هكذا أنهت كتيبة الإعدام حياة خاشقجي بأمر ملكي
مضى أكثر من أسبوع على قضية اختفاء الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن الساعات القليلة الماضية كشفت بعض المعلومات التي يعوِّل عليها الباحثون لفك شيفرات لفك ذلك اللغز، فوصول 15 مسؤولاً سعوديًا مقر القنصلية أثناء وجود جاشقجي فيه ومغادرتهم في اليوم ذاته إلى الوجهات ذاتها التي قدموا منها وإلغاؤهم حجز الفندق بعد 4 ساعات بدلاً من 4 أيام، كل ذلك يكاد يقول بوضوح "تمّت المهمة فلماذا البقاء؟".
لغز خاشقجي يتلاشى أخيرًا
كانت لحظة دخول خاشقجي قنصلية بلاده في إسطنول بهدف استخراج وثيقة، يوم الثلاثاء 2 أكتوبر الجاري، آخر مشهد له حتى الآن، بعدها تبادرت التكنهات والسيناريوهات والروايات المتناقضة حول ما حصل، إلا أن المؤكد فيها أنه لم يخرج – على الأقل – حرًا وعلى رجليه، ولا خبر يؤكد وفاته أو وجوده على قد الحياة.
هل تجيب نتائج تحقيقات الأمن التركي عن لغز اختفاء جاشقجي المستمرة حتى اللحظة؟ فأنقرة عينت مدعيًا عامًا ونائبًا لاتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنا لقنصلية السعودية، ويحضِّر المدعي المعين لائحة اتهام لملاحقة مجموعة السعوديين الـ15، التي باتت التحركات تركز على تحركاتها المريبة.
دخول المحققين الأتراك مبنى القنصلية لتفتيشه بعد موافقة سلطات الرياض يأخذ القضية باتجاه جديد، فقد كان القنصل محمد العتيبي شخصيًا المرشد لفريق وكالة "رويتز" الجمعة الماضية، لكن إصرار القنصلية السعودية على أن كاميرات القنصلية لا تسجل يزيد من الشكوك التي ترجح أن شيئًا خطيرًا وقع داخل القنصلية وسجلته تلك الكاميرات قبل سحب المادة المسجلة.
ومع مرور الوقت تتكشف ملابسات الواقعة، فقد كشفت شبكة "TRT WORLD" التركية ذكرت نقلاً عن مصادر رسمية اشتباه سلطات أنقرة في مجموعة مكونة من 15 سعوديًا قدموا إلى إسطنبول يوم اختفاء الصحفي، ويرجح المسؤولون أن تكون المجموعة قد غادرت التراب التركي حاملة معها صور تلك الكاميرات.
وفي تفاصيل تحركات السعوديين الـ15 التي نشرتها صحيفة "صباح" التركية المقربة من الحكومة نجد أنهم قدموا إلى إسطنول عبر طائرتين خاصتين مملوكتين لشركة "سكاي بريم أفييشن"، والتي تقدم خدمات الطائرات الخاصة للسلطات السعودية منذ وقت طويل، ثم أقاموا في فندقي مختلفين "ويندهام وموفنبيك" بإسطنبول في نفس الحي الذي تقع به القنصلية.
وبحسب وسائل إعلام تركية، فإن الطائرتين هبطتا في مطار أتاتورك، وحملت الطائرة الأولى 9 ركاب، بينما حملت الطائرة الثانية 6 ركاب، فيما بلغ عدد أفراد طاقم الطائرتين 7 أشخاص، ما يعني – بحسب مقاطع فيديو بثتها قناة "24 التركية" - وجود سجلات هبوط للطائرتين، وربما بيانات المسافرين وسجلات جوازات السفر، بالإضافة إلى المزيد من الفيديوهات من المطار والقنصلية، ومن شأن نشرها أن يُكذِّب ادعاءات السعودية بعدم زيارة أي وفد من هذا القبيل.
الأمر الآخر أن الجوازات الخاصة بالضباط لم تزور بل دخلوا بأسمائهم الحقيقية، وهذا فعل مبتديء جدا في عالم الاستخبارات والاغتيالات مما يدل على تنفيذ الجريمة من قبل مبتدئين بالأمن العام وليست بفعل استخباريين أذكياء.
