
هل نجح ترامب في تأهيل العدو الصهيوني ليكون القوة الضاربة في المنطقة
[عبد العزيز المكي]
القسم الأول
بقلم: عبد العزيز المكي...
لعل الجميع يتذكر، كيف كان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قبل أكثر من عام، يركز في حملته الانتخابية على شعار (أمريكا أولاً)، أي التركيز على تقوية أمريكا، وأحياء قوتها وهيبتها وسطوتها (واستهتارها) بمصائر شعوب ومقدرات الدول الضعيفة والمستضعفة!! لأن أمريكا، أو هكذا ينظر اليها من رجالاتها أنفسهم، أنها تراجعت كثيراً عسكريا واقتصادياً وتكنولوجيا، قبال قوى متصاعدة ومنافسة بشكل جدي مثل الصين وروسيا، والى حد ما بعض دول ما يسمى بـ (العالم الثالث) ، فهذه الدول تتطور بسرعة على الصعد كافة، وبات بعضها مثل الصين يحرج أمريكا على صعيد المنافسة العسكرية والاقتصادية وعلى صعيد التطور العلمي والصناعي، ولذلك وضع ترامب نصب عينه فيما يعتقد أنه قادر على إعادة الأمور الى ما قبل هذا التراجع الأمريكي...
وبنظري أن الرجل، ليس كما يرى البعض من المحلليين والمتابعين، أنه (أحمق أو أنه متهور) ولا يحسب للأمور حسابها! بل يتحرك ضمن خطة مدروسة، وواضح أن هناك مستشارين وخبراء يرسمون له مسارات هذا التحرك، إذ يمكن من خلال سياساته وتحركاته وحتى تصريحاته وأيضا تراجعاته (عد وعوده وتهديداته في بعض الأحيان، في هذه المدة القصيرة من استلامه السلطة ولحد الآن، أي قبل الثلاثة أشهر او الأربعة أشهر الماضية، وما حصل فيها من تطورات على صعيد العالم... يمكن من خلال كل تلك الأحداث وما تخللها من مواقف وسياسات أن نحدد بصورة تقريبية ما اسميه (مبدأ ترامب)، الذي يركز على الأمور التالية، والتي يعتقد ترامب من خلالها الولوج الى الانتقال بأمريكا الى القوة المهيمنة على العالم مرة أخرى، ومن أهم هذه الأمور ما يلي:
1ــ العودة الى الشرق الأوسط بقوة، ومحاولة سحق أو القضاء على القوى المعارضة (قوى المقاومة)!! وإطلاق يد الكيان الصهيوني وتمكينه من لعب دور بارز في هذه الاستراتيجية، وصولا الى تمكينه من الهيمنة على المنطقة!! ومن ثم تهيئة الأرضية لإعادة رسم الخرائط وتوزيع الأدوار بما يتلاءم ومتطلبات التصورات الأمريكية ضمن ما يسمى، (الشرق الأوسط الجديد) الذي ظل نتنياهو يرفعه وما يزال!!
2ـ محاولة وضع حد، او التقليل من عملية استنزاف الولايات المتحدة عسكريا ومالياً، في الحرب الأوكرانية الروسية، ومحاولة خداع القيادة الروسية بالتقارب وبالعمل (الجاد) لحل الأزمة الأوكرانية حتى ولو بالتضحية بنصف أوكرانيا لروسيا، وتحميل أوروبا العبء الأكبر من الدعم المالي والعسكرية لأوكرانيا، فحتى الأسلحة التي تسلم لأوكرانيا يتقاضى ترامب أثمانها من الأوروبيين فيما قرر استعادة أثمان الدعم العسكري والتسليحي الأمريكي للجيش الأوكراني والبالغة أكثر من 300 مليار دولار بنهب معادن هذا البلد! واعتبر أن عدم استيفاء أثمان هذه الأسلحة من جانب بايدن وطاقمه هو (غباء) كبير!!
3ــ محاولة تقوية الاقتصادي الأمريكي عبر فرض القيود المالية على صادرات الدول المنافسة مثل الصين، الى الولايات المتحدة، بل على صادرات حتى الدول الحليفة لأمريكا مثل الدول الأوروبية واليابان وكوريا الجنوبية وبعض دول أمريكا اللاتينية وأفريقيا وغيرها من الدول!! وهو ما رفع أسعارها، أي السلع والمواد التي تصدرها تلك الدول وأضعف منافستها قبال البضائع المماثلة التي تنتجها الشركات والمصانع الأمريكية!
