
السلطات السعودية تتوحش وتُصعّد عمليات الاعدام… ولا تستثني الأطفال
مع تنفيذ حكم الإعدام بحق القاصر جلال لباد في 21 أغسطس/آب 2025، رسّخت السلطات السعودية مسارها في استخدام عقوبة الإعدام كأداة لتصفية المعارضين والناشطين على خلفية الرأي.
هذا الإعدام رفع عدد القضايا ذات الطابع السياسي المنفذة منذ مطلع العام إلى 27 حالة، من أصل 260 عملية إعدام، بينها 21 قضية لم تتضمن أي تهمة قتل عمد، فيما ارتبطت ست قضايا على الأقل بتهم فضفاضة مثل “الخيانة العظمى” و”التخابر”.
اللافت أن معظم هذه الحالات لم تُوثّق بسبب التعتيم الرسمي، إذ منعت السلطات عائلات الضحايا من كشف الانتهاكات أو الحديث عنها، فيما لم تصل سوى قضايا محدودة ـ مثل قضية جلال ـ إلى المنظمات الحقوقية الدولية.
تهديد مستمر لحياة عشرات المعتقلين
تشير متابعات المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان إلى أن نحو 60 معتقلاً على الأقل يواجهون أحكاماً بالإعدام في مختلف درجات التقاضي. وبين هؤلاء قُصّر اعتُقلوا في سن مبكرة وتعرضوا للتعذيب والحرمان من المحاكمة العادلة.
أمثلة بارزة: عبد الله الدرازي (مواليد 1995): اعتُقل في 2014 وتعرض لتعذيب مروّع وحُكم بقتله رغم أن بعض التهم تعود إلى فترة كان فيها قاصراً.
حسن زكي الفرج (مواليد 1997): اعتُقل عام 2017 مع شقيقيه وتعرّض لصعق كهربائي وتعذيب وحكم بإعدامه رغم بطلان الأدلة.
علي حسن السبيتي (مواليد 1999): اتُهم بالمشاركة في مظاهرات عام 2011 حين كان عمره 12 عاماً فقط، وصدر بحقه حكم بالإعدام.
جواد عبد الله قريريص (مواليد 1997): قضى 270 يوماً في الحبس الانفرادي، وتعرض لتعذيب شديد، ومع ذلك طالبت النيابة بقتله.
قائمة الأسماء تشمل أيضًا يوسف المناسف، علي جعفر المبيوق، ومحمد لباد، وكلهم يواجهون مصيراً مشابهاً مع أحكام نقضتها المحكمة العليا ثم أُعيد تثبيتها بشكل متكرر.
التعذيب والاعترافات القسرية
تؤكد تقارير المنظمات الحقوقية الدولية أن التعذيب الممنهج هو القاسم المشترك في معظم هذه القضايا بما يشمل: الضرب المبرح بأسلاك معدنية، الصعق بالكهرباء، الحبس الانفرادي لشهور طويلة، التهديد باغتصاب الأقارب، وإجبار المعتقلين على التوقيع على اعترافات معدّة مسبقاً.
وتتعارض هذه الانتهاكات مع اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقّعت وصادقت عليها السعودية، وكذلك مع اتفاقية حقوق الطفل التي تحظر بشكل مطلق تنفيذ أحكام الإعدام بحق من ارتكبوا جرائم قبل بلوغهم سن الثامنة عشرة.
دعاة وباحثون يواجهون الإعدام
لم يتوقف الاستهداف عند النشطاء والقاصرين، بل شمل دعاة وباحثين بارزين:
سلمان العودة: رجل دين إصلاحي بارز، اعتقل في 2017، وُجهت له 37 تهمة معظمها تتعلق بآرائه الإصلاحية. يواجه خطر الإعدام وسط تدهور خطير في صحته.
علي العمري: رئيس جامعة ومقدم برامج، اعتقل عام 2017 وتعرض لتعذيب شديد، النيابة طالبت بإعدامه منذ 2018.
حسن المالكي: باحث إسلامي معروف بانتقاداته للخطاب الديني الرسمي، اعتقل في 2017 وطالبت النيابة بقتله.
عوض القرني: أستاذ جامعي وكاتب، اعتقل في 2017، واعتبرت الأمم المتحدة اعتقاله تعسفياً وطالبت بالإفراج عنه.
هؤلاء الأربعة يمثلون نماذج صارخة على أن حرية الرأي والتعبير في السعودية تعني مواجهة حبل المشنقة.
انعدام العدالة وتسييس القضاء
يتضح من الحالات الموثقة أن النظام القضائي السعودي يخضع بالكامل للسلطة التنفيذية، ويستخدم كذراع لتصفية المعارضين.
لا يُسمح للمحامين بالاطلاع على الملفات أو الحضور بانتظام.
تُمنع العائلات من متابعة سير المحاكمات.
تتكرر عمليات نقض الأحكام وإعادة إصدارها بنفس الصيغة، دون تحقيق في مزاعم التعذيب.
وبذلك، يتحول القضاء إلى أداة سياسية تُشرعن القتل التعسفي بدل أن توفر ضمانات العدالة.
انتهاك للالتزامات الدولية
تؤكد منظمات حقوقية أن السعودية تنتهك التزاماتها الدولية بشكل صارخ، بما في ذلك:
اتفاقية حقوق الطفل (1989).
اتفاقية مناهضة التعذيب (1984).
التزاماتها أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
ومع ذلك، تواصل الرياض ترديد ادعاءات “الإصلاحات” و”تطوير القضاء”، فيما الحقائق الميدانية تكشف واقعاً مختلفاً: الإصلاحات لم تحمِ حتى الأطفال من المقصلة.
وترى المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان أن السعودية ماضية في تنفيذ أحكام الإعدام بحق معتقلين سياسيين رغم كل الانتقادات العلنية والخاصة، ورغم تأكيد خبراء الأمم المتحدة أن العديد من هذه الأحكام تُعد جرائم بموجب القانون الدولي.
وإن تجاهل الرياض لمطالب وقف هذه الانتهاكات، وإنكارها المستمر للتعذيب، وتكرارها نفس المزاعم حول “محاكمات عادلة”، ليس سوى دليل على انعدام الثقة في نظام العدالة، وغياب أي نية حقيقية للإصلاح.ِ
ارسال التعليق