كما بثت قناة "إن تي في" التلفزيونية التركية تسجيلات مصورة لما وصفتهم بأعضاء الفريق الاستخباري السعودي، وتضمنت مشاهد وصولهم إلى المطار وخلال إجراءات دخولهم أحد الفنادق وتسجيلات أخرى لما ذكرت أنها سيارة "فان" كبيرة تصل إلى مقر إقامة القنصل العام عقب مغادرتها مبنى القنصلية، وصولاً إلى مرآب مغلق تابع لمقر القنصل السعودي في إسطنبول.
خيوط اللعبة تسير بأمر من البلاط الملكي
المثير للدهشة أن أفراد الفريق الأمني المؤلف من 15 شخصًا حجزوا 4 ليالٍ في فنادق قرب القنصلية السعودية، إلا أنهم غادروا في اليوم الذي وصلوا فيه في طائرتين خاصتين واحدة باتجاه مصر والأخرى باتجاه دبي، ودفع هذا إلى الربط بين واقعة خاشقجي والتعاون الاستخباري والأمني بين السعودية ومصر والإمارات، واحتمالات استعانة الرياض ودبي بعملاء لجهاز الأمن المصري، خاصة أن هناك مصالح أمنية بين الأنظمة الثلاثة وعمليات قمع لمعارضيهم وجلب مرتزقة لحماية أنظمة الخليج.
ولعل ما يدفع السيسي للمشاركة في هذه العملية، أن خاشقجي هاجمه بعنف وانتقد الديكتاتورية والقمع في مصر، وكان يجلس بجوار المعارضين المصريين في تركيا، وفي يناير 2018، قال خاشقجي: "إن السعودية ما زالت تدعم زعيم الانقلاب في مصر، عبد الفتاح السيسي، وذلك على قاعدة الشيطان لا الإخوان".
لكن السؤال المحير: لماذا مُنح فريق الأمن العامل في القنصلية إجازة سريعة في يوم حادثة الاختفاء؟
بحسب الصحيفة التركية، وصل الفريق الأمني القنصلية خلال وجود خاشقجي بداخلها، وخرجوا في 6 سيارات مظللة بعد ساعتين ونصف من دخوله، وتوجهت السيارات المظللة - ومن بينهما سيارات من طراز "مرسيدس فيتو" - باتجاه مقر إقامة القنصل محمد العتيبي الكائن على بعد 200 متر من القنصلية، وبقيت السيارات هناك نحو 4 ساعات.
وترجِّح السلطات الأمنية التركية أن يكون خاشقجي داخل أحد السيارات، وبحسب المعلومات الأمنية، فإن الفريق الأول غادر مباشرة إلى المطار بعد خروجه من القنصلية متوجهًا إلى مصر، بينما غادر الفريق الثاني مساء اليوم نفسه إلى دبي، ووفق الرواية التركية، فإن الوجهة النهائية للطائرتين كانت السعودية.
بينما قال مراسل الجزيرة إن 4 سيارات مظللة، بينها سيارة "ميني فان"، خرجت عصر الثلاثاء من باب القنصلية وتبحث عنها السلطات التركية، فهي ربما تكون الخيط الرفيع الذي سيكشف مصير جمال خاشقجي بعد 8 أيام من اختفائه حتى الآن.
وسط حديث عن ضغط تركي متصاعد على السعوديين للإقرار بما حدث للصحفي المفقود لا يُعرف هل ضمن تلك الضغوط سياسة نشر النتائج الأولية للتحقيقات بجرعات صغيرة وبشكل متقطع زمنيًا؟ فمع مرور الأيام تظهر أدلة جديدة تؤكد تورط الجانب السعودي في قضية اختفاء خاشقجي.
ومنذ ساعات قليلة، نشرت وسائل إعلام تركية أسماء وتواريخ ميلاد وصور 15 سعوديًا دخلوا إسطنبول في طائرتين خاصيتن وتوجهوا للقنصلية السعودية بالتزامن مع وجود الصحفي جمال خاشقجي فيها، واستنادًا إلى صور نشرتها صحيفة "صباح" التركية وتم التقاطها في الجوازات وصل الفريق الأمني السعودي في وقت مبكر من صباح هذا يوم الثلاثاء، وغادر المسؤولين البلاد في أربعة مواعيد مختلفة.
ووفق ما نشرته جريدة "الصباح" التركية، فإن السعوديين الـ15 المنشورة أسماؤهم هم: مشعل سعد البستاني، صلاح الطبيقي، نايف حسن العريفي، محمد سعد الزهراني، منصور عثمان البوحسين، خالد عائض العتيبي، عبدالعزيز الهوساوي، وليد عبدالله الشهري، تركي مشرف الشهري، ثائر غالب الحربي، ماهر مطرب، فهد شبيب البلوي، بدر لطيف العتيبي، مصطفى المدني، وسيف القحطاني.
