قالوا وقلنا
أحفاد أبي الرغال يتبنوا مهمة هزمية حماس
بقلم: ريم هاني...
عبر إجراء قراءة سريعة للتحليلات الغربية حول الوضع في غزة ومستقبل الحكم فيها، يُلحظ أنّ الأسئلة حول ما سُمّي بـ«اليوم التالي» في القطاع تفوق بكثير مشاريع الحلول المطروحة على الطاولة، ولا سيما بعد الفشل في القضاء على حركة «حماس» عسكرياً أو سياسياً. وطبقاً لمراقبين، انعكس الفشل في «استثمار الإبادة» سياسياً، وغياب أي طرح سياسي واقعي لإدارة القطاع مستقبلاً، على طروحات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «الخيالية»، وعزّز إمكانية عودة العمليات القتالية في القطاع، رغم التحديات الداخلية التي تواجهها حكومة الاحتلال، وهو أثبت، كذلك، أنّ إسرائيل والولايات المتحدة غير قادرتين على تولّي مسألة «إقصاء (حماس)» وحدهما، ما يوجب إشراك الدول العربية، بل دول أخرى حول العالم حتى، في تلك العملية.
وفي هذا الإطار، يشير تقرير نشره «المجلس الأطلسي» إلى أنّه في عهد الرئيس السابق، جو بايدن، ثمّ في المدة القصيرة من حكم ترامب، تعثرت جميع جهود التخطيط لمدة «ما بعد الصراع» في غزة، بسبب الفشل في طرد «حماس» من السلطة. وما يجلّي ذلك الفشل، أنّ الخطة الوحيدة المطروحة على الطاولة حالياً هي «اقتراح ترامب الخيالي إفراغ غزة من جميع الفلسطينيين وتحويلها إلى ملكية للولايات المتحدة، ثم إلى (ريفييرا) الشرق الأوسط». وفي حين تحاول الدول العربية «يائسة» استبعاد فكرة ترامب «غير الجادة»، خوفاً من زعزعة استقرارها وقتل رؤيتها المتمثلة بإنشاء دولة فلسطينية، فهي تبدو بـ«حاجة إلى تقديم بديل»، يفي بشرط «عزل حماس» من السلطة. وفي حال عدم حصول ذلك، فإنّ فكرة ترامب لن تطبّق، «بل سنشهد جولات إضافية من القتال والدمار والموت».
ولتقديم طرح يمكن لترامب البناء عليه، يجب، بحسب أصحاب هذا الرأي، أن تعرب الدول العربية، بقيادة السعودية وقطر والكويت، عن استعدادها لاستثمار موارد كبيرة في إعادة إعمار غزة، فيما ينبغي لدول مثل مصر والأردن والمغرب والإمارات والبحرين وإندونيسيا المشاركة في قوة متعددة الجنسيات مدعومة من الولايات المتحدة، مهمتها تحقيق الاستقرار وتأمين إيصال المساعدات الإنسانية وتوفير القانون والنظام الأساسيين. ومن جهتها، ستحتاج إسرائيل إلى تخفيف حظرها، للسماح لعناصر من السلطة الفلسطينية بالمشاركة في حكم غزة، بينما تتحرك الأخيرة لتنفيذ الإصلاحات اللازمة.
وهكذا، يمكن للأطراف المشار إليها، «جنباً إلى جنب الفلسطينيين في غزة»، المساعدة في تحقيق «ما لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من القيام به»، أي إزالة «حماس» من السلطة. ويستشهد التقرير بتجربة عام 1892، عندما رتّب المبعوث الخاص للولايات المتحدة، فيليب حبيب، إجلاء «منظمة التحرير الفلسطينية» ومقاتليها «من بيروت المحاصرة»، لافتاً إلى أنّ تحييد قادة «حماس» ومقاتليها سيتطلب جهداً استخباراتياً مشتركاً، يعتمد على مصادر إسرائيلية وعربية وأميركية. كما ستحتاج دول الخليج إلى تكثيف جهودها لتمويل عملية إبعاد نحو عشرين ألفاً من مقاتلي «حماس»، وإيجاد مواقع لإيوائهم والإشراف عليهم وعلى أسرهم، على أن تشمل الوجهات المحتملة، طبقاً للرأي المتقدم، قطر وإيران وتركيا وماليزيا والجزائر وروسيا، وبصورة أعم جميع الدول التي تحافظ على نوع من الاتصال مع الحركة. ورغم أنّه سيتعين على الولايات المتحدة أن تتنازل عن الجزاءات المفروضة على تيسير عبور «أعضاء منظمة إرهابية وتأمين مسكنهم»، إلا أنّ إخراجهم من غزة «يستحق كل هذا العناء»، وفقاً لما يرد في التقرير.
