كيف أسس النفط لمسار العلاقات "السعودية" مع واشنطن
دشن عبد العزيز آل سعود العلاقات "السعودية" الأميركية من بوابة شركات النفط، ففي العام 1943 سمح عبد العزيز للولايات المتحدة الأميركية ببناء مطار عسكري في الظهران حيث تتواجد شركة أرامكو، وبقيام القوات الأميركية بتدريب القوات الجوية "السعودية"، فحلّت عام 1951 البعثة العسكرية الأميركية محل البعثة البريطانية في إعداد وتدريب الجيش السعودي. وازدادت وتيرة العلاقة مع انضمامها للتحالف بوجه ألمانيا معلنة الحرب عليها.
وضعت واشنطن نصب عينيها الحلول محل لندن في المنطقة، لما شكله موقع "المملكة" من حاجة في الحرب العالمية الثانية تضاعفت في سياق استعار مسار الحرب الباردة واستراتيجيات الاحتواء. فاستغلّت أميركا موقع "السعودية" وعدائها للشيوعية الكافرة ومكانتها المؤثرة في 300 مليون مسلم آنذاك، ودفعتها الى توحيد الرؤية في مواجهة الاتحاد السوفياتي مع إعلان إيزنهاور 1957.
في ذلك الوقت، شكلن المملكة الهاشمية الحاكمة في شرق الأردن والعراق والمدعومة من بريطانيا، شكلت خطراً لآل سعود، حيث كان يتطلع عبد العزيز إلى كيفية تأسيس الدولة وتثبيتها والخشية من الهاشميين ومشاريعهم الوحدوية.
يمكن القول أن العلاقة وُلدت بتزامن قل نظيره بين المصلحة الأمنية لتثبيت عبد العزيز "دولته"، وتلك الاقتصادية التي وفّرها الذهب الأسود، والموقع الجيوبوليتيكي وكذلك الخاصيّة الثقافية التي توفرها المملكة فتمّ تكثيف مضمون هذه العلاقة بمعادلة الأمن مقابل النفط، وبات اللقاء الشهير بين المؤسس "السعودي" وروزفلت الأكثر رسوخا في الذاكرة.
إلى ذلك، شهدت مرحلة حكم فيصل أبرز تحديات العلاقة الأميركية "السعودية" وأحد أهم فصولها التاريخية بالارتكاز إلى سيطرة الأميركي على الفراغ في "الخليج" بعد انسحاب البريطاني من شبه الجزيرة العربية عام 1971، واخفاق المشروع الناصري على أثر النكسة ووفاة جمال عبد الناصر مطلع السبعينات، ثم حرب تشرين عام 1973.
وبرزت تحولات اجتماعية داخلية في "المملكة" من قبيل ظهور فئة المثقفين كامتداد رمزي لطبقة متعلمة تأثرت بأنماط التفكير الغربي التي كانت إحدى الجهود التحديثية، ونتاج احتكاك الشباب "السعودي" بمنظومة شركة "أرامكو" الضخمة والعاملين فيها الذين قدموا من خارج البلاد، كما شهدت نمو حركة اجتماعية واسعة كشكل من أشكال التمازج بين الفكر الإخواني القطبي مُطعما بالفكر الوهّابي. حيث مارست هذه الحركة شكلاً عصريا من النشاط الإسلامي كان إلى ذلك الحين غائبا عن المشهد السياسي في البلاد، وسرعان ما أصبحت عنصرا محوريا في النسيج الاجتماعي "السعودي" مستفيدة من الخطاب "السعودي الإسلاموي" المستجد مع "الملك" فيصل.
بدأت الحقبة "السعودية" مع انتهاء الناصرية، حيث دخل العالم العربي مرحلة جديدة، حيث زاد احتياج واشنطن لفيصل بهدف استعادة نفوذها المهتز. في تلك الفترة، قام فيصل بتقديم طرح مرتبط بالقضية الفلسطينية يقول بتخلي الصهيونة عن فكرة الدولة العرقية لصالح مجتمع متعدد الطوائف، ما يعني أن هدف فيصل ليس المواجهة بل ايجاد تسوية، في خطوة اعتبرها كثيرون بأنها أتت في سياق تقديم أوراق اعتماده لدى الأميركيين مقابل ان يحظى بالزعامة.
