
السلطات السعودية تتمادى بجرائمها وتتجاهل البيانات الأممية
في تقرير شامل ومفصل، كشفت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان عن نمط منهجي ومتكرر من التجاهل الكامل من قبل "السعودية" للنداءات الأممية المتكررة المتعلقة بإعدام قاصرين ومعتقلين سياسيين. ووفقاً للتقرير الصادر عن المنظمة، فإن السلطات السعودية تواصل تنفيذ أحكام الإعدام التعسفية رغم التحذيرات الدولية الواضحة التي تؤكد على انتهاك هذه الأحكام للقانون الدولي والمعايير الحقوقية.
على مدى السنوات الأخيرة، تابعت آليات الأمم المتحدة المختلفة، بما فيها المقررون الخاصون والفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي، قضايا عدد من الأفراد الذين يواجهون أحكاماً بالإعدام. وقد وثّقت المنظمة في تقريرها كيف أصدرت هذه الآليات رسائل وبيانات متتالية حذرت فيها من الانتهاكات الجسيمة التي رافقت المحاكمات. وتضمّنت هذه الانتهاكات، كما نوّهت المنظمة، انتزاع الاعترافات تحت التعذيب، والحرمان من الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة، بالإضافة إلى مخالفة "السعودية" لالتزاماتها بموجب اتفاقية حقوق الطفل واتفاقية مناهضة التعذيب، التي تُلزم الدول بحظر التعذيب وإصدار عقوبة الإعدام بحق القاصرين.
في تجاهل صريح لكل هذه النداءات والتحذيرات، كما تؤكد المنظمة، أقدمت "السعودية" في 21 أغسطس 2025 على تنفيذ حكم الإعدام بحق جلال اللباد، الذي كان من بين الأسماء التي تناولتها الرسائل الأممية بشكل مباشر. هذا الفعل، بحسب المنظمة، لا يمثل مجرد إعدام فرد، بل يعكس إصراراً ممنهجاً من قبل السلطات على الاستمرار في سياسة الإعدامات التعسفية، وهو تحدٍ سافر للمجتمع الدولي وقوانينه.
نوّهت المنظمة في تقريرها بأن آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة تناولت عدداً من القضايا التي تتابعها، وبَيّنت الانتهاكات الجسيمة التي تكتنفها، في محاولة لوقف موجة الإعدامات التي تطال المعارضين والقاصرين.
قضايا القاصرين: بحسب المنظمة، راسل عدد من المقررين الخاصين في 16 فبراير 2023 حكومة "السعودية" بشأن قضايا سبعة قاصرين لم تُكشف أسماؤهم. أكد الخبراء في رسالتهم أن أي إعدام بحق أشخاص ارتكبوا جرائم قبل سن الثامنة عشرة يُعد إعداماً تعسفياً وغير قانوني. وأوضح الخبراء أن القانون الدولي، بما في ذلك اتفاقية حقوق الطفل التي صادقت عليها "السعودية" عام 1996، يحظر بشكل مطلق إصدار عقوبة الإعدام على الأطفال. كما شددت الرسالة على الحظر المطلق لاستخدام التعذيب بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، وأعربت عن قلقها من التعريف الفضفاض للإرهاب في القانون السعودي الذي يتيح استخدام عقوبة الإعدام بشكل غامض وواسع. دعت الرسالة إلى إعادة محاكمة القاصرين وفق ضمانات عادلة، وإلى مراجعة قانون مكافحة الإرهاب بما يتوافق مع المعايير الدولية. وتطرقت الرسالة أيضاً إلى المعاناة التي تتسبب بها ممارسات عدم تسليم جثامين المعدومين إلى أسرهم، واعتبرتها إلحاقاً غير مبرر بالألم والمعاناة بالعائلات، مطالبة "السعودية" بضمان تسليم الجثث دون تأخير.