إضافة إلى إنشاء قناة تفاوض قطرية، وربما تركية، لإيصال هذا الطرح إلى «حماس»، تندرج توصيات المحللين الغربيين لتحقيق الأهداف المشار إليها في ثلاث خانات أساسية: أولاها إظهار أنّ إسرائيل ستسأنف هجومها العسكري الشرس، باعتبار أنّ «الصدمة التي يعيشها الإسرائيليون وهم يرون الرهائن الجائعين يخرجون من الأنفاق، وقريباً إعادة الجثث، تكشف أنّ مثل ذلك السيناريو قادم، سواء بعد إتمام صفقة الرهائن أو وقف الصفقة الحالية». وثانياً، على الحكومات العربية، بحسب هؤلاء، التكتل في «جوقة موحدة» للتنديد بـ«حماس»، وتحميلها مسؤولية معاناة الشعب الفلسطيني، ودعوتها إلى المغادرة. وأخيراً، يجب على الفلسطينيين في غزة رفع أصواتهم ليعلنوا أنهم يريدون طرد «حماس»، وفقاً لزعم معدّي التقرير.
وتأتي هذه التوصيات في وقت أكد فيه القيادي في «حماس»، أسامة حمدان، أن الحركة لن تتنازل عن غزة ولن تخرج منها تحت أي ظرف، ولن تقدم أي تنازلات ثمناً لإعادة الإعمار، محذراً من أنّ أي «أحد يحل محل الاحتلال في غزة، أو أي مدينة في فلسطين، سنتعامل معه بالمقاومة فقط، كما نتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، وهذا أمر منهي وغير قابل للنقاش»، مذكراً بأنّ مقاتلي «حماس» وقياداتها استشهدوا على الخطوط الأمامية وخسروا «نصف عائلاتهم»، وبالتالي، فهم غير مستعدين للتنازل عن كل تلك التضحيات.
وفي السياق نفسه، حمّل تقرير أورده «معهد واشنطن»، مسؤولية اقتراح ترامب حول إجلاء سكان القطاع إلى «الفشل العربي الأوسع في التوصل إلى حلول واقعية للمشكلات العملية التي أثارتها إدارة الحكم وإعادة الإعمار في غزة بعد الحرب»، لافتاً إلى أنّه باستثناء الإمارات – التي تبنّت مقترح ترامب -، كرّرت الحكومات العربية ببساطة الإعلانات القديمة حول الحاجة إلى دولة فلسطينية، داعيةً السلطة الفلسطينية إلى تولي دور في غزة. وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّ تلك المواقف معقولة في الظروف العادية، ولكنها «لا تعالج المشكلة الكبيرة والملحة والمعقدة في غزة اليوم».
ويستند الرأي المتقدم إلى فكرة أنّ الدول العربية لا تبذل أي جهد لتقديم إجابات محددة عن جملة من الأسئلة الحاسمة، مثل «كيفية ضمان عدم استعادة (حماس) للسلطة؟ وإصلاح السلطة الفلسطينية وإعادة تأهيلها وتمكينها بسرعة كافية للعب دور حقيقي في غزة؟ وكيف ينبغي للمجتمع الدولي أن يتعامل مع تحديات إعادة الإعمار والأمن المعقّدة، والتي ستبرز إلى الواجهة بمجرد انتهاء الحرب؟». ويستدرك معدّ التقرير بأنّه لا يمكن لترامب أن يتوقع من مملكة الأردن إيجاد كل تلك الحلول «بمفردها»، نظراً إلى أنّها «لا تحدّ غزة، ولا تمتلك الموارد الكافية لذلك».
وفي تقرير منفصل نشره المعهد نفسه، يجادل مراقبون بأنّ مواقف ترامب الأخيرة تشي بأن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، قد أقنعه بضرورة استئناف القتال، وسط مخاوف بشأن المرحلة الثانية من الاتفاق، وقناعة شخصية لدى نتنياهو بضرورة «هزيمة (حماس)». بيد أنّه لا يمكن، بحسب التقرير، فصل "قناعة" نتنياهو عن الحسابات السياسية الداخلية التي يواجهها، وعلى رأسها إمكانية انهيار ائتلافه، واحتمال حل الحكومة تلقائياً في حال لم تمرّر ميزانيتها بحلول الـ31 من آذار، بينما كشف استطلاع للرأي في الـ10 من الجاري أنّ 67% من المستطلعين الإسرائيليين يفضلون المضي قدماً في المرحلة الثانية، بما في ذلك 49% من الناخبين من حزب «الليكود» الذي يتزعمه نتنياهو، لاعتقادهم بأنّ هذا هو السبيل الأوحد لتحرير جميع الرهائن.
ويتساءل كاتبو التقرير عن أنّه في حال عادت إسرائيل إلى الحرب، فهل سيؤدي هذا الخيار إلى القضاء على الأسرى الباقين؟ وكيف سيضع القادة الإسرائيليون إستراتيجية لهزيمة «حماس» بالكامل، بعدما فشلوا في ذلك خلال الخمسة عشر شهراً الماضية؟ والأهم، إلى متى يمكنهم تأجيل صياغة نهج «اليوم التالي» لغزة، ولا سيما وسط تشكيك الجمهور الإسرائيلي في قدرة الحكومة على «هزيمة حماس بالكامل»، وتحرير جميع الأسرى في الوقت عينه؟
ارسال التعليق