكد عبد الله العودة، المدير الأول لمكافحة الاستبداد في مركز دراسات الشرق الأوسط، أن التحالف التاريخي بين الأسرة الحاكمة والمؤسسة الدينية الوهابية لم يُفكَّك كما يدّعي ولي العهد، بل أُعيد تصميمه لخدمة السلطة السياسية. فقد تحوّلت المؤسسة الدينية من سلطة أخلاقية شبه مستقلة إلى أداة لتبرير قرارات النظام الملكي وقمع المعارضين، حيث يتم ترقية رجال الدين الموالين لبن سلمان، ومعاقبة كل من يدعو إلى إصلاح أو تعددية.
في هذا الإطار، يقول العودة إن "الاعتدال" في النظام الجديد لا يعني التسامح أو الإصلاح، بل الطاعة المطلقة لولي العهد. وهكذا نشأ -كما يصفه- "لاهوت استبدادي يقدّس هيمنة السلطة تحت شعار مكافحة التطرف".
يرى العودة أن ترقية صالح الفوزان إلى منصب المفتي العام تجسّد هذا التحوّل بوضوح.
الفوزان، وهو من أبرز رموز التيار السلفي المتشدد، صرّح علنًا بأن الشيعة في شبه لجزيرة العربية ليسوا مسلمين، وأيّد العنف ضد المعارضين. ويذكّر العودة بأن الفوزان أصدر في عام 2018 -قُبيل مقتل الصحفي جمال خاشقجي- فتوى تُجيز قتل المعارضين، في حين كان سلفه عبد العزيز آل الشيخ قد دعا سابقًا لهدم الكنائس في الجزيرة العربية.
ويرى العودة أن مكافأة شخصيات كهذه تُثبت أن حملة محمد بن سلمان ضد التطرف "انتقائية"، إذ يزدهر رجال الدين المتشددون الذين يدعمون سلطته، بينما يُسجن الإصلاحيون الذين يدعون إلى حرية الفكر والانفتاح السياسي.
العلماء الإصلاحيون تحت الحصار:
استشهد الكاتب بحالة والده، الشيخ سلمان العودة، الذي اعتُقل عام 2017 بسبب تغريدة دعا فيها إلى المصالحة مع قطر خلال فترة الحصار.
ويقول إن والده كان من أبرز العلماء الإصلاحيين الذين نادوا بمحاربة الفساد والإفراج عن السجناء السياسيين، لكنه واجه السجن والتهم الجاهزة بـ"الانحراف عن تقاليد علماء البلاد".
ويُضيف العودة أن الإصلاحيين الآخرين، مثل المؤرخ حسن فرحان المالكي، يواجهون المصير نفسه بسبب آرائهم النقدية للوهابية ودفاعهم عن حرية الدين. وكلا الرجلين، كما يقول، يواجهان خطر الإعدام لمجرد تعبيرهما عن آرائهما.
ويخلص إلى أن اضطهاد هؤلاء العلماء يكشف أن "حرب محمد بن سلمان على التطرف ليست حربًا على الفكر المتشدد، بل على الفكر الحر"، لأن الإصلاحيين يمثلون "سلطة أخلاقية مستقلة تهدد احتكار ولي العهد للسلطة المطلقة".
يؤكد المركز أن تعيين الفوزان مفتيًا عامًا للسعودية ليس حدثًا دينيًا معزولًا، بل تتويج لعقيدة الحكم الجديدة التي يمزج فيها محمد بن سلمان بين "السيطرة السياسية المطلقة والشرعية الدينية الانتقائية".
ويُختم المقال بالقول إن مشروع ولي العهد ليس قطيعة مع الوهابية، بل تحوّلٌ منها إلى شكل أكثر خضوعًا للسلطة: "ما نراه اليوم هو واقع بائس يُغلَّف ببريق التحديث الاجتماعي، حيث يمكن للنساء القيادة، وتُقام الحفلات، وتُفتح دور السينما، لكن الفكر والنقاش والضمير لا يزالون تحت الحصار."
طالما بقيت شخصيات مثل صالح الفوزان تحدد ملامح المؤسسة الدينية، يرى المركز أن "اعتدال محمد بن سلمان سيظل أسطورة، وسيبقى الاستبداد متخفيًا تحت واجهة براقة من الإصلاح".
ارسال التعليق