على أن الضربة الأكبر لإجراءات ترامب في هذا السياق هي حلبه لأبقار الخليج العربية، وبشهادته هو بقوله، بزيارة 72 ساعة لبعض دول الخليج النفطية الغنية (السعودية وقطر والامارات) انتزعت خمسة تريليونات من الدولارات وهو مبلغ ضخم جداً، اعترف الأمريكيون أنه هذا المبلغ أو جزء منه استخدم في تمويل العمليات العسكرية للعدو في ارتكاب مجازره ضد الشعب الفلسطيني في غزة، وفي استمرار عدوانه على لبنان وسوريا، وفي عدوانه على ايران والذي استمر لـ 12 يوم!! حيث توسل العدو لدى الأمريكان للتدخل لدى أصدقائها بإقناع طهران بوقف إطلاق النار...
ولنقتصر في الحديث على البند الأول، باعتباره الموضوع المهم والاستراتيجي الذي يلامس مصير هذه المنطقة والعنوان الذي اخترناه لهذه المقالة... ونترك البنود الأخرى لمناسبات قادمة بإذن الله تعالى، حيث سنسلط الضوء عليها وهي مهمة واستراتيجية وتشكل عملية محورية في محاولات ترامب والطاقم الخفي المحيط به والذي يسول له ويرسم له سياساته!!
وفيما يخص البند الأول، فأن ترامب نزل بكل ثقل أمريكا، من أجل تهيئة الأرضية لتمكين العدو الصهيوني من السيطرة والهيمنة على المنطقة، ويمكن أن نجمل بعض الخطوات التي اتبعها في هذا الاطار ومنها:
أـ استخدام القوة المفرطة والفتاكة ضد كل قوى المقاومة في المنطقة ومحاولة إزالة خطرها على العدو وعلى الوجود الأمريكي في المنطقة، ولعل الكل تابع كيف إن ترامب منح العدو الحرية في اختيار استخدام القوة ضد المقاومين وحاضناتهم الشعبية والمساكن والبنى التحتية بقنابل وصواريخ فتاكة وخارقة للتحصينات الاسمنتية والأقوى من الإسمنتية لأحداث صدمة من الرعب والهلع والخوف في قلوب شعوب المنطقة، اذ اعترف الأمريكيون أنهم زودوا العدو بآلاف الأطنان من القنابل والصواريخ والاعتدة، وفتحوا كل مذاخر أمريكا، لجعلها في متناول يد العدو واستخدامها في هذه المعركة من أجل إبادة وتدمير المنطقة واخضاعها بالقوة!! فطائرات النقل الأمريكية لم تتوقف يوماً منذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023 وحتى اللحظة، حيث تجلب باستمرار آخر ما صنعته المصانع الأمريكية من أسلحة واعتدة متطورة للعدو، لدرجة أن المسؤولين الأمريكان أو بعضهم رفع صوته محتجاً بأن المذاخر الاستراتيجية لأمريكا أفرغت من مخزوناتها من تلك الأسلحة والاعتدة!! ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل نزلت أمريكا بكل ثقلها ونفوذها وقوتها العسكرية ومخابراتها الى جانب العدو، فقد تولت مواجهة الحوثيين في البحر الأحمر حماية للعدو واستخدمت بل وزمجرت ببوارجها وحاملات طائراتها وقاذفاتها الاستراتيجية لحماية الملاحة هناك في البحر الأحمر وكسر الحصار الذي فرضه الحوثيون على العدو تجارياً واقتصادياً، وخاضت معارك قاسية اعترف قائد حاملة الطائرات ترومان بأنها كادت ان تغرق لو لا هروبها نتيجة الضربات المتلاحقة لها من جانب اليمنيين... كما وقفت أمريكا الى جانب العدو مخابراتيا ومده بكل المعلومات اللازمة في استهداف مواقع المقاومة وقياداتها في فلسطين ولبنان، وحتى في إيران، بل أنها شاركت العدو بضرب عدد من المنشآت النووية في إيران!!
