
هل نجح ترامب في تأهيل إسرائيل لتكون القوة الضاربة في المنطقة
[عبد العزيز المكي]
بقلم: عبدالعزيز المكي...
القسم الثاني
أنهينا القسم الأول من تلك المقالة بطرح عدة تساؤلات، يمكن اختصارها بتساؤل أساسي، هو هل نجحت أمريكا بتسيّيد العدو الصهيوني وتفكيك المنطقة وتقسيمها بعد استخدامها والعدو القوة المفرطة تجاه قوى المنطقة المقاومة؟ وللإجابة على هذا التساؤل وباختصار شديد نقول أن أمريكا والعدو اخفقا إخفاقا كبيراً، فيما كشفت هذه الهجمة العدوانية عن كثير من الحقائق التي كانت مخفية على الأمة وعلى العالم بسبب التضليل الإعلامي وتزييف الحقائق حول قدرة وقوة كل من هذه القوى الظالمة، ولتسهيل الفكرة نحاول تفكيك الساحات التي حصلت فيها المواجهة ونرى ماذا حصل وما هي النتائج...
1ـ جبهة غزة: من المعروف إن الكيان الصهيوني مني بضربة قاسية بعد عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر عام 2023، التي نفذتها حركة حماس، والحقت بالجيش الصهيوني، وبإسناد ومشاركة بقية الفصائل الفلسطينية المقاومة، خسائر فادحة حيث أسر الفلسطينيون العشرات من الجنود الصهاينة ومن الآمنين وغيرهم فيما قتلوا أكثر من 1500 عسكري وأمني صهيوني بعد اختراقهم الحواجز والموانع الصهيونية وكذلك الدفاعية، البشرية والإلكترونية وغيرها، ولو لا مسارعة الولايات المتحدة الى دعم العدو لأنهار الأخير وتلاشى، هكذا يفهم من تصريح الرئيس الأمريكي السابق جوزيف بايدن، حيث قال انقذنا إسرائيل من خطر وجودي ساحق كان يتهدد هذا الكيان! ولذلك أراد الأمريكي والصهاينة بقيادة ترامب ونتنياهو، أن يكون الرد على هذه العملية الاستراتيجية (طوفان الأقصى) لرد الاعتبار الى العدو ولإعطاء صورة مغايرة للصورة التي تركتها عملية الطوفان، بأن الكيان قوي ولا يمكن أن تؤثر فيه هذه العملية او ما يشابهها ، ذلك بالإضافة الى القضاء التام على حركة حماس!! فضلا عن أن ترامب ونتنياهو أرادا أن يكون الرد العسكري والأمني والاستخباراتي على غزة نقطة انطلاق لضرب كل ساحات محور المقاومة، والتمهيد لتفكيك المنطقة وتسيّيد العدو فيها!! ولكن ماذا حصل؟ لا شك إن ترامب ونتنياهو حصدا النتائج التالية باختصار شديد:
أـ أخفقا في القضاء على حركة حماس، فلا زالت الحركة تكيل الضربات للعدو وتقتل جنوده وضباطه ولحد الآن يفقد جيش العدو اسبوعياً العشرات من ضباطه ومن خيرة جنوده باعتراف الصحف الصهيونية مثل صحيفة هااريتز ويدعوت احرونوت وغيرهما، واعترفت هذه الصحف بل وكبار ضباط العدو الاحتياط بفشل نتنياهو بالقضاء على حماس، فيما تفاقمت ظواهر الفرار من الخدمة أو رفض الذهاب الى الحرب في غزة، او حتى الانتحار الذي أصبح ظاهرة مخيفة للعدو نتيجة كثرتها وانتشارها في صفوف الجيش الصهيوني وضباطه!! بل واستدعى هذا الوضع المزري للجيش الصهيوني، رفع أصوات العديد من ضباط هذا الجيش وقياداته، مطالبة بأنهاء الحرب وعقد صفقة مع حماس، أكثر من ذلك أن بعض المفكرين الصهاينة اعترفوا باستحالة القضاء على حماس، لأنها لم تكن مقاومة فحسب، إنما هي فكرة متجذرة في نفوس أبناء الشعب الفلسطيني ، وبالتالي تحولت الحرب مع حمارس، بقيادة نتنياهو الى حرب استنزاف بشريا وماديا، لا يمكن للكيان تحملها، فحتى الدعم الأمريكي المتواصل، سوف يتوقف في يوم ما، فهو لا يستمر الى ما لا نهاية، خصوصاً مع تصاعد الأصوات الأمريكية بضرورة وقف هذا الدعم، لأن الجيش الصهيوني بات ليس بمقدوره القضاء على حماس وباقي الفصائل الفلسطينية المقاومة ما يعني كل ذلك فشلاً ذريعاً لهذا الجيش الذي يعترف ضباطه صراحة باستحالة القضاء على فصائل المقاومة...