واجهت العلاقات بين الطرفين تحد لجهة اختلاف الرؤى إبان تلك الفترة، حيث وجد فيصل وهو الذي يقدم نفسه بخطاب إسلامي، وجد نفسه في تضاد عميق نتيجة تذبذب السياسة الاميركية بين الحاجة إلى النفط وتأمينه لها وبين تبنيها ودعمها المطلق لـ"إسرائيل" ولسياستها التوسعية ونهجها العدواني. لكن لم يدم الأمر طويلاً مع زيارة ريتشارد نيكسون للرياض في حزيران 1974، وإنشاء اللجنة "السعودية" الأميركية المشتركة للتعاون الاقتصادي.أتى ذلك على إثر حادثة حظر النفط جزئيا عن الدول المشاركة أو الداعمة لإسرائيل، وما خلقته من مساحة تنسيق سياسي أكثر من المتوقع في إستمالة مصر وإخراجها بشكل نهائي من المظلة السوفياتية، وصولاً إلى تدخلها السري في إنضاج عملية التسوية إنتهاء بكامب ديفد.
منذ العام 1979، وبعيد التخلي الأميركي عن شاه إيران انبثقت الشكوك لدى النظام السعودي في أصل فكرة الحماية التي أقرتها وثيقة الشراكة الاستراتيجية، ما ولّد قلقاً بأن "المملكة" قد تكون التالية، هذا إقليميا. أما داخليا، فقد صدمت حادثة جيهمان العتيبي وعي النظام السعودي، حيث جاءت هجمات 1979 من تيار اليمين، وممن وقفوا مع العائلة "المالكة" بادئ الأمر.
يرى "خوان كول" أن سياسة الولايات المتحدة خلال تلك المرحلة قامت على ثلاثة مبادئ وحليفين رئيسين تمثلت في: مواجهة النفوذ الشيوعي، دعم النخب السياسية الدينية المحافظة والنخب التسلطية، وضمان حرية الوصول إلى إمدادات الشرق الأوسط النفطية. أما الحليفان فسيكونان "إسرائيل" و"السعودية".
وفي التطرق إلى مرحلة "الملك" فهد، بلغت في تلك المرحلة سياسة "الديبلوماسية الدينية" ذروتها وتضاعف الإنفاق على المؤسسات الدينية من قبله بهدف القتال في أفغانستان ولتأكيد الهوية الدينية للـ"مملكة" مقابل إيران. كما ساهم النظام السعودي في تأمين حُسن سير عمليّة التسوية التي انطلقت عام 1991،كما أمن الغطاء لحربين على المقاومة اللبنانية في عامي 1993و 1996 لتصفية المعترضين على عملية السلام من قوى المقاومة في لبنان وفلسطين.
أما مع وصول بوش الأب إلى البيت الأبيض وانهيار الاتحاد السوفياتي، ذهبت الإدارة الأميركية إلى تبني مبادئ التواجد العسكري المكثف في المنطقة للدفاع عن دول الخليج وإبرام التسوية بين الأنظمة العربية و"إسرائيل". وتمّت ترجمة هذه المبدأ من خلال إبرام معاهدات أمنية دفاعية بين الولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي، تنص على وجود عسكري دائم وعلى منح أميركا قواعد عسكرية في عدة دول خليجية.
لم يسلم الأداء "السعودي"، في تلك الفترة، من الاتهامات، وخاصة من جانب بعض التيارات الإسلامية التي رأت في سياسات هذا النظام سبباً في وجود القوات الأميركية في المنطقة واستدامتها فقررت المواجهة، عبر سلسلة من التفجيرات التي ضربت مدينة الخبر في العام 1996، ورفض وزير الداخلية حينها نايف بن عبد العزيز السماح للمحققين الأميركيين من هيئة التحقيق الفيدرالية بالمشاركة في التحقيق، ليأتي بعدها أول طرح من قبل نائب الرئيس الأميركي عن دعم "السعودية" للجهاديين كخطر يجب الوقوف عليه بعد طول تغاضي، وأن أميركا ستعتبر تنظيم القاعدة تنظيماً إرهابياً منذ 1999.
ارسال التعليق