دول الخليج تعامل العمالة الوافدة على أنها غير ضرورية
قالت “هيومن رايتس ووتش” بمناسبة “اليوم الدولي للمهاجرين” في 18 ديسمبر/كانون الأول 2023، إن العمال الوافدين يلعبون دورا أساسيا في مواجهة درجات الحرارة الشديدة في دول “مجلس التعاون الخليجي”، لكن هذه الحكومات لا تحمي العمال الرئيسيين من المخاطر المتعلقة بتغير المناخ.
أشارت دراسات وتوقعات عديدة إلى تصاعد مخاطر الحرارة الشديدة في دول الخليج في السنوات الأخيرة بسبب تغير المناخ. يواجه جميع العمال في الخليج مخاطر الحرارة الشديدة، لكن العمال الوافدين يتعرضون بشكل كبير لأخطر ظروف العمل في المنطقة.
قابلت هيومن رايتس ووتش ستة فنيي إصلاح أجهزة تكييف الهواء الذين يلعبون دورا حاسما في حماية سكان الخليج من الحرارة الشديدة.
قال فني سابق مقيم في السعودية إن طلبات إصلاح مكيفات الهواء أصبحت “مسألة طارئة، خاصة في الحالات التي تتعلق بكبار السن أو الأشخاص ذوي الإعاقة أو السكان المرضى الذين لا يستطيعون التنقل بسهولة”. تواجه هذه المجموعات بشكل خاص مخاطر شديدة بسبب الحرارة الشديدة.
قال مايكل بَيْج، نائب مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: “فنيي تكييف الهواء هم مثال واحد فقط على العمال الوافدين غير المرئيين في كثير من الأحيان، ولكن لا غنى عنهم، والذين يجعلون الحياة أكثر أمانا في ظل درجات الحرارة المتزايدة في الخليج”.
وتابع “مع ذلك، سياسات دول الخليج وأصحاب العمل يعاملونهم بانتظام على أنه يمكن التخلص منهم. ينبغي أن يلفت اليوم الدولي للمهاجرين الانتباه إلى الحاجة إلى إصلاح التناقض الصارخ لممارسات العمل الاستغلالية في الوظائف الضرورية لمساعدة الناس على التعامل مع أزمة المناخ”.
وثّقت هيومن رايتس ووتش مدى أهمية العمال الوافدين في التصدي لمخاطر المناخ، لكنهم يواجهون انتهاكات خطيرة مثل الحرارة الشديدة وسرقة الأجور ورسوم الاستقدام الباهظة.
مع أن “مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ” (كوب 28)، الذي عُقد في الإمارات، أقر أخيرا بالحاجة إلى التحول بعيدا عن الوقود الأحفوري، إلا أنه لم يقدم التزاما واضحا ومحددا زمنيا بالتخلص التدريجي من الوقود الأحفوري باعتباره المحرك الرئيسي لأزمة المناخ.
تُلحق أزمة المناخ الضرر بشكل غير متناسب بالفئات المهمشة مثل العمال الوافدين ومجتمعاتهم في أوطانهم، والتي تكون في كثير من الحالات من أكثر المتأثرين بتغيّر المناخ.
تستضيف دول الخليج، البحرين والكويت وعُمان وقطر والسعودية والإمارات، أعدادا كبيرة من العمال الوافدين في إطار صِيغ مختلفة من نظام الكفالة الاستغلالي، الذي يربط تأشيرات العمال الوافدين بأصحاب العمل ويتركهم عرضة للانتهاكات.
مع تفاقم تغير المناخ، تؤثر الحرارة الشديدة على عدد متزايد من العاملين في أماكن مكشوفة في جميع أنحاء العالم.
درجات الحرارة والظروف في منطقة الخليج شديدة بالفعل، حيث تتجاوز درجات الحرارة اليومية القصوى 40 درجة مئوية (104 درجة فهرنهايت) بين 100 إلى 150 يوما في السنة. هذا يجعل المنطقة معرضة بشدة لتغيّر المناخ الذي يهدد حتى مستقبل السكن البشري.
قالت “الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ” إن درجة الحرارة القصوى لجهاز البُصيلة الرّطبة الكرويّة لدول الخليج، وهي مقياس للتأثير الفعلي للحرارة والظروف المرتبطة بها، من المتوقع أن تقترب من، وربما تتجاوز، العتبة الفسيولوجية لقدرة الإنسان على التكيف، وهي 35 درجة مئوية (نحو 95 درجة فهرنهايت)، بحلول نهاية القرن.
أدى العمال الوافدون دورا أساسيا في تحويل وتوسيع البنية التحتية الحضرية في منطقة الخليج رغم الحرارة الشديدة، ودورهم سيظل أساسيا وستزداد أهميته في مساعدة الناس على التكيف مع الحرارة الشديدة المتصاعدة.
قال فني تكييف الهواء في ثلاثة مباني مدرسية إن وحدات تكييف الهواء التي تعمل بكامل طاقتها 24 ساعة يوميا تتطلب إصلاحات متكررة: “واصلنا العمل رغم الظروف القاسية، حيث أمضينا ثماني ساعات على الأقل يوميا [من أصل 12 ساعة عمل] على السطح في حالات الإصلاح. مع ارتفاع درجات الحرارة، تصبح وظائفنا أصعب فأصعب”.