ب ـ فشل العدو في تصحير غزة من أهلها وساكنيها، فالاستراتيجية التي وضعها ترامب وطاقمه تتمثل في أجبار الشعب الفلسطيني في غزة على ترك أرضه، بعد تخريب البنية التحتية وتهديم المنازل وتحطيم الشوارع، ثم ارتكاب المجازر غير قصف البيوت والمنازل على أهلها بقنابل مدمرة جداً من مصانع الولايات المتحدة و آخر ما انتجته تلك المصانع!! ولكن رغم كل هذا القتل الممنهج وهذا الحصار والحرمان من الماء والغذاء، والتجويع ما زال الشعب الفلسطيني متشبثاً بأرضه، وصامداً يتحدى الموت والجوع، ويجعل من أمنيات ترامب ونتنياهو بتصحير غزة من سكانها، مجرد أحلام وأمنيات تبخرت وظلت الى الآن حبيسة الإخفاقات الصهيونية الأمريكية المتلاحقة لحد الآن.. لم يفشل العدو وأمريكا في حرب غزة وفي أخلاء غزة من ساكنيها وحسب، وإنما تركت حربهما الظالمة والمروعة والدموية على الشعب الفلسطيني في غزة تداعيات خطيرة، منها: عزلة العدو الصهيوني أمام الرأي العام العالمي، الأوروبي بشكل خاص وانكشاف إجرام ودموية هذا العدو، فلأول مرة في تاريخ هذا العدو يدرك العالم زيف الشعارات البراقة التي كان العدو يتلطى ورائها، ولذلك رأينا وتابعنا كيف إن شرائح كثيرة من الشعوب الأوروبية تتظاهر وتحتج على دعم حكوماتها لهذا العدو القاتل، وفيما تتسع ظاهرة الاحتجاجات ضد العدو، فأن عدداً من الحكومات الغربية قطعت أو أوقفت عمليات أمدادها للعدو بالأسلحة والمعدات الحربية، مثل إسبانيا واسكتلندا، فيما هددت فرنسا بالاعتراف بدولة فلسطينية، أما رئيس الوزراء البريطاني فقد أمهل العدو حتى أيلول القادم اذا لم يوقف المجازر في غزة فأنه سيعيد النظر في عملية الدعم البريطاني للكياني الصهيوني... ذلك بالإضافة الى تغيير مواقف بعض دول أمريكا اللاتينية لصالح الفلسطينيين، بينما تتسع يوما بعد آخر ظاهرة المعارضة للعدو الصهيوني وللمجازر التي يرتكبها في غزة، خصوصاً بين طلاب الجامعات الأمريكية ، فيوم بعد آخر تتسع ظاهرة المعارضة داخل أمريكا، حتى بين أوساط السياسيين والنواب والسناتورات، للعدو الصهيوني ولإجرامه، فالسناتور ساندرس قدم مشروع قرار للكونغرس الأمريكي بإيقاف مد الكيان بالسلاح ما دام يرتكب المجازر والتجويع في قطاع غزة، والى ذلك فأن كندا قد تلتحق بالذين اعترفوا من الأوروبيين بدولة فلسطينية، هذا فيما أعلنت الخارجية الفرنسية أنه قد يرتفع عدد الدول الأوروبية التي ستعترف بدولة فلسطينية الى 15 دولة... بخلاصة أن الموقف الدولي من المأساة الفلسطينية ومن الاجرام الصهيوني يتطور باستمرار لصالح القضية الفلسطينية، ويزداد حصاراً وعزلاً للعدو المجرم، وهذا ما اعترفت به الأوساط الصهيونية صراحة، فموقع (واللا) العبري قال: في ظل حكومة نتنياهو الحالية تعاني إسرائيل من أكبر انهيار دبلوماسي منذ عام 1948م!!