ب ـ تحريك ملف التطبيع مع العدو خصوصاً مع السعودية وبقية دول الخليج العربية غير المطبعة وهذه المرة على أسس جديدة، ليس من منطلق (السلام) أو الحماية مقابل التطبيع، وإنما التطبيع من (موقع القوة) أي فرض التطبيع على هذه الدول بالقوة والرعب، وبالتالي يصبح هذا التطبيع عملية إملاء، وسوف يكون لهذا الإملاء تداعيات كبيرة، وهذا ما أشار إليه نتنياهو صراحة، حيث قال على هذه الدول الخليجية أن تطبع معنا (بالقوة) وواضح أن أمريكا تريد من هذا التطبيع تحويل تلك الدول عمقاً استراتيجياً للعدو عبر الدعم المالي وعبر استخدام أراضي هذه الدول كمنطلق لغاراته الجوية، ولتحرك قواته البرية نحو الدول التي تواجهه، وأيضا تريد أمريكا من هذه الدول أن تنزل بكل ثقلها لدعم العدو اقتصاديا وعسكريا ولوجستيا من أجل تهيئة الأرضية للخطوة اللاحقة!!
ج ـ تفكيك المنطقة وتجزئتها وتحويلها الى كانتونات متحاربة ضعيفة يسيطر عليها الأمريكان والصهاينة، وفيما عجز العدو عن أجراء عملية التفكيك في لبنان بسبب المقاومة فيه، فإنه وجد الفرصة السانحة لتحقيق هذا الهدف في سوريا، لأن الجولاني ربيب أوردغان وعميل الموساد الاسرائيلي هو الحاكم الذي جاءوا به الى دمشق لتنفيذ مخططاتهم التفكيكية ولذلك فأن التدمير المنهجي الصهيوني للبنية العسكرية السورية بعد سقوط النظام السابق، ثم التدخل السافر في الشؤون الداخلية السورية بحجة حماية الدروز، ثم أذلال الجولاني وقصفهم وزارة الدفاع السورية ورئاسة الأركان... كل ذلك وغيره يدخل في إطار هذا المخطط، وهذا ما أكده الصهاينة أنفسهم، فالمحاضر العسكري الإسرائيلي (رامي سيماني) قال: "سوريا دولة مصطنعة... يجب على إسرائيل أن تعمل على اختفائها وستحل مكانها خمسة كانتونات"! أما وزير الخارجية الإسرائيلي (جدعون ساعر) هو الآخر قال بعد يوم واحد فقط من خروج بشار الأسد من سوريا... "فكرة وجود سوريا موحدة وذات سيادة ليست واقعية". وكما قال بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي هو الآخر ايضا: "لن تتوقف المعارك حتى يغادر مئات الآلاف من سكان غزة... وتقسيم سوريا"!!
وهذا الخطاب، يترجم حالياً على أرض الواقع بدعم أمريكي منقطع النظير!!
وللاشارة فان تقسيم المنطقة وتفكيكها هو مشروع قديم وضع اسسه ابن غوريون في عقد الخمسينات من أجل شرذمة الدول العربية والإسلامية والسيطرة عليها!! بالإضافة الى أنها تشكل وسيلة أساسية لمشروع توسعي لتحقيق الوعد التوراتي بأن يكون الكيان على مساحة جغرافية تمتد من النيل الى الفرات!!
إذن فهذا المشروع القديم الجديد، ظل همَّ القيادات الصهيونية والأمريكية على اختلاف انتماءاتها، وكلما وجدوا فرصة سانحة حاولوا ترجمة المشروع على أرض الواقع، حاولوا في لبنان وفي العراق ولم ينجحوا، فيما بنوا علاقات مع الأكراد والدروز والاذريين وغيرهم كتوطئة لتوفير الظروف اللازمة لتنفيذ هذا المشروع!!
دـ كما قلنا فيما مضى من السطور، حاولت الولايات المتحدة تقوية العدو بالاتكاء على الدول العربية الخليجية لتكون عمقاً استراتيجيا للعدو، عبر الإسراع في دفع بعض هذه الدول نحو التطبيع !! وقد لاحظنا كيف أن الولايات المتحدة ضغطت بكل ثقلها على هذه الدول، خصوصاً على السعودية من أجل الإعلان الرسمي عن التطبيع!!
ولكن ماذا كانت النتيجة؟ رغم كل هذا القتل والبطش هل تحقق الحلم الصهيوني والأمريكي في تفكيك المنطقة وتسيّيد العدو عليها؟ وهل نجح ترامب في أحياء السطوة الأمريكية على تلك المنطقة؟ وفي توسيع جغرافية العدو كما وعد خلال حملته الانتخابية؟ الإجابة على تلكم الأسئلة سيتم في القسم الثاني من هذه المقالة بإذن الله.
ارسال التعليق