إعلام عربي يستعجل الصهينة
بقلم: نزار السهلي...
الفعل الحي واليومي لبعض وسائل الإعلام العربية، منحدر منذ أمدٍ طويل، وتحديدا بعد نجاح موجة الثورات المضادة، باستحضار خطاب صادر من حنجرة السلطة وقلم الأجهزة الأمنية.. وهي بداية التأشير لمرحلة فجور إعلامي يتناول العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة، وتحليل القضية الفلسطينية بالسردية الصهيونية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر والطوفان وحركة حماس، بمناقشة ملتبسة في البداية للواقع الفلسطيني ثم مزورة له، وشديدة التأثير والالتصاق براوية صهيونية، وباتخاذها حجة ومنطقا تعمل وفقها لتوجيه رسائل معينة ببرامج ومقابلات ووثائقيات وصفحات مكتوبة، تجرم وتدين مقاومة الشعب الفلسطيني لمحتله.
وبسبب هذه العناصر وغيرها، أصبحت بعض المنابر الإعلامية وريثا حقيقيا للإعلام الإسرائيلي، وناطقة باسمه وبمفرداته، في وصف حركة المقاومة الإسلامية "حماس" بحركة إرهابية، مع إطلاق أوصاف على قادتها وشهدائها من قاموس صهيوني أمريكي غربي.
بعد واقعة استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في غزة يحيى السنوار، عادت بقوة إلى سطح العناوين والبرامج والسطور الإعلامية؛ مفردات التزوير والشيطنة للمقاومة، مع أن جزءا كبيرا من منتقدي المقاومة والذين يقدمون أنفسهم كعارفين أو عرافين بأحسن الأحوال، يفتقدون لأبسط معايير المعرفة، خصوصا عن سماع وقراءة ما يدلقونه من سردية صهيونية تطال قادة المقاومة الشهداء والأحياء، ثم شيطنة القضية كلها من خلال نفي مسؤولية الاحتلال عن جرائمه وعن نكبة الفلسطينيين واستمرار الاحتلال.
فحين يعبر "روعي كيس"، مراسل الشؤون العربية في القناة الحادية عشر العبرية، عن دهشته من تقرير "mbc" السعودية الذي وصف قادة المقاومة الفلسطينية بالإرهابيين والأشرار والجزارين بالقول: "اعتقدت أنه منسوخ من قناة إسرائيلية"، ويضيف مبتهجا: "لقد تجاوزا صهيونيتنا"، فهذا يدل على بقية المشهد وفحوى الرسالة الموجهة التي دلت عليها عناوين بعض وسائل الإعلام العربية، وهو إسقاط معنى وجدوى مقاومة المحتل، وتحويل رجال فلسطين إلى "شياطين ومرتزقة" وإرهابيين، وتعظيم إجرام المحتل بوصفه انتصارا على الأرض، وإسقاط رمزية وصورة المناضلين، حتى وصل الأمر من متابعي تلك المنابر على امتداد الشارع العربي للقول إننا نخال أنفسنا نتابع إعلاما صهيونيا بنسخة عربية.
ولأن جُل الأفكار المطروحة للنقاش، هي بالدقة اللازمة لوصف عبثية مقاومة الفلسطينيين، وتبني سردية صهيونية للأحداث في إعلام عربي يضيف نكهة التعبرن على الخبر وعلى سرد التاريخ، فمسؤولية ما آلت إليه أوضاع الفلسطينيين وقضيتهم يتحملها قادتهم " الأشرار"، الذين يتبنون نهج " غريب" عنهم ومستورد وأن الشجاعة الصهيونية بقتل أولئك الأشرار، تغدو محل إعجاب واحتفاء كبير في هذه المنابر التي تترجم الحالة الصهيونية بارتداء ثوبها وحفظ قاموسها، ومن خلال الابتعاد عن جوهر المشروع الصهيوني وجريمة النكبة وبقية الجرائم المستمرة منذ 76 عام يحاول بعض الإعلام العربي المتعبرن، ايصال رسالة مفادها أن الاستسلام للإرادة الصهيونية وبطشها، هي عقيدة يتبعها الحاكم العربي يجب الالتزام بها في زمن مليء بمنظري الردة والانحسار والهزيمة، لذلك تستغل هذه المنابر بتوجيه رسمي طبعا حالة انكسار وانكفاء أنظمتها لتعميمها على مجمل مشروع وطني تحرري يسعى لنيل حقوقه المشروعة.
