لماذا السعودية وليس منصّة تويتر
بقلم: محمد طلبة رضوان...
دعت القاهرة إلى قمّة دولية للسلام في 21 الشهر الماضي (أكتوبر/ تشرين الأول)، وبعد 14 يوما من اندلاع الحرب في غزّة، وانتهت من دون نتيجة تقريبا. ثم دعت الرياض إلى قمّة أخرى، استثنائية، كما سموها، عربية، ثم صارت عربية إسلامية، ما دفع كثيرين إلى التفكير بالتمنّي، وتوقع شيء فارق، ومختلف، وحلّ سياسي حقيقي، يتناسب مع مكانة الرياض (ومشروعها). وارتفع سقف الاحتمالات ليتجاوز بروموهات كلمة أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، الأولى (وشبيهتها الثانية). جاءت كلمات قادة وزعماء الدول العربية والإسلامية إنشائية، على تباين مستويات الإنشاء بحسب تفاوت أحجام الدول وطبيعة المتحدّثين، من دون اقتراح حلٍّ عمليٍّ واحد، أو مجرّد التلويح بفعل أو ردّ فعل ما، يعكس قيمة المجتمعين، ومدى تقديرهم الفاجعة وتداعياتها الكارثية وآثارها المستقبلية الحتمية عليهم جميعا.
جاءت بعض الخطابات أشبه بتغريدات منصّة إكس، أو "فيسبوك" بعد أسرلتها "حرفيا"، فيما تجاوز بضعها الآخر، مشكورا، سقف المنصّة الإلكترونية إلى المداخلات التلفزيونية، حتى تشعر كأنك أمام "حضور" حسام زملط، أو "حماس" رحمة زين، أو "قوّة" محمّد حجاب، لكنك لا تشعر أبدًا أنك أمام جرأة سخرية باسم يوسف.
تعتمد كثير من خطابات الساسة العرب إلى شعوبهم على محدّد "معرفة الدولة" ما لا يعرفه غيرها، سواء كانوا من المعارضين، الذين لا يملكون سوى المزايدات أو "الكلام المرتّب" على أقصى تقدير، لكنهم لا يدركون خطورة المنصب، وحجم المسؤولية، ومعنى الدولة، وتوازنات السياسة وإكراهاتها، ناهيك عن الشعوب، أو عوامّ الناس ممن لا يعرفون شيئا على الإطلاق، والأصلح لهم أن يستمتعوا بإنجازات أصحاب الفخامة وهم صمٌّ بكمٌ عُميٌّ حتى يرجعوا إلى بيوتهم.
تتكرّر هذه السردية بصيغ مختلفة، بعضها ذكي ومراوغ، في خطابات الأذرع الإعلامية، وبعضها قصف مباشر في خطابات القادة أنفسهم. هكذا بوضوح، لا أريكم إلا ما أرى، ثم يأتي اختبارٌ حقيقي، مثل القضية الفلسطينية التي تخصّ كل عربي، من هؤلاء الذين لا يعرفون شيئا على الإطلاق، لكنهم يفوّضون قادتهم العارفين بالله وبالدولة، فإذا بنا أمام طبقةٍ أخرى من "العوام"، والمفوّضين أمرَهم إلى الولايات المتحدة... إدانات للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة، وجرائم الحرب والمجازر الهمجية والوحشية واللا إنسانية، التي ترتكبها إسرائيل، ومطالبات لمجلس الأمن باتّخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي، والإنساني، وقرارات الشرعية الدولية، ودعوات بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل، الأمر الذي فاجأ كثيرين، ليس لأن دولا عربية ترسل أسلحة إلى قتلة الأطفال في فلسطين، فهذا متوقّع، ولكن لأن دولا عربية تتصوّر أو تريد أن تصوّر لشعوبها أن توقفها عن تصدير الأسلحة إلى الحليفة إسرائيل سوف يشكّل تهديدا لجيش الاحتلال الذي تدعمه الولايات المتحدة.
تخبرنا تجاربنا مع الكيان الصهيوني أنه يرفض أي حل سياسي، سواء برعاية الولايات المتحدة أو غيرها، ابتداء من مبادرة روجرز الأميركية في 1969 مرورا بمحطّات بريجنسكي عام 1977، ورونالد ريغان عام 1982، ومفاوضات مدريد، وأوسلو، بعد حرب الكويت، ثم خريطة الطريق في عهد جورج بوش الابن، وصولا إلى مبادرة السلام العربية عام 2002. خاضت إسرائيل هذه المفاوضات من دون أن تتوقّف، يوما، عن بناء المستوطنات، وفشلت هذه المحاولات نتيجة إصرار إسرائيل على الحصول على كل شيء مقابل لا شيء تقريبا، مع استمرارها في ادّعاء أنها الطرف الذي يريد السلام مقابل العرب الذين يرفضونه! فهل من الممكن توقّع شيء آخر الآن؟ وما الذي يمكن أن تسفر عنه الاستغاثات العربية بالولايات المتحدة التي أعلنت بوضوح انحيازها لإسرائيل، أو مجلس الأمن الذي تنتهك إسرائيل قراراته يوميا؟ ألم تكن منصّة إكس أو غيرها من المدوّنات الشخصية أولى بخطابات قمّة الرياض "الساكتة"، ولو من باب التوفير؟
ارسال التعليق