
فضائح العمالة في مشاريع الطاقة السعودية
في وقتٍ تروّج فيه الحكومة السعودية لصورتها كقوة خضراء صاعدة تقود التحول نحو الطاقة النظيفة، كشف تقرير جديد صادر عن مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان عن واقع مختلف تمامًا: مشاريع الطاقة المتجددة السعودية تُبنى على عرق ودماء آلاف العمال المهاجرين، في ظل انتهاكات جسيمة ترقى إلى العمل الجبري المنهجي.
فمع تصاعد أزمة المناخ وتحوّل الأنظار نحو مصادر الطاقة النظيفة، تسعى السعودية جاهدة إلى تسويق نفسها كـ“نموذج مستدام” ووجهة استثمارية خضراء عبر مبادرات مثل رؤية 2030 ومشاريع نيوم والهيدروجين الأخضر.
لكن تقرير المركز، الذي اعتمد على مقابلات مباشرة مع عمال نيباليين وبنغلاديشيين في تسعة مشاريع للطاقة المتجددة، يكشف الوجه الآخر لهذه المشاريع.
فأكثر من 53% من العمال الذين تمت مقابلتهم أكدوا تعرضهم لخمسة مؤشرات أو أكثر من العمل القسري — بدءًا من مصادرة جوازات السفر والديون المفرطة، وصولًا إلى العمل القهري تحت التهديد.
يقول أحد العمال في مشروع للطاقة الشمسية: “نُعامل كما لو كنا آلات، ليس كبشر.”
هذه الشهادة تختصر، بحسب التقرير، نمطًا من الانتهاكات التي تُمارس بشكل منهجي في المشاريع المدعومة من الحكومة السعودية، ما يجعل “التحول الأخضر” مجرد غطاء لتلميع صورة النظام في الخارج.
سلسلة توريد ملوثة بانتهاكات حقوق الإنسان
حدد التقرير 41 شركة لها ارتباطات مباشرة أو غير مباشرة بالمشاريع التي سُجلت فيها الانتهاكات.
من بين هذه الشركات أكوا باور، أرامكو، صندوق الاستثمارات العامة، نيوم، وإير برودكتس — وكلها كيانات سعودية أو شريكة في مشاريع الطاقة المتجددة.
وتعمل هذه الشركات مع مقاولين دوليين مثل لارسن آند توبرو (L&T) وباور تشاينا، اللتين وظفتا عمالًا مهاجرين – غالبًا عبر مقاولين من الباطن – في ظروف وصفتها المنظمة بأنها “مسيئة ومهينة”.
وأكثر من نصف العمال الذين تمت مقابلتهم يعملون في مشاريع تديرها لارسن آند توبرو، وهي الشركة التي تتكرر في معظم مشاريع المملكة الكبرى من نيوم إلى القدية.
ووفق التقرير، فإن الانتهاكات لا تقتصر على المشاريع الفردية، بل تمتد عبر سلاسل التوريد بأكملها، ما يضع مسؤولية مباشرة على الشركات الأم والممولين الدوليين الذين يغضّون الطرف عن الانتهاكات.
تمويل غربي… وعرق آسيوي
من بين الممولين، وردت أسماء 25 بنكًا دوليًا وإقليميًا، منهم ستاندرد تشارترد، بنك الرياض، ميزوهو، إتش إس بي سي، بنك أبوظبي الأول، بنك الراجحي، بي إن بي باريبا، وجيه بي مورغان.
ويموّل هؤلاء مشاريع متعددة في نيوم، العلا، وشمال المملكة، ما يجعلهم متواطئين في استمرار منظومة العمل القسري.
الغريب، كما أشار التقرير، أن العديد من هذه البنوك والمؤسسات تدّعي التزامها بمبادئ الاستدامة وحقوق الإنسان في تقاريرها السنوية، بينما تموّل مشاريع قائمة على انتهاك تلك المبادئ نفسها.
غياب الرد والمساءلة
أرسل مركز موارد الأعمال وحقوق الإنسان استفسارات إلى عشرات الكيانات المشاركة، بينها بنك الرياض والشركة السعودية للكهرباء والبنك السعودي الفرنسي وبنك الراجحي.
لكن أياً من هذه الجهات لم يردّ على أسئلة المنظمة بشأن آليات حماية العمال أو التحقيق في مزاعم الإساءة، ما يعزز الاتهامات بأن النظام بأكمله قائم على التعتيم المؤسسي.
وفي المقابل، تستخدم السعودية أدواتها الإعلامية والدبلوماسية لتسويق رواية “التحول الأخضر”، متجاهلة أن التحول الحقيقي يبدأ من العدالة الاجتماعية وحماية العمال لا من الأبراج الفارهة والبيئة المصطنعة في الصحراء.
“نيوم”: مختبر اليوتوبيا… ومقبرة الحقوق
مشروع نيوم، الذي تصفه الحكومة السعودية بأنه “مدينة المستقبل الخضراء”، يحتل مكانة مركزية في التقرير.
تعمل فيه شركات عالمية مثل هيتاشي وثيسن كروب ودي نورا وأركيرودون، وكلها متورطة في شبكات التوريد ذاتها.
العمال هناك، وفق الشهادات، يعيشون في ظروف احتجازية داخل مواقع العمل، تُصادر جوازاتهم، وتُفرض عليهم غرامات باهظة إذا حاولوا المغادرة.
كما يعملون لساعات طويلة دون راحة كافية أو أجور عادلة، في انتهاك صريح لاتفاقيات منظمة العمل الدولية.
ويأتي هذا في وقت تسعى فيه المملكة إلى استضافة كأس العالم 2034 كدليل على “انفتاحها وتطورها”، بينما تبني ملاعبها وبنيتها التحتية على أساسات من الاستغلال والعبودية الحديثة.
القوة الناعمة على حساب الكرامة الإنسانية
يرى التقرير أن الرياض تحاول عبر الاستثمار في الطاقة المتجددة والفن والرياضة أن تغسل سجلها الأسود في حقوق الإنسان، بدءًا من جريمة قتل جمال خاشقجي إلى قمع الناشطين والنساء.
الهدف، بحسب التقرير، هو تحويل “الاستدامة” إلى أداة سياسية، تُستخدم لتبييض سمعة النظام بدل تحسين أوضاع الناس.
ويخلص المركز إلى أن “الاستدامة في السعودية ليست سوى واجهة لتسويق القمع بلغة جديدة”، داعياً الشركات العالمية والبنوك إلى إعادة تقييم شراكاتها مع المشاريع السعودية، وإخضاعها لمعايير شفافة لحماية العمال المهاجرين.
ارسال التعليق