هذه الشريحة الإعلامية التي تعلن عن ذاتها بفجاجة ووقاحة، في محطة هي الأبرز في منعطف حاد يواجهه الشعب الفلسطيني على مستوى إبادته وطمس قضيته، ينضوي معها ثلة من رهط كبير مختلط من معسكر إعلام عربي رسمي يلتقي مع معارضين لأنظمة الحكم عند سكة واحدة من الجهد المشترك لشيطنة الفلسطينيين كشعب، وبتبني سردية صهيونية، ونعت المقاومة بالإرهاب، والغرق في مرض تشويه شهداء فلسطين من القادة باستحضار كل حرف وفاصلة من تصريحات ومواقف فلسطينية تجاه الثورات والعلاقة مع إيران ونظام الأسد وغيرها، والغمز من الباب المذهبي الطائفي في بعض الأحيان، لتبرير الاصطفاف خلف رواية نتنياهو وسموتريتش وأقطاب الفاشية الصهيونية عن المقاومة الفلسطينية وشعبها.
وإذا ضربنا مثالا يعتبر الأكثر خزيا ووقاحة في إعلام قنوات سعودية وإماراتية عن وقائع العدوان والمواقف الأفكار المطروحة منها، فإن أقل وصف يخلص إليه أي عاقل، أن هذا الإعلام العربي يجتهد بالانضمام لإمبراطورية "روبرت ميردوخ" الأمريكي الاسترالي المسيطر على معظم وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وبريطانيا، لبث الدعاية الصهيونية، فما المختلف عربيا بين ما يقدم في فوكس نيوز وسي إن إن وول ستريت جورنال والإعلام الاسرائيلي مع ما يطرح في قناة العربية والحدث وسكاي نيوز عربية وإم بي سي، في تناول الحدث الفلسطيني وقراءته من عين وعقل صهيوني. وبنفس الذريعة التي كانت أنظمة الاستبداد في سوريا ومصر تبرر بها جرائمها لقمع الشارع، يستخدم ضحايا هذه الأنظمة من المعارضين ومن ضمنهم "نخب"؛ ذرائع الأنظمة وشعبويتها في شيطنة المقاومة الفلسطينية وقادتها.
ومن البديهي القول إن معظم الشارع العربي لا يتابع ما ينشر في وسائل الإعلام العبرية، وما تتناوله نخب المجتمع الإسرائيلي وقاعه من رؤية واضحة لمشروع استعماري استيطاني توسعي، وعما يسمى السلام وحل الدولتين، ولا في قراءة كتّاب أعمدة الصحافة الإسرائيلية، ولا في متابعة فتاوى الحاخامات التلمودية والتوراتية، والتي تجمع كلها على ضرورة القضاء على الشعب الفلسطيني والعرب "الأغيار"، وتصويرهم بأنهم أقلية داخل مجتمع وأرض إسرائيل ويجب إخضاعهم كعبيد مع بقية العرب لخدمة شعب إسرائيل. يتم نقل هذه الرسائل بلغة عربية تتعبرن بطريقة مذهلة وتحاول التفوق بالانبطاح أمام العقل الصهيوني، وهو دورُ أخذته على عاتقها منابر ونخب عربية تترجم المواقف في محاولة تطويق عقل الناس بوضع ناظم عملها في ثوب التأسرل والعبرنة بترقيعات جديدة، فتراهم يلبسون ثوب الإنسانية دون تحميل أنظمتهم للمسؤولية، ودون تحميل المجرم الحقيقي وزرها.
من هنا بدأت معالم الخط التحريري لأنظمة تمتلك إعلامها الرسمي، الذي يعرف من خلاله الشارع أن مجرد نقد لموظف فيها وليس لرأس السلطة ينتهي به المطاف خلف الشمس، فالادعاء بمهنية وشفافية وعقلانية هو تزوير مفضوح لفهم وإدراك البشر، والسعي لتحقيق حالة إعلامية وفكرية ثبت بالمطلق تفاهتها وانحطاطها في رزمة مواقف من القضية، ومن استشهاد قادة المقاومة في فلسطين وآخرهم الشهيد يحيى السنوار، أو في عملية تزوير مقصود في هذا الشأن والبعيدة كل البعد عن الدقة، والأمر الثاني غياب تقدير عقل الإنسان العربي والفلسطيني الذي يكاد يجمع على وجدانية وأصلانية قضيته، وحقه بمقاومة محتله، والذي يجيب على سؤال الهدف من استعجال صهينة الإعلام العربي.
ارسال التعليق