أبتزاز قطر
هل شاركت السعودية في قصف الدوحة
أثار الاعتداء الإسرائيلي على العاصمة القطرية الدوحة، والذي استهدف مقر اجتماع لوفد حركة “حماس”، عاصفة من التساؤلات حول مسار الطائرات الإسرائيلية التي قطعت مسافة تقدر بـ1800 كيلومتر عبر الأردن وسوريا والعراق، وربما السعودية.
وإذا صحت هذه المعطيات، فإنها تفتح الباب أمام سؤال بالغ الحساسية: هل شاركت السعودية – بشكل مباشر أو غير مباشر – في تسهيل الهجوم على قطر؟
وبحسب ما نقلته منصة عبري لايف عن القناة 14 العبرية، فإن مقاتلات إسرائيلية أطلقت 10 صواريخ على الدوحة بعد أن عبرت مساراً جوياً طويلاً يتطلب مرورها فوق أكثر من دولة عربية، من بينها السعودية.
في المقابل، أكدت صحيفة جيروزاليم بوست أن هناك “تلميحات” إلى دور لدول عربية “حليفة” مثل السعودية، إما عبر السماح بعبور المجال الجوي أو تسهيل عمليات التزود بالوقود.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يثار فيها مثل هذا الجدل. ففي 13-14 أبريل الماضي، أشارت تقارير عبرية إلى تعاون استخباري خليجي – إسرائيلي مكثف، وُظّف للتعامل مع تهديدات إيرانية وهجمات الحوثيين. هذه المعطيات تجعل احتمال التواطؤ السعودي في العملية الأخيرة مطروحاً بجدية، ولو في إطار غير معلن.
شواهد بصرية مثيرة
من العناصر التي عمّقت الشكوك، ما نشره المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي من لقطات مصورة للغارات على اليمن في يوم الجمعة.
المثير أن اللقطات أظهرت بوضوح مشروع “ذا لاين” السعودي العملاق في خلفية المشاهد، إلى جانب طائرة تزويد بالوقود تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي.
هذا الظهور “المفاجئ” لا يمكن عزله عن توقيت العملية، وهو يطرح تساؤلاً عن سبب وجود هذه المشاهد المرتبطة بالمجال الجوي السعودي تحديداً، ولماذا أصر الإعلام العبري على إظهارها. البعض رأى في ذلك رسالة مبطنة تكشف مستوى من التعاون الأمني والعسكري غير المعلن بين الرياض وتل أبيب.
الحسابات السعودية: بين الإنكار والواقع
رسمياً، لا يمكن أن تعلن السعودية قبولها بأي مشاركة في استهداف قطر، لاعتبارات دبلوماسية وسياسية حساسة.
فالرياض تحاول منذ سنوات إعادة ترميم العلاقات الخليجية بعد أزمة الحصار (2017-2021)، كما أنها لا ترغب في الظهور كعدو مباشر لقطر في وقت تتعرض فيه الأخيرة لعدوان عسكري خارجي.
لكن عملياً، هناك معطيات توحي بأن السعودية قد تكون فتحت مجالها الجوي أو تغاضت عن مرور الطائرات الإسرائيلية. مبررات ذلك يمكن تلخيصها في:
التقارب الأمني مع إسرائيل: منذ اتفاقات أبراهام 2020، عززت السعودية – وإن بشكل غير معلن – مستوى التنسيق الاستخباري مع تل أبيب.
التحالف مع واشنطن: أي دعم إسرائيلي ضد “حماس” أو الحوثيين يلقى تفهماً أميركياً، ما يضع الرياض في موقع “الشريك الصامت”.
العداء لحماس: ترى السعودية أن الحركة أقرب إلى المحور الإيراني – التركي – القطري، وهو ما يجعل استهدافها يخدم التوازنات السعودية في المنطقة.
قطر في مرمى الاستهداف
من الواضح أن قطر، التي لعبت دور الوسيط في الملف الفلسطيني واحتضنت قيادة “حماس” السياسية، باتت هدفاً لإسرائيل وحلفائها. فاستهداف مقر اجتماع لوفد الحركة داخل الدوحة يحمل رسالة مزدوجة:
لإسرائيل: “لا حصانة لحماس في أي مكان”.
لحلفائها الإقليميين: “يمكن الاعتماد على تعاونكم ضد الخصوم المشتركين”.
لكن الرسالة الأخطر موجهة لقطر نفسها، إذ تحاول إسرائيل تقويض دورها كوسيط رئيسي في غزة، عبر ضرب صورتها كبلد آمن لاستضافة المفاوضات.
انتقاد للسعودية: شراكة صامتة
إذا ثبت أن السعودية سهلت أو سمحت باستخدام مجالها الجوي، فإنها تتحمل مسؤولية مباشرة عن تعريض أمن دولة خليجية شقيقة للقصف. هذه الخطوة تمثل خرقاً واضحاً لمفهوم “الأمن الخليجي المشترك” الذي طالما تغنت به الرياض.
والأدهى أن أي تعاون مع إسرائيل في هذا السياق لا يمكن تفسيره إلا كاصطفاف ضد قطر، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان مرحلة حصار الدوحة، ويضع السعودية في خانة من يكرر أخطاء الماضي.
وبينما تسوق الرياض لمشاريع كبرى مثل “ذا لاين” و”رؤية 2030″ باعتبارها تعبيراً عن الاستقرار والنهضة، فإن ظهور هذه المشاريع في مشاهد قصف إسرائيلي يربطها – ولو رمزياً – بأجندات عدوانية تقوض صورة المملكة الدولية.
والتورط السعودي المحتمل له تداعيات أوسع:
على المستوى الخليجي: يضعف الثقة داخل مجلس التعاون الخليجي، ويكرس الشكوك القطرية في نوايا الرياض.
على المستوى العربي: يفضح مسار التطبيع الخفي مع إسرائيل، ويكشف أن “التحالفات الجديدة” تبنى على حساب القضايا العربية والإسلامية.
على المستوى الدولي: يمنح إسرائيل غطاءً عربياً لمغامراتها العسكرية، ما يخفف الضغوط الغربية عليها.
ويبقى السؤال مفتوحاً: هل شاركت السعودية فعلاً في قصف الدوحة، أم أنها اكتفت بدور “المتغاضي” الذي يسمح بمرور الطائرات الإسرائيلية دون اعتراض؟
الجواب المؤكد أن مجرد وجود هذه الشبهات يكشف عن أزمة ثقة عميقة بين الرياض والدوحة، ويعكس خطورة مسار التطبيع الخليجي مع إسرائيل.
وإذا كانت السعودية تراهن على تعزيز مكانتها عبر شراكات استراتيجية مع تل أبيب وواشنطن، فإنها تخاطر بخسارة رصيدها العربي والإسلامي، وبالظهور كدولة تتخلى عن أمن جيرانها مقابل مصالح آنية.
وإن أي دور سعودي في هذا الاعتداء – سواء أكان صريحاً أو ضمنياً – يمثل طعنة في خاصرة الخليج، وتورطاً في مشروع إسرائيلي يزعزع استقرار المنطقة بأسرها.
ارسال التعليق