ج ـ حصول شرخ وتصدع كبيرين في الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني بصورة فاقت كل المرات السابقة ومنذ نشوء هذا الكيان، التي شهدت مثل هذه الانشقاقات ونلخص وصف هذه الحالة بما قاله رئيس الوزراء السابق (ايهود أولمرت) حيث قال: "لا أحد في موقع المسؤولية بإسرائيل يمكنه تفسير ما نفعله حالياً في غزة" وقال أيضا: "قتلنا ما يكفي ودمرنا ما يكفي في غزة"!! وكأن لسان حاله يقول: ماذا كانت النتيجة؟ إنها إخفاق وفشل، واعترف بأن ما يجري في غزة من جرائم ومذابح وقتل وتجويع يرقى الى جرائم حرب وقال:"هناك عدد من الأحداث في قطاع غزة يمكن اعتبارها جرائم حرب بل وأكثر من ذلك بكثير"... وأضاف: "حرب غزة غير مشروعة تشن بدافع المصالح الشخصية والسياسية لرئيس الوزراء ونتيجة لذلك يُقتل جنودنا"! معترفاً بالخسائر الفادحة التي يدفعها الجيش الصهيوني في هذه الحرب مع المقاومة الفلسطينية!! وذهب أولمرت الى أبعد من ذلك، ذهب الى المطالبة بتقديم نتنياهو الى المحاكمة وقال: "يجب محاكمة نتنياهو على الجرائم التي يرتكبها يومياً ضد دولة إسرائيل وشعبها"!! أكثر من ذلك إن أولمرت حمل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المسؤولية الكاملة عن مواصلة هذا الاجرام، وهذه السياسة التي تهدد بنظره (أي أولمرت) مستقبل وجود الكيان الصهيوني، وليس فحسب، استقراره وأمنه وما الى ذلك، وفي هذا الأطار يقول أولمرت: "الوحيد القادر على تغيير الأمور هو الرئيس ترامب، واذا قال لنتنياهو إن الوضع بلغ حده في غزة فسيتراجع"!!
2ـ جبهة لبنان: لعل أغلب المتابعين يتذكرون ما قاله رئيس الوزراء الصهيوني المجرم بنيامين نتنياهو، حينما بدأ هجومه على المقاومة في جنوب لبنان، وبعد أن قدمت السي آي أيه، وبعض مخابرات الدول العربية الخليجية خاصة، حول مواقع وهويات المسؤولين العسكريين في حزب الله، وعلى رأسهم زعيم الحزب (حسن نصر الله) نقول لعل أغلب المتابعين يتذكرون ما قاله في ذلك الوقت، اذ قال إننا من هنا من جنوب لبنان سنرسم خريطة الشرق الأوسط الجديد، سنحقق شرق أوسط جديد يقوم على أساس هيمنة (إسرائيل) ودحر ما أسماه القوى الإرهابية في إشارة الى قوى المقاومة، لكن ماذا كانت النتيجة؟ لقد جلب نتنياهو أكثر من 40 ألف من خيرة فرق جيشه الضارب مثل قوة غولان وجعفاتي، ونزلت كل القوى العملية لدعم العدو استخباراتياً ودعماً عسكرياً خفياً وعلنياً فضلاً عن إن الولايات المتحدة فتحت مخازنها العسكرية لدعم العدو لوجستياً ومخابراتياً وعلى كل الأصعدة، ورغم مرور أكثر من 60 يوماً من المواجهات الضاربة لم يحقق نتنياهو سوى كيلومتر واحد في جنوب لبنان، وتحول هذا الكيلو الى مقبرة لخيرة قواته (غولان) حيث لم يبق من هذه القوة سوى أفراد معدودين اضطر الى سحبهم من ميدان المعركة، وهذا ما اعترف به ضباط وجنود العدو، كما عكسته بعض وسائل الإعلام الصهيونية، أما قوة جعفاتي فهي الأخرى تعرضت الى ضربات مهلكة، وحينها كبرت ظاهرة الفرار من ميدان المعركة في جنوب لبنان، وبدأت علائم الانهيار على الجيش الصهيوني، ولو استمرت المواجهة أسبوع آخر لأنهار الجيش الصهيوني، لكن نتنياهو طلب من أمريكا استخدام كل نفوذها في المنطقة لوقف الحرب وهكذا فعلت، حتى تم وقف إطلاق النار على هذه الجبهة، رغم كل الدعم الأمريكي وغيره للعدو، ورغم إن حزب الله تعرض لضربات ثقيلة من العدو بقتل زعيمه وقيادته العسكرية من الصف الأول والثاني، ورغم جيش الجواسيس في لبنان من لبنانيين وسوريين ومن كافة الفئات المعادية للمقاومة والذين يقومون بتزويد العدو بالمعلومات لحظة بلحظة، لكن المقاومة وجهت ضربات متلاحقة لجيش العدو، ولعمق العدو بالصواريخ والطائرات المسيرة، وهذه القضية باتت معروفة ويتحدث بها الإعلام الصهيوني وأن بخجل في بعض الأحيان، وبذلك تبخرت أحلام نتنياهو بإقامة شرق أوسط جديد!!
