بعد عامين على نزع الملكية..النظام السعودي يعلن بدء صرف التعويضات
تستعجل "أمانة المنطقة الشرقية" أداء مهمة نزع الملكيات والتهجير، في وقت تتقاعس فيه عن تيسير وتسهيل حياة سكان المنطقة. وفي جديد إجراءات التعسف السعودية، عن بدء صرف تعويضات نزع ملكية 119 عقاراً الواقعة ببلدة الأوجام، تلك الأملاك التي شرعت الأمانة منذ سبتمبر/أيلول 2022، باجراءات نزع الملكية عن أصحابها، تحت مزاعم "فكّ الاختناقات المرورية وتحسين جودة الحياة"
مسلسل طويل من الهدم والتهجير في القطيف والأحساء، فمنذ وقت ليس بطويل أستدعت بلدية محافظة القطيف عددا من أبناء الشعب ممن يمتلكون عقارات تقع غرب طريق “الملك عبدالعزيز”، لانتزاع ملكياتهم فيها بذريعة تطوير الطريق. مع إضافة جديدة ” تعديل مساره بعيداً عن المنطقة التاريخية من قلعة القطيف”.
في أعقاب هدم مسوّرة العوامية، وما رافقها من هدم طال العديد من الأحياء الاخرى مثل كربلاء والمنيرة والمنصوري وغيرها، تم تهجير الآلاف من أبناء العوامية. وأيضا، وسرعان ما تابعت “بلدوزرات” بن سعود مسيرة الهدم والتجريف في اقصى الجنوب وسط سيهات وصولا إلى صفوى في أقصى الشمال، ومن الغرب في الأوجام إلى تاروت شرقا، حيث لم يبق قرية أو بلدة أو حي لم يطالها الهدم بعنوان التطوير وتوسعة الشوارع والطرق.
وقالت مصادر محلية، إن من خرج من تلك المناطق لم يرجع إليها حتى الآن لعدة أسباب، أبرزها عدم توافر أراض أو منازل معروضة للبيع، إذ لم يعد هناك مساحات قابلة للتعمير فضلا عن عدم قدرة المهجرين على تأمين كلفة المسكن البديل، فالذين هُدمت ملكياتهم لم يعد لديهم ملاذا يعودون إليه، وبالتالي سيضطر الأهالي إلى النزوح من المنطقة التي تم محاصرتها في السابق بين البحر ومحجوزات أرامكو، واليوم بخطط الهدم وذرائع التطوير، وهنا يكمن لبّ المشروع السعودي. فالنظام يستهدف من وراء ذلك تشتيت الأهالي وبعثرة تجمعاتهم للقضاء على وجودهم كمجتمع وبيئة متجانسة متكاملة، ويقضي على روابطهم الاجتماعية، فاستهداف هذه البيئة واضح بدليل أن النظام لم يعمل على بناء مساكن بديلة لهم قبل الشروع بالهدم وتشتيت الأهالي ضمن مناطق وبيئات مجتمعية متناقضة.
شهية التدمير المفتوحة:
بعد تدمير حيّ المسورة، فتحت شهية النظام أكثر. على الخريطة قرى وشوارع ومدن وُضعت كي تخضع لسيف السلطة. كلّ ما يصبّ في صالحها سياسيًا واقتصاديًا، داخليًا وخارجيًا، يجب أن تُبادر إليه. الأجواء الإقليمية والدولية تُتيح لها تنفيذ ما يحلو لها من مشاريع، من قمع، من تهجير، فالصمت على الملفّ الحقوقي في السعودية سارٍ، والانشغال بأزمة أوكرانيا وأسعار النفط يأخذ الحيّز الأكبر من الاهتمام الدولي، ما يعني أن النظام سيكون في مأمن من الانتقادات والمَلامة.
على الأرض، عجلات التجريف تنشط في عموم القطيف. من مدينة صفوى – العوامية الى البحاري ومزارع الرامس وحي الزهراء وشوارع الإمام علي والثورة (يضمّ 28 معلمًا أثريًا من منازل ومساجد وقلعة) والرياض والناصرة والشاطئ ومقبرة الخباقة وقرية أم الحمام والجش والأوجام وتاروت وبلدة عنك وشارع سلمان الفارسي وطريق زين العابدين وصولًا الى أم الساهك، لا لغة سوى لغة الهدم. صودرت عشرات آلاف العقارات، وثُمّن الكثير منها بأقلّ من سعره الحقيقي، انُتزعت ملكيات مئات المساحات والأمتار من أهلها الأصيلين، فظلّوا بلا بدائل وأضحوا مُهجّرين بلا مأوى أو نازحين مؤقتين هنا وهناك.
بلا إنذارٍ مسبق، يُفاجأ هؤلاء بمُلصق مُباغت على دارتهم في وقت تختاره أجهزة الدولة يدعوهم الى إخلاء منازلهم. عليهم التنفيذ سريعًا لأن لا خيار أمامه، وبالتالي المُغادرة كيفما كان والانسلاخ عن عمرٍ قضوه في بلداتهم بلا عودة أو إمكانية استرجاع ذاكرة الأجداد هناك.
ما يحاول النظام السعودي تحقيقه في المنطقة الشرقية وفي القطيف تحديداً هو أخطر من تهجير الأهالي وإبعادهم عن أرضهم، ما تحاول فعله هو طمس الهوية الحقيقية للمنطقة، ومحو كل أثرٍ حضاري وثقافي فيها، وإلباسها ثوباً ترضى عنه هي ويخدم أهدافها ولا يشكّل تهديداً لها.في تشرين الأول/أكتوبر من عام 2022 بدأت أمانة المنطقة الشرقية عمليات التجريف تحت ذريعة تطوير شارع عبد العزيز (شارع الثورة). 14 حياً يقع على امتداد الشارع استهدفها التجريف، كما تضمّ المنطقة 28 معلماً أثرياً ومساجدَ ومبانٍ دينية. ويُعدّ شارع الثورة مهداً للانتفاضة عام 2011 وشاهداً على الحراك السلمي حينها.
وكانت بلدية محافظة القطيف قد بدأت في عام 2018 إجراءات نزع ملكية نحو 600 عقار تقع ضمن شارع عبد العزيز (شارع الثورة)، شارع الرياض وشمال الناصرة. وكانت مصادر من داخل القطيف حينها كشفت إجبار بعض العوائل على توقيع إقرارات نزع الملكية، مؤكدةً نزع ملكيّات ما يفوق 1200 عقار.
هذا ويتطلّب قانون “نزع ملكية العقارات للمنفعة العامة” السعودي، استنفاد جميع بدائل نزع الملكية، بما في ذلك الاستملاك العام، وتقديم تعويضٍ عادل وإشعارٍ مناسب، وبهذا يكون النظام السعودي قد انتهك القانون السعودي نفسه.
دهَس محمد بن سلمان القوانين الدولية والمحلية على حدٍ سواء، يهمّشها ويهشّمها كل يوم بلا رادع، وبينما يصمت المجتمع الدولي أمام انتهاكاته الحقوقية، تواصِلُ جرافاته هدمَ أسقف البيوت وأزقة الأحياء ماحيةً تاريخ مئات السنين وذاكرةَ من شرّدتهم وحاولت طمس هويّتهم.
ارسال التعليق