
تصريح نتنياهو وصمت الرياض..في دلالات الموقف السعودي من مشروع "إسرائيل الكبرى"
[عبد الرحمن الهاشمي]
بقلم عبد الرحمن الهاشمي
تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المعلِن صراحةً لمشروع "إسرائيل الكبرى" لم يكن فلتة لسان تكشف المضمرات، بل إعلانا واعيا لمشروع توسعي يبتلع أراضي ثماني دول عربية، من النيل إلى الفرات، بما فيها أجزاء من الأردن ولبنان وسوريا والعراق ومصر و(السعودية) والكويت. هذا التصريح الذي قدّمه نتنياهو باعتباره "مهمة تاريخية وروحانية" أمام خريطة "أرض الميعاد" الموسعة، يعرّي النوايا الإسرائيلية لابتلاع الجغرافيا وتفكيك البنى السياسية وفق أسطورة توراتية استعمارية. ومع ذلك، لم يتجاوز رد (السعودية) حدود اندماج باهت داخل بيان جماعي صادر عن 31 دولة عربية وإسلامية، بلا أي تحرك مستقل يوازي خطورة تهديد يضع أراضيــ(ها) نفسها على خرائط الأطماع الصهيونية.
المفارقة أن (السعودية)، التي تخفّت خلف جدار المواقف الجماعية الهزيلة، تنشط بكل حماسة في التحريض على حزب الله، موظفة إعلامها ومالها وأدواتها الدبلوماسية لتصوير المقاومة كخطر على الأمن الإقليمي. هذا الانحراف لا يشي فقط بخلل في ترتيب الأولويات، بل يكشف جوهر الاستراتيجية السعودية؛ تماهٍ كامل مع التحالف الأمريكي–الإسرائيلي، وانخراط مباشر في معركة تصفية المقاومة، مقابل صمت متواطئ على التوسع الإسرائيلي. فنتنياهو لا يطلق شعارات أيديولوجية مجردة، بل يترجمها إلى وقائع ميدانية كإلغاء فك الارتباط مع غزة عام 2023، تشريع ضم الضفة الغربية في يوليو 2025، تجاوز اتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974 عبر التمدد في الجنوب السوري، واحتلال النقاط الخمس في لبنان تمهيدا لتوسع في إحتلاله ولإلحاقه بمسار التطبيع بعد تجريد المقاومة من سلاحها حسب الحلم الإسرائيلي.
هذا السلوك السعودي لا يرقى إلى مستوى "التقصير" أو "الغفلة"، بل هو تواطؤ فعلي تثبته تقارير تبادل المعلومات الأمنية مع (إسرائيل) وتطابق "المصالح المشتركة"، على لسان غادي إيزينكوت نفسه. (السعودية) تدرك تماما أن مشروع "إسرائيل الكبرى" يشمل أراضيها، لكنها تختار الارتهان لواشنطن وتل أبيب، مفضلة استقرار العرش ومكاسب الاستثمار على حساب السيادة والأرض. حتى تحذيرات شخصيات سعودية سابقة من مشروع "إسرائيل الكبرى"، لم تجد صدى أمام اندفاعة الحكم نحو تحالف يبتلع المنطقة خطوة بعد أخرى.
الأخطر أن (إسرائيل) تتحرك اليوم في لحظة "علو" غير مسبوقة؛ تقترف المجازر وتستخدم التجويع سلاحا للحرب، تفرض الضم في الضفة، تتمدد عسكريا في سوريا، وتحتل مواقع حدودية في لبنان، فيما ترفع خطاب "إسرائيل الكبرى" دون خشية من رادع. الغرب يوفر الغطاء، يكرر أسطوانة "حق الدفاع عن النفس"، ويمنحها حصانة كاملة. منذ السابع من أكتوبر، باتت عقيدتها قائمة على "البقاء بالهجوم"، أي أن التوسع والاستيطان صار شرطا لوجودها، وهو ما تمارسه بعربدة تحت حماية أمريكية–أوروبية.
في هذا السياق، يصبح الصمت السعودي شراكة سلبية لكنها حاسمة في إنجاح المشروع الصهيوني. فالرياض لا تقف على الحياد، بل تعيد تعريف العدو ليصبح "المقاومة"، فيما تُمسح (إسرائيل) من المعادلة. إنها لا تكتفي بترك الباب مفتوحا، بل تساهم في تمهيد الطريق أمام التوسع الاستيطاني عبر تفكيك الجبهة العربية وتحييدها.
إن دلالات هذا الصمت تتجاوز حدود اللامبالاة إلى استراتيجية كاملة قوامها التماهي مع الاستعمار الصهيوني. (إسرائيل) تفعل ما تشاء، من الضفة إلى غزة، ومن الجنوب السوري إلى لبنان، لأن (السعودية) تضمن الغطاء العربي الضروري لتسويق مشروعها. لا وجود لشيء اسمه "السيادة العربية" في حسابات الرياض؛ هناك فقط صفقة باردة مع واشنطن وتل أبيب، حتى لو كان ثمنها التضحية بمستقبل المنطقة. بهذا المعنى، لا يمكن النظر إلى صمت (السعودية) إلا باعتباره انخراطا مباشرا في "التحالف التوراتي الجديد"، حيث يصبح قمع المقاومة شرطا لتثبيت التوسع الإسرائيلي. والنتيجة أن الرياض لا تقف على هامش المشروع، بل في صلبه كضلع مكمل له، ما يجعلها شريكا في إعادة رسم خرائط المنطقة على المقاس الصهيوني.
رغم أن نتنياهو يعلن بوضوح أن مشروع "إسرائيل الكبرى" سياسة حكومية ويبتلع جزءا من أراضي (السعودية) نفسها، يصرّ النظام السعودي على خدمة المحور الأميركي–الإسرائيلي، في مفارقة تكاد لا تجد لها نظيرا إلا في أكثر اللحظات سوادا من التاريخ؛ ملوك الطوائف في الأندلس الذين واصلوا دفع التعاون مع قشتالة رغم أن مشروعها المعلن كان السيطرة على الأندلس كاملة، أو حكومة فيشي التي تعاونت مع النازيين رغم أن فرنسا نفسها كانت مرسومة لتذوب في "الرايخ الأكبر". إنها إذن سياسة لؤمٍ تاريخي؛ تواطؤ مع عدو يعلن نواياه التوسعية جهارا، بما يجعل صمت الرياض ليس مجرد خطأ في الحسابات بل سقوطا إراديا في قلب المشروع الصهيوني.
ارسال التعليق