قضيتا الدرازي والمناسف: وفي رسالة أخرى في 6 يوليو 2023، ركز المقررون الخاصون على قضيتي عبد الله الدرازي ويوسف المناسف. وجاء في الرسالة، وفقاً لتقرير المنظمة، أن جميع التهم المنسوبة إليهما لا تتعلق بجرائم قتل، وإنما تندرج ضمن الجرائم التعزيرية، وهو ما يحميهما من عقوبة الإعدام بموجب المرسوم الملكي لعام 2020 وقانون الأحداث لعام 2018. وأشارت الرسالة إلى أن "السعودية" أعلنت سابقاً أمام لجنة حقوق الطفل أنها لا تطبق الإعدام بحق القاصرين، غير أن الممارسة العملية أظهرت استمرار إصدار هذه الأحكام. وحذرت الرسالة من أن تعريف الإرهاب في القانون السعودي فضفاض إلى درجة تسمح بتجريم العصيان المدني والتعبير عن الرأي، وهو ما يقوض مبدأ اليقين القانوني. وأكدت أن المحاكمات افتقرت إلى ضمانات العدالة، وأن أي تنفيذ لهذه الأحكام سيكون إعداماً تعسفياً وغير قانوني.
اللباد، الدرازي والمناسف: في 13 يونيو 2024، وجه المقررون الخاصون رسالة جديدة تناولوا فيها قضايا جلال اللباد وعبد الله الدرازي ويوسف المناسف. حذرت الرسالة، كما ذكرت المنظمة، من أن التهم الموجهة إليهم لا ترتقي إلى “أخطر الجرائم” التي تقتصر عليها عقوبة الإعدام بموجب القانون الدولي، وأن الأحكام استندت إلى اعترافات منتزعة تحت التعذيب مع حرمان المتهمين من حقهم في الاستعانة بمحامٍ كفؤ. وأعربت عن القلق من اعتماد السلطات على قانون مكافحة الإرهاب لعام 2017 الذي سبق أن انتُقد لتجريمه الاحتجاجات والمعارضة. ولفتت الرسالة إلى ممارسات الإخفاء القسري وسرية الإعدامات وعدم تسليم الجثامين، ووصفتها بأنها تتعارض مع اتفاقية مناهضة التعذيب واتفاقية حقوق الطفل والميثاق العربي لحقوق الإنسان.
العودة، المالكي، القرني، العمري: وفي نوفمبر 2019، أشار تقرير المنظمة إلى رسالة مشتركة وجهها عدد من المقررين الخاصين والفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي إلى حكومة "السعودية". أعرب الخبراء عن قلقهم البالغ إزاء التهديد بفرض وتنفيذ عقوبة الإعدام بحق مجموعة من الدعاة والمفكرين بينهم علي حمزة العمري، عوض القرني، حسن المالكي، وسلمان العودة. أبرزت الرسالة الانتهاكات الجسيمة للإجراءات القضائية التي رافقت اعتقالهم ومحاكمتهم، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة، والحرمان من الاتصال بالعائلة أو بمحامٍ لفترات طويلة، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب واستخدامها كأساس للأحكام. أكد المقررون أن التهم الموجهة إليهم لا ترقى إلى “أخطر الجرائم” وأن فرض العقوبة في مثل هذه الظروف يشكل إعداماً تعسفياً تتحمل الدولة مسؤوليته.
لفتت المنظمة في تقريرها إلى أن الفريق العامل المعني بالاعتقال التعسفي تبنى آراء قانونية أكدت فيها تعسفية الاعتقالات وانتهاكها للقوانين الدولية.
رأي بشأن سعود الفرج: في عام 2023، خلص الفريق العامل إلى أن اعتقال سعود الفرج كان تعسفياً ويتعارض مع أحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. ورأى أن العلاج المناسب هو إطلاق سراحه فوراً ومنحه التعويض. ومع ذلك، وكما رصدت المنظمة، خضع الفرج في ديسمبر 2024 لإعادة محاكمة، إلا أن المحكمة أعادت الحكم عليه بالقتل، دون معالجة المخاوف القانونية التي طرحها رأي الفريق العامل، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والتهم غير الخطيرة.