قال الفني إن صاحب عمله مسؤول عن انتهاكات الأجور، بما فيه عدم دفع ساعات العمل الإضافية، ومصادرة جوازات سفر العمال لمنعهم من المغادرة، ورسوم الاستقدام الباهظة، وعدم كفاية تدابير السلامة في مواقع العمل.
قال عامل وافد سابق في قطر والإمارات إن وظيفته في أحد الفنادق كفني صيانة وقائية لا تشمل فقط صيانة وإصلاح أجهزة تكييف الهواء، بل تحسين مبادرات كفاءة الطاقة في الفندق.
أضاف “تحولنا إلى استخدام مصابيح لِد [مصباح ثنائي باعث للضوء] وانتقلنا إلى تكييف الهواء القائم على الإشغال، مما أدى إلى توفير أموال المكان وتقليل استهلاكه للطاقة”.
تشكل الحرارة الشديدة خطرا صحيا كبيرا. وصف العمال تعرضهم للجفاف، ونزيف الأنف، والغثيان، والدوار، والصداع، والإغماء، والحمى بسبب العمل في درجات حرارة شديدة.
مع ذلك، تدابير الحماية من الحرارة المطبقة بشكل موحد في أنحاء دول الخليج غير كافية أبدا، حيث تستمر في الاعتماد على الحظر العشوائي وغير الفعال للعمل في منتصف النهار رغم وجود أدلة على عدم فعاليته.
التدابير القائمة على المخاطر مثل مؤشر الحرارة لجهاز البُصيلة الرّطبة الكرويّة أكثر فعالية، لكن قطر هي الوحيدة التي أصدرت تشريعات تحظر العمل عندما يتجاوز المؤشر 32.1 درجة مئوية (نحو 90 درجة فهرنهايت)، رغم انتقاد هذه العتبة باعتبارها مرتفعة جدا ولا تحمي العمال بشكل فعال. بالإضافة إلى ذلك، هناك ثغرات خطيرة في التنفيذ.
قال أحد فنيي التدفئة والتهوية وتكييف الهواء في دبي إن الطبيعة العاجلة لعمله في إصلاح مكيفات الهواء في محطات المترو ومراكز التسوق ودور السينما جعلت من الشائع انتهاك الحظر الحراري في منتصف النهار في الصيف.
وقال إنه في مثل هذه الحالات، تم “تزويد العاملين في شركته بالمظلات وأجبِروا على العمل معا في ثنائيات”.
رغم الظروف الصعبة والخطيرة في كثير من الأحيان، وثّقت هيومن رايتس ووتش بشكل واسع انتهاكات واسعة النطاق بحق العمال في أنحاء الخليج.
قال فني تكييف سابق في دبي، غادر الإمارات بعد عدم حصوله على أجوره كاملة لأكثر من عام ونصف: “في النهاية، بعد الانتظار بصبر لفترة طويلة، قررنا بشكل جماعي أنه ليس من المنطقي البقاء عندما لا يُدفع لنا كما وُعِدنا”.
كان عمله مع ثلاثة من زملائه يستلزم إصلاح وصيانة ما بين 100 إلى 150 وحدة تكييف هواء يوميا.
قال عامل وافد سابق آخر في السعودية، كان يقدم خدماته لنحو 10 وحدات ووحدتين أو ثلاث لأنظمة أكبر للتدفئة والتهوية وتكييف الهواء، إنه غادر بسبب عدم دفع الأجور.
وأضاف “أصبحت الضغوط المالية شديدة جدا لدرجة أننا لم يعد يمكننا شراء الطعام”.
الانتهاكات الشائعة الأخرى، بما فيها ظروف المعيشة المكتظة وغياب مناطق الراحة المظللة في مواقع العمل ونقص خدمات النقل المكيفة أثناء التنقل، تؤثر أيضا على قدرة العمال على الراحة وتعويض سوائل الجسد والتعافي من التعرض للحرارة.
قال أحد عمال إصلاح مكيفات الهواء إنه كان يتشارك حماما واحدا مع 60 شخصا في السكن الذي قدمه له صاحب العمل لعام كامل، ولم تبنِ الشركة حماما إضافيا إلا خلال عامه الثاني.
وذكر أنه في مواقع العمل، لا تتوفر مناطق الراحة والتبريد دائما. قال: “الخيار الوحيد المتاح لدينا هو غرف الكهرباء لفترات الراحة القصيرة. عدم وجود ثلاجة قد يفسد أحيانا وجبات الغداء المحضرة مسبقا”.
وصف عامل آخر المخيمات التي يعيش فيها العمال الوافدون في السعودية بأنها “مصنوعة من حاويات” مزودة بمكيفات هواء قديمة معطلة، ويجب إصلاحها يوميا.
قال مايكل بَيْج: “انتهى مؤتمر المناخ السنوي، ومن المهم الآن أن تعالج دول الخليج الانتهاكات واسعة النطاق ضد العمال الوافدين الذين يؤودن دورا أساسيا في مساعدة سكان الخليج على مواجهة مخاطر المناخ المتصاعدة”.
ارسال التعليق