ضوء أخضر لتقديم بلاغ قانوني ضد السعودية
منحت المحكمة العليا البريطانيّة مؤسّس القسط الناشط المعارض البارز يحيى عسيري الإذن بتقديم بلاغ قانوني ضد السعودية بسبب هجمات بيغاسوس وكوادريم الإلكترونية.
ففي خطوة مهمة في مكافحة القمع العابر للحدود الوطنيةّ وإساءة استخدام تقنيّات المراقبة، أصدرت المحكمة العليا في لندن ترخيصًا لناشط حقوق الإنسان يحيى عسيري تقديم بلاغ قانوني ضد السعوديّة بسبب الانتهاكات الإلكترونيّة التي استهدفته بواسطة برامج التجسّاس بيغاسوس وكوادريم.
ويقول عسيري، وهو مؤسس القسط لحقوق الإنسان وعضو مؤسّس لحزب التجمّع الوطني (ناس) السعودي، إن السلطات السعوديّة تعمدت إساءة استخدام معلوماته الخاصّة ومضايقته والتدخّل غير المشروع في هواتفه المحمولة.
ومن خلال منحه الإذن بتقديم بلاغه، وافقت المحكمة على وجود قضيّة يمكن الدفاع عنها.
ومع ذلك، فقد عرض المدافعون عن حقوق الإنسان المخضرم بلاغات ضدهم بشكل غير محدد من معتقلي الرأي. ويقول عسيري: “أريد استخدام هذا الإجراء واتخاذ القرار للضغط على السلطات السعودية.
وقد استعدوا لسحب القضية ضد السلطات السعودية إذا وافقت على الإفراج عن معتقلي الرأي السعوديين بدلًا من ذلك. ولهذا السبب مربحة لكلّ من معتقلي الرأي والسلطات السعودية، التي ستحظى بالاحترام على خلف الافراج عنهم.
يُعرف بيغاسوس بأنه برنامج تجسّس شديد التوغّل طورته شركة برمجيّات إسرائيليّة تحمل اسم (NSO Group).
وفي عام 2021، كشف تحقيق دولي أجراه مشروع بيغاسوس أنّ عدّة دول قمعيّة، مثل السعوديّة والإمارات العربيّة المتحدة والبحرين، قد استخدمت هذا البرنامج التجسّسي لاختراق آلاف المواطنين في جميع أنحاء العالم، من بينهم الصحفيّين والسياسيّين المعارضين والناشطين. وقد كانت الراحلة آلاء الصديق، المديرة التنفيذيّة للقسط، إحدى المستهدفين.
أمّا برنامج التجسّس كوادريم، الذي طورته الشركة الإسرائيليّة كوادريم المحدودة وبيعه للعملاء الحكوميّين تحت العلامة التجاريّة “Reign”، فهو عبارة عن مجموعة من الثغرات والبرامج الخبيثة لاستهداف أجهزة الهاتف المحمول.
وفي أبريل 2023، كشف تحقيق أجرته منظّمة سيتيزن لاب عن استهداف صحفيّين وشخصيّات معارضة سياسيّة وعامل في منظّمة غير حكوميّة.
وبعد أسبوع، زُعم أن الشركة سرّحت موظفيها وأغلقت عمليّاتها؛ وليس من الواضح ما إذا كان برنامج كوادريم لا يزال يتم استخدامه اليوم.
وقد تعرّض عسيري لهجمات إلكترونيّة باستخدام برامج التجسّس بيغاسوس وكوادريم في الفترة الممتدّة بين عامي 2018 و2020 أثناء إقامته في المملكة المتحدة.
كما أكّد تحليل مستقل أجرته منظّمة سيتيزن لاب أن أجهزة عسيري قد تعرّضت لهجوم ببرامج التجسّس بيغاسوس وكوادريم، واستخدمتهما السلطات السعوديّة لتجمع البيانات وتستخرجها بطريقة سريّة. وعليه، لم تنتهك هذه الهجمات خصوصيّة عسيري فحسب، بل عرّضت أيضًا أولئك الذين كان يتواصل معهم للخطر.