3ـ جبهة اليمن: وهذه الجبهة لقنت الأمريكان والصهاينة دروساً قاسية اذ إن أمريكا تولت بنفسها مواجهة الحوثيين، ولكن الحوثيين ألحقوا بها هزيمة منكرة وانسحبت من المعركة متحملة ومضطرة لتحمل عار تلك الهزيمة بعد أن كاد الحوثيون اغراق حاملات طائراتها وبعد تكبيدها خسائر عسكرية فادحة، وسوف نخصص مقالة في المستقبل إنشاء الله، للحديث عن الحوثيين، الذين الى الآن يكيلون الضربات للعدو ويفرضون الحصار الجوي والبحري على هذا العدو، الذي اعترف مسؤولوه بوضعهم الكارثي على كل الأصعدة بسبب ضربات الحوثيين لهذا الكيان.
4ـ حرب الـ 12 يوم مع ايران: اذ كما بات معروفاً، إن هذه المواجهة كانت قاسية جداً بالنسبة للعدو، فرغم أن أهدافه كانت إسقاط النظام الإيراني، وتقسيم إيران، فهو ليس لم يحقق هذه الأهداف وحسب، بل أنه وجد أن الاستمرار في المواجهة لا يمكن أن يصمد رغم الدعم الأمريكي العسكري واللوجستي ورغم المشاركة الأمريكية المباشرة في ضرب المنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي دفع ترامب الى التدخل بطلب من نتنياهو، لدى قطر لإقناع إيران بوقف إطلاق النار، واليوم يتحدث الإعلام الصهيوني عن التدمير الهائل الذي تركته الصواريخ الإيرانية، وعن الاستهدافات الدقيقة جداً للمواقع الأمنية والعسكرية الصهيونية، واخفاق كل المنظومات المضادة للصواريخ في صد الصواريخ الإيرانية التي فتكت بالعدو... ولذلك انبرى الكثير من الخبراء والمحللين للحديث عن ما كشفته هذه المواجهة عن هشاشة العدو واستحالة أن يكون قوة إقليمية مهيمنة بدليل أن ترامب قال انقذنا بمشاركتنا إسرائيل الحرب على إيران! إسرائيل من الانهيار والسقوط أمام إيران وضرباتها، وبالتالي تبخرت أحلام نتنياهو في أن تصبح (إسرائيل) القوة الكبرى في المنطقة.
يقول البروفسور الأمريكي (ستيفن والت): "إن القوى المهيمنة الإقليمية تتمتع بقوة هائلة مقارنة بجيرانها، لدرجة أنها لم تعد تواجه أي تهديدات أمنية كبيرة منهم، وليس لديها قلق من ظهور منافس حقيقي في أي وقت"... وأشار والت الى نموذج الولايات المتحدة في بداية القرن العشرين وكيف ظهرت قوة مهيمنة بلا منازع وأضاف في مقالة له في مجلة (فورين بوليسي) السياسة الخارجية إن إسرائيل لا تتوفر لها هذه الفرصة، حيث تشكل كل من إيران وتركيا، قوة أكبر منها لا يستطيع العدو مواجهتها بدون الدعم الأمريكي، بل حتى مع الدعم الأمريكي وصل العدو الى ما قبل الانهيار في حربه مع ايران!! ولذلك فهو لا يستغني مطلقاً عن الدعم الأمريكي، بحسب خبير العلاقات الدولية في جامعة حيفا بنيامين ميلر، عندما سئل عما اذا كانت إسرائيل قادرة على الاستغناء عن الدعم الأمريكي، أجاب بكلمة واحدة: (لا)! ويقول ميلر أيضا: "اذا أوقفت الولايات المتحدة دعمها في مجال التسلح لإسرائيل فستشكل مشكلة كبيرة لها"!
يضاف الى ذلك يقول الخبير الأمريكي والت والذي سبقت الإشارة إليه: "أن الهيمنة الإقليمية الدائمة تتطلب من الدول المجاورة قبولاً بمركز القوة المهيمنة وإلا ستظل الأخيرة قلقة من تجدد معارضتها في المنطقة، وستجبر على اتخاذ إجراءات مضادة" بمعنى أنها لا تحظى بمشروعية إقليمية، أي إسرائيل وذلك شرط أساسي من شروط تحولها الى قوة مهيمنة ذلك فضلاً عن هشاشتها وضعفها واعتمادها على الدعم الأمريكي والغربي والعربي.
ارسال التعليق