ومن بين الأسماء المنشورة عدة مسؤولين سعوديين، منهم خبراء تشريح وضباط استخبارات وبحث جنائي، وفق المصادر التركية ذاتها، فقد ظهر أحدهم يعمل في مجال التشريح الجنائي والطب الشرعي، وهو العقيد دكتور صلاح الطبيقي، عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للطب الشرعي.، وفقًا لتقارير إعلامية سعودية، وهو الثاني على قائمة الـ 15 سعودي الجنسية الذين سافروا إلى تركيا ليتعاملوا معها.
وقد رصدت وسائل إعلام وناشطون تطابقًا بين بعض الأسماء التي تم نُشرت وبين صور لهؤلاء على صفحاتهم على تويتر، وقد أظهرت تلك الصفحات انضمام أحد من وردت أسماءهم للقوات الخاصة السعودية، وقد ذكر بعض المغردين أن معظم الأسماء الواردة في القائمة تنتمي للأجهزة الأمنية والعسكرية، فقد تطابق أحد الأسماء التي نشرتها وسائل الإعلام مع ملف فيسبوك الخاص بضابط في القوات الخاصة السعودية، وهو نايف حسن العريفي، فضلاً عن منصور عثمان أباحصين، وهو ضابط برتبة مقدم في ما يسمى "الدفاع المدني"، السعودي وفقًا لمقال إخباري من صحيفة الشرق السعودية.
ويرى البعض أن وجود أسماء الضباط متورطين في قتل جاشقجي يشير إلى أن العملية من إعداد الديوان الملكي وليست من تنفيذ المخابرات السعودية حيث التوليفة أغلبها من المقربين من الديوان من أسلحة الأمن العام والداخلية، وهو ما نقلته صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية عن مسؤول تركي كبير قوله إن "كبار المسؤولين الأمنيين في تركيا توصلوا الى أن الصحفي السعودي جمال خاشقجي اغتيل في قنصلية بلاده بإسطنبول بناء على أوامر من أعلى المستويات في البلاط الملكي السعودي".
وبحسب قول المسؤول الرفيع للصحيفة الأمريكية فإن "خاشقجي قتل في القنصلية من قبل فريق من العملاء السعوديين - خلال عملية سريعة ومعقدة في غضون ساعتين من وصوله المبنى- وتم تقطيعه بمنشار كبير جلبه الفريق الذي أتى من السعودية خصيصا لهذا الغرض"، لذلك فإن ظهور فريق محققين سعوديين أمام الكاميرات المرابطة في محيط القنصلية لا ينفي ولا يبدد أيًا من الشكوك حتى تلك الأكثر قسوة بشان مصير خاشقجي، وهي القتل.
الكشف عن كون قتل خاشقجي تم بأوامر من البلاط الملكي السعودي سيزيد الضغط على الرياض، ويدفعها إلى البحث عن حل يحفظ ماء الوجه، ربما من خلال تحميل طرف آخر مسؤولية الاغتيال، خاصة بعد أن نفى مسؤولون سعوديون - بمن فيهم ولي العهد محمد بن سلمان- أي ضلوع لبلاده في قصة اختفاء خاشقجي، وأصروا على أنه غادر القنصلية بحرية بعد وصوله بوقت قصير، ولكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان طالب السعوديين بتقديم ما يثبت ادعاءهم بشأن مغادرة خاشقجي مقر القنصلية.
إلى ذلك، من المتوقع أن يكون التورط السعودي في اغتيال خاشقجي بداية تصعيد من السلطات السعودية لإسكات أصوات معارضيها تحت ذريعة " حماية الأمن القومي، فالتفاصيل التي ستنشرها تركيا تباعًا وبحسب محللين، ستكون ربما كافية للقضاء على ابن سلمان سياسيًا، وربما تتسبب في موقف دولي يعتبر السعودية دولة "مارقة" وابن سلمان مجرمًا دوليًا مطلوبًا لمحكمة الجنايات الدولية، ويجبر الحكومة الأمريكية وترامب على التخلي عن ابن سلمان، بل ربما السعي للتخلص منه حتى لا يكون ورطة. فهل يحدث ذلك بالفعل؟
ارسال التعليق