رأي بشأن خمسة قاصرين: أصدر الفريق العامل في 15 نوفمبر 2024 رأياً يتعلق بخمسة قاصرين هم عبد الله الدرازي ويوسف المناسف وحسن زكي الفرج وجواد قريريص وجلال اللباد. أشارت المنظمة إلى أن الفريق أكد أن احتجازهم تعسفي ويستوجب الإفراج الفوري. وأوضح أن حكومة "السعودية" فشلت في تبرير اعتقالهم واكتفت بتقديم معلومات عامة عن الأطر القانونية من دون أن تبيّن كيفية انطباقها على الحالات المحددة، بينما كانت رواية المصدر متماسكة ومفصلة.
رأي بشأن عوض القرني: في رأي تبناه الفريق العامل في سبتمبر 2023، ونشره في أكتوبر 2023، أكد أن "السعودية" تعتقل عوض بن محمد القرني تعسفياً، وطالبها باتخاذ الخطوات اللازمة لتصحيح وضعه وجعله متوافقاً مع المعايير الدولية. واعتبر أن الحل المناسب هو إطلاق سراحه فوراً ومنحه حقه في التعويض. كما حث رأي الفريق حكومة "السعودية" على محاسبة المسؤولين عن انتهاك حقوقه. وأوضح الفريق أن الرد الرسمي من "السعودية" لم يكن كافياً لدحض ادعاءات التعسف، مؤكداً أن الدول ملزمة باحترام وحماية جميع حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وأن أي قانون وطني يسمح بالحرمان من الحرية يجب أن يتوافق مع المعايير الدولية ذات الصلة.
قدمت المنظمة في تقريرها ملخصاً لبيانات علنية صدرت عن المقررين الخاصين والفريق العامل، مؤكدة أنها لم تلقَ أي استجابة من "السعودية".
بيان بشأن عبد الله الدرازي: في 16 أكتوبر 2023، أصدر المقرر الخاص المعني بحالات الإعدام بإجراءات موجزة بياناً تناول فيه قضية عبد الله الدرازي، معرباً عن قلقه البالغ من التهديد الوشيك بإعدامه. أشار البيان، كما ذكرت المنظمة، إلى أن الدرازي اعتُقل عندما كان عمره 17 عاماً وتعرض للإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي وأُجبر على التوقيع على اعترافات. وأوضح البيان أن المرسوم الملكي لعام 2020 الذي يهدف لإلغاء عقوبة الإعدام بحق القاصرين غير مطبق بشكل كافٍ.
بيان بشأن القاصرين: وفي 30 أبريل 2025، عبّر الفريق العامل عن استيائه من استمرار السلطات في محاكمة خمسة قاصرين على خلفية أحداث وقعت في طفولتهم، مثل المشاركة في احتجاجات أو حضور جنازات. وأكد البيان أن أي تنفيذ للأحكام الصادرة بحقهم سيشكل إعداماً تعسفياً وغير قانوني، وأن هذه الممارسات تمثل انتهاكاً صارخاً لالتزامات "السعودية" الدولية.
وفي الختام، شددت المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان على أن هذا التسلسل من الرسائل والآراء والبيانات الأممية يكشف عن نمط ثابت من الانتهاكات الجسيمة المرتبطة بأحكام الإعدام. وأكدت أن إقدام "السعودية" على إعدام جلال اللباد والحكم مجدداً على قاصرين آخرين وسعود الفرج يمثل تحدياً سافراً للتحذيرات الدولية. وهذا التجاهل المتكرر للآليات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان يؤكد مرة جديدة، وفقاً للمنظمة، زيف ادعاءات التعاون الأممي والإصلاح والتغيير التي تروّج لها "السعودية"، وهو ما يدعو إلى زيادة الضغط الدولي لوقف هذه الانتهاكات.
ارسال التعليق