ويعلّق العسيري قائلًا: “أنا على دراية تامة بأنّ السلطات سترغب في استهدافي. ومع ذلك، من المروّع أن تستهدف أيضًا أفراد مثل ضحايا انتهاكات الحقوق وعائلاتهم في السعوديّة لمجرّد أن هؤلاء الأشخاص كانوا على اتصال معي. كما ليس لدينا أي فكرة عن كيفيّة استخدام السلطات للمعلومات الموجودة على جهازي ضدّهم”.
قضيّة قانونيّة ضدّ السعوديّة:
في 28 مايو 2024، رفع عسيري دعوى قانونيّة ضد السعوديّة في المحكمة العليا في إنجلترا وويلز، من خلال شركة المحاماة البريطانيّة “بيندمانز إل إل بي”، لتعرّضه لهجمات إلكترونيّة باستخدام برامج التجسّس بيغاسوس وكوادريم.
وكانت الادعاءات التي رفعها ضد السعوديّة تشمل: (1) إساءة استخدام المعلومات الخاصة؛ و(2) المضايقة؛ و(3) انتهاك الممتلكات. وفي 5 سبتمبر 2024، تم تقديم طلب للحصول على إذن لتقديم الدعوى ضدّ السعوديّة إلى المحكمة.
في 11 أكتوبر 2024، أمرت المحكمة العليا بأن يُسمح للعسيري بتقديم قضيّته القانونيّة ضدّ السعوديّة من خلال القنوات الدبلوماسيّة البريطانيّة – وهي عمليّة مخصّصة للدعاوى المرفوعة ضدّ الدول – وبذلك توافق على وجود قضيّة يمكن الدفاع عنها.
ويجب الآن أن يتم تقديم الدعوى من جانب وزارة الخارجيّة والكومنولث والتنمية في المملكة المتحدة إلى وزارة الخارجيّة السعودية. فبمجرّد تقديمها، سيكون أمام السعوديّة حوالي شهرين قبل بدء مهلة الاستجابة.
كما تقول مونيكا سوبيكي، وهي شريكة في شركة بيندمانز: “هذه مرحلة حاسمة في قضيّة يحيى عسيري. لقد نظرت المحكمة العليا في الأدلة المستفيضة المُقدَّمة لدعم الدعوى، بما في ذلك الأدلة على أن الدعوى لديها احتمالات معقولة للنجاح إذا وصلت القضيّة إلى المحكمة – بمعنى آخر، أن لدى يحيى فرصة جيّدة للفوز بدعواه. لذلك، منحت المحكمة العليا الإذن بتبليغ الدعوى إلى السعوديّة. وانتهاك حقوق خصوصيّة موكّلي تتطلب الآن رسميًّا توضيحًا من السلطات السعوديّة”.
يمثّل قرار المحكمة العليا لحظة مهمّة في مكافحة القمع العابر للحدود الوطنيّة وإساءة استخدام الدول الاستبداديّة لتقنيّات المراقبة.
ففي السنوات الأخيرة، توسّع القمع الشامل الذي تمارسه السلطات السعوديّة في الداخل بشكل متزايد إلى الفضاء الإلكتروني سواء محليًّا أو في الخارج.
ومن خلال تقديم دعواه، يسلّط عسيري الضوء على الآثار البعيدة المدى لهجمات السلطات الإلكترونيّة على المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان. كما ومن المرجّح أن تشكّل نتيجة القضيّة هذه سابقة مهمّة في قضايا المساءلة عن المراقبة الإلكترونيّة للنشطاء.
وختتم عسيري قائلًا: “نحن متفائلون للغاية، ونعتقد أن النظام القضائي سيقف إلى جانبنا. نعم، إنّ السلطات تتجسّس علينا، وقد اعتقلت أصدقاءنا وعذّبت بعضهم وقتلت بعضهم، لكننا نعتقد أن جانب العدالة والحقوق سيسود في النهاية”.
ارسال التعليق