هل تعلم
آل سعود على صفيح ساخن.. هل يتحول الصراع إلى حمام دم
لطالما قدّمت السعودية نفسها باعتبارها استثناءً في التاريخ السياسي للخليج. فبينما شهدت الإمارات والمشيخات المجاورة صراعات دموية على السلطة، تفاخر آل سعود لعقود بأن انتقال الحكم داخل أسرتهم الحاكمة يجري بانسيابية قائمة على “الإجماع” و”الطاعة”.
لكن المشهد الراهن يكشف عن تصدعات خطيرة في هذا السرد، إذ تتزايد المؤشرات على أن صراعًا داخليًا قد يتحول إلى مواجهة دموية تهدد بقاء العائلة المالكة بشكلها التقليدي.
وشهد عام 2007 إنشاء “هيئة البيعة” – لجنة ملكية من 34 عضوًا يفترض أنها تضبط توازن القوى وتضمن اختيار الملك بالإجماع. لكن هذه اللجنة لم تتجاوز في الواقع كونها أداة لإضفاء شرعية شكلية على قرارات مطبوخة مسبقًا في القصر.
ومع صعود ولي العهد محمد بن سلمان، تآكل دور اللجنة تمامًا، وبات القرار محصورًا في دائرة ضيقة يهيمن عليها الأمير الشاب.
تاريخ عائلة آل سعود ليس خاليًا من حوادث التمرد:
الأمير طلال بن عبد العزيز لجأ إلى بيروت والقاهرة مطلع الستينيات مطالبًا بملكية دستورية، قبل أن يعود بعفو مشروط بالابتعاد عن السياسة.
الأمير خالد بن مساعد تحدى الملك فيصل في قضية إدخال التلفزيون، فقُتل بالرصاص في ظروف غامضة.
هذه السوابق تكشف أن طائفة آل سعود – كما يصفها البعض – قامت على السرية والطاعة العمياء، لكنها عرفت أيضًا لحظات من الانشقاق والعنف. واليوم، يتكرّر المشهد لكن في سياق أكثر تعقيدًا.
منذ 2017، أعاد محمد بن سلمان صياغة قواعد الحكم داخل الأسرة. قبضته الحديدية، التي تجلت في حملة اعتقالات فندق الريتز كارلتون، ثم الزج بأمراء بارزين في سجن الحائر، كشفت عن حرب مفتوحة على أبناء العمومة. لم يسلم من قبضته لا ولي العهد السابق محمد بن نايف، ولا متعب بن عبد الله، ولا رجال أعمال كبار مثل الوليد بن طلال.
وقد اتسع نطاق الاستهداف ليشمل أمراء أصغر رتبة، اعتُقل بعضهم بعد احتجاجهم على تقليص الإنفاق الحكومي وارتفاع أسعار الخدمات، في مشهد غير مسبوق داخل بيت الحكم.
والإشاعات عن اغتيالات صامتة تتردد في الأوساط السعودية منذ سنوات. في 2015 وزّع بعض الأمراء خطابات عبر الإنترنت بعنوان “تحذير إلى آل سعود”، طالبوا فيها بوقف إقصاء الأميرين أحمد وطلال. سرعان ما اختفى اثنان من الموقعين المفترضين. وفي 2020، تحدّثت تقارير عن محاولة اغتيال داخلية نُسبت إلى صراع الأجنحة.
هذه الممارسات توضح أن إرهاب الخصوم لم يعد يقتصر على السجن أو النفي، بل امتد إلى التصفية الجسدية، وهو ما يعزز فرضية التحول إلى صراع دموي.
منذ تأسيس المملكة، جرى تداول السلطة بين أبناء الملك المؤسس عبد العزيز، فيما عرف بـ”التعاقب الأفقي”. لكن الملك سلمان قلب الطاولة بإصراره على توريث الحكم لابنه مباشرة، في ما يشبه انقلابًا على العرف الداخلي الذي يضمن التوازن بين أجنحة الأسرة.
هذا التحول حرم ذرية الملوك السابقين – فهد، سلطان، نايف، عبد الله – من حقوقهم التاريخية في الوصول إلى العرش. ومع وفاة الجيل المؤسس، لم يعد بمقدور أبنائهم مواجهة “الزعيم الشاب” إلا عبر وسائل غير تقليدية قد تشمل العنف.
يأتي ذلك فيما يعمد محمد بن سلمان إلى ترقية أبناء الفروع الهامشية داخل الأسرة وتعيينهم في مناصب رفيعة، ما يضمن ولاءهم لأنه لا ينظر إليهم كتهديد. في المقابل، يُقصي أبناء الأجنحة القوية السابقين، ما يضاعف نقمة الأمراء المحرومين.
هذا النهج يذكّر بأن الطوائف الكبيرة يصعب ضبطها من دون اللجوء إلى الدم والاغتيال، خصوصًا حين تتقلص الثروة النفطية ولا تعود الأموال أداة كافية لشراء الولاء.
مع تراجع أسعار النفط وعجز الموازنة، لجأ ابن سلمان إلى انتزاع الأموال من خصومه داخل الأسرة عبر حملات مكافحة الفساد التي انتهت في معظمها بتسويات مالية ضخمة صبّت في خزينته. لم يعد النظام قادراً على توزيع الهبات لشراء صمت المعارضين، ما يجعل خيار القوة والعنف بديلاً متزايد الحضور.
وفي المقابل، يواجه المواطنون السعوديون أنفسهم ضغوطًا غير مسبوقة مع رفع الدعم عن الطاقة والخدمات، وغلاء المعيشة، وتضييق الحريات. هذا الخليط المتفجر يضع الحكم أمام احتمالية تمرد شعبي موازٍ لصراع العائلة، أي “ربيع سعودي” تخشاه الأسرة منذ 2011.
مغامرات ابن سلمان في اليمن، وحصاره لقطر، وتوتراته مع إيران وتركيا، لم تحقق نتائج ملموسة سوى استنزاف الموارد وإحراج المملكة دوليًا. هذه السياسات زادت من عزلة ولي العهد، فيما تلاشت صورته كـ”مصلح” كانت تروّج لها الصحافة الغربية.
الإخفاقات الخارجية تضاف إلى ضغوط الداخل، وتجعل ولي العهد أكثر توترًا وشراسة في مواجهة خصومه، ما يرفع من احتمالية الانزلاق إلى سيناريو دموي داخل الأسرة.
كل المؤشرات تدل على أن البيت السعودي يدخل مرحلة غير مسبوقة من الاضطراب. لم يعد الصراع يدور خلف الأبواب المغلقة، بل باتت الاعتقالات والإقصاءات والاغتيالات تتسرب إلى العلن.
وإذا استمر محمد بن سلمان في نهجه الحالي، فإن المملكة قد تشهد أول مواجهة دموية علنية بين أجنحة آل سعود منذ تأسيسها، مع ما يحمله ذلك من تداعيات إقليمية ودولية خطيرة، في ظل التراجع الاقتصادي وانحسار النفوذ السياسي.
الأسئلة التي تُطرح اليوم: هل ينجح ابن سلمان في إحكام قبضته حتى النهاية؟ أم أن تصدعات العائلة الحاكمة ستنفجر لتغرق المملكة في حرب أمراء؟
ارسال التعليق