فلسطين وآل سعود
واشنطن تزيح الستار عن خطة تطبيع السعودية
في إطار التناغم غير المسبوق بين الإدارة الأمريكية الراهنة والنظام السعودي، أدلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتصريحات مثيرة للجدل، كشفت بوضوح عن المسار المخطط له لتطبيع العلاقات بين نظام آل سعود والكيان الصهيوني. التوقعات التي أطلقها ترامب، وتحدث فيها عن انضمام "السعودية" إلى الاتفاقيات الإبراهيمية قبل نهاية العام، لم تكن مجرد تكهنات بل مثّلت شهادة من واشنطن على أن ملف التطبيع السعودي قد وصل إلى مراحله النهائية، رغم ما يُعرف عن ترامب من تعمّد تضخيم المواضيع في كثير من الأحيان.
التفاصيل التي أوردها ترامب في مقابلته مع مجلة "تايم"، ونُشرت يوم الخميس الماضي، توضح أن عملية التطبيع ليست عملية ثنائية بين الرياض وتل أبيب فحسب، بل هي خطة أمريكية متكاملة؛ حيث ربط ترامب نجاح الاتفاقيات الإبراهيمية بتطورات إقليمية أخرى، مشدداً على أن "إزالة التهديد الإيراني كانت هي الركيزة الأساسية". هذا الربط يؤكد أن دافع الرياض للتطبيع يقوم على منطق أمني خالص، يتمحور حول تثبيت أمن النظام عبر الانخراط في تحالف إقليمي تحت المظلة الأمريكية، وهو ما يعني في واقع الأمر التخلي عن دور إقليمي مستقل والقبول بمرجعية واشنطن وتل أبيب في إدارة ملفات المنطقة الحساسة.
الأمر يتجاوز ربط التطبيع بمسألة ما يُطلقون عليه "الخطر الإيراني"؛ إذ قدّم ترامب مثالاً آخرا على طبيعة الارتهان التي يعيشها نظام الرياض. عندما تحدث عن دعم "السعودية" والدول الإقليمية لصفقة وقف إطلاق النار في غزة، أشار ترامب إلى أن هذا الدعم لم يكن ليتحقق لو لم تضعف إيران قوتها، بل وألمح إلى أن "الخطأ التكتيكي" لكيان الإحتلال في مهاجمة مقر المقاومة في قطر كان عاملاً في دفع الأطراف نحو التوصل إلى الهدنة. هذا التصريح، الذي يربط قراراً سيادياً مهماً مثل دعم الهدنة في غزة بتطورات أمنية واستخباراتية إسرائيلية، بوضوح كيف أصبحت قرارات الرياض الرئيسية مُشتبكة ومعتمدة على سياق تحدده المصالح الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وهو ما يثبت مدى تهميش آل سعود للقضية الفلسطينية وتحويلها إلى مجرد ورقة مساومة إقليمية.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حديث ترامب عن ملف الضفة الغربية يكشف حجم التبعية السياسية لنظام الرياض. فعندما شدد الرئيس الأمريكي على أن كيان الإحتلال لن يجرؤ على ضم يهودا والسامرة، لأن ذلك سيكلفها فقدان دعم الولايات المتحدة، وقال: "أنا أعطيت كلمتي للدول العربية أنه لن يحدث"، فإنه وضع نفسه كضامن وحيد لما يُفترض أنه "خط أحمر" عربي.
وفي سياق الحديث عن مستقبل هذه الترتيبات الإقليمية الجديدة، أشار ترامب إلى أن استمرارها مرهون بـ "احترامهم (القادة العرب) لرئيس الولايات المتحدة"، وبمعرفة الرئيس لما يفعله، هو كلام أقل ما يُقال عنه أنه مُهين!
تحدثت العديد من الصحف العبرية عن مسألة التطبيع في ظل الظروف الراهنة، حيث قالت صحيفة "إسرائيل هيوم" أن إيران نجحت في تأجيل التطبيع السعودي مع "إسرائيل". لكننها لفتت إلى أنه بالرغم من ذلك، فإن الولايات المتحدة واثقة من أنه خلال العام القادم، على الأرجح قبل الانتخابات في إسرائيل، سيحصل تقارب فعلي بين "إسرائيل" و"السعودية.
وفي تطرق الصحيفة للأسباب التي تدفع السعودية للمضي قدما في مشروع التطبيع، فندتهم بالتالي: "علاقات تجارية وتكنولوجية وأمنية مع "إسرائيل" وتحالف دفاعي مع الولايات المتحدة للدفاع ضد إيران وذراعيها في الشرق الأوسط، بما في ذلك الحوثيون".
“المفاوضات بين "إسرائيل" و"السعودية" في طريقها إلى التطبيع لم تتوقف أبداً لكن العملية بطيئة وتدريجية”. هذا الاقتباس يعود للدكتورة في النّـزاعات الشرق أوسطية والمحاضرة في جامعة رايخمان، نيرِيت أوفير.
أوفير، وفقا للصحيفة، " تعرف السعوديين ربما أفضل من أي إسرائيلي آخر، فهي كانت من بين المسؤولين عن جلب فرق إسرائيلية إلى رالي داكار في "السعودية" عام 2021، وعن عدد ليس بقليل من الصفقات بين شركات إسرائيلية وسعودية، وكانت أيضاً أول إسرائيلية أُلقيت محاضرة في مؤتمر علني في "السعودية"، في سبتمبر/أيلول 2023، عندما بدا أن التطبيع على قاب قوسين أو أدنى".
وفي ما يلي تصريح آخر: "في العام القادم، وعلى الأرجح قبل الانتخابات في "إسرائيل"، سيحصل تقارب فعلي بين "إسرائيل" و"السعودية"، ليس من المؤكد انضمامًا كاملاً إلى اتفاقيات “إبراهام”، لكن على الأقل سيكون هناك خطوة سياسية–اقتصادية مهمة.
رأت الصحيفة أن تنفيذ رؤية محمد بن سلمان “السعودية 2030”، مترابطة جيدًا مع العلاقات التجارية والتكنولوجية والأمنية مع "إسرائيل". الرؤية مترابطة بتطوير وتقدم تكنولوجي تشكّل "إسرائيل" جزءًا منه بالفعل في مجالات مثل الأمن السيبراني، التكنولوجيا المالية، وغيرها.
أكثر من ذلك، بحسب الصحيفة، فإن "بن سلمان الذي يُحب المشاريع الطموحة بمبالغ ضخمة يتجاوب جدًا مع “الصفقة الكبرى” التي طرحها ترامب، الخطة الضخمة للشرق الأوسط، ويعتزم أن يكون جزءًا جيدًا مما سيحدث هنا".
واعتبرت أن "المشروع يتناول كثيرًا من اختصار طرق تجارية من الشرق، الهند–الصين إلى أوروبا، وربما أيضاً أنابيب نفط وغاز في الطريق إلى هناك".
"من الجانب الأمني، يريد بن سلمان اتفاقًا يشكّل تحالف دفاعي مع الولايات المتحدة ومن خلالها مع "إسرائيل"، لحماية بلاده من إيران وذراعيها، بما في ذلك "أنصار الله"".
وأشارت الصحيفة إلى أن "البعد الأمني تجسد في الاتجاه المعاكس، بمساعدة سعودية لإسرائيل أثناء الحرب مع إيران في يونيو/حزيران. كما كشفت، تقارير مفادها أن مروحيات من الجيش السعودي اعترضت طائرات بدون طيار إيرانية كانت في طريقها إلى إسرائيل".
